مكارثي رئيساً لمجلس النواب... دراما الترامبيين والتحالف مع الشيطان

مكارثي رئيساً لمجلس النواب الأميركي... دراما الترامبيين والتحالف مع الشيطان

08 يناير 2023
فاز مكارثي بالمنصب بعد 15 جولة اقتراع (ناثان بوزنر/الأناضول)
+ الخط -

احتاج زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب الأميركي السابق، النائب كيفن مكارثي، إلى 15 عملية اقتراع في مجلس النواب، و"التحالف مع الشيطان" بحسب الإعلام الأميركي، ليدخل التاريخ فجر أمس السبت، ويصبح رئيساً للمجلس، ليس بعملية اقتراع سلسة، بل بولادة قيصرية، عكست طبيعة التبدلات التي يعاني منها الحزب الجمهوري.

وفيما كتب مكارثي على "تويتر" فور فوزه "حان وقت المحاسبة"، هو المعروف بسعيه الدائم إلى توحيد معركة حزبه لتكون ضد الحزب الديمقراطي بشكل أساسي، تختصر عملية الانتخاب الشاقة التي أوصلته إلى رئاسة المجلس، كلّ التحولات العميقة التي يمر بها حزبه، من صعود حزب الشاي في بداية العقد الماضي، ثم وصول الملياردير الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وصولاً إلى وقوف الحزب المحافظ اليوم ربما على أعتاب تراجع الترامبية.

وإذ تلمّس فريق من "المتمردين" داخل الحزب هذا التراجع، اختاروا أن يؤسسوا لأنفسهم حيثية خاصة، وجدت لها فرصة في عرقلة انتخاب رئيس لمجلس النواب من الأكثرية التي يملكها حزبهم، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت هذه العرقلة ستؤسس لمرحلة صعبة من التعايش الجمهوري تحت سقف الكونغرس، أم سترتد حكماً على أجندة الرئيس جو بايدن، وسط سباق شرس داخل أجنحة الحزب الجمهوري، واحتدام المزايدة بين تياري الحمائم والصقور داخله، لعرقلتها.

مكارثي ينتزع بصعوبة رئاسة مجلس النواب الأميركي

وتمكن مكارثي، ليل الجمعة – السبت، من انتزاع منصب حَلُم جاهداً بالوصول إليه، بعد أيام طويلة من المساومات، بدأت الثلاثاء الماضي، وتكلّلت بأن منح فريقاً من المتمردين داخل الحزب الجمهوري، مؤلفاً من 20 نائباً، كل التنازلات الممكنة، وصولاً إلى إمكانية المطالبة بحجب الثقة عنه بطلب من نائب واحد فقط.

أبدى بايدن استعداده "للعمل مع الجمهوريين عندما يكون ذلك ممكناً"

وكان الأصعب في ذلك، وربما الأكثر إهانة لمكارثي، هو أن معظم الفريق النيابي الذي رفع شعار "أبداً كيفن"، والذين يلقبهم عدد من زملائهم في المجلس بـ"النواب الطالبانيين"، في إشارة إلى تشدّدهم مثل حركة "طالبان" الحاكمة في أفغانستان، هم من فريق "ماغا"، في إشارة إلى شعار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب "جعل أميركا عظيمة مجدداً"، والذي يحسب مكارثي عليه أيضاً، وظلّ حريصاً على مراضاته.

وبينما يتداخل الشخصي بالسياسي، لفهم عرقلة النواب الـ20 لانتخاب رئيس للمجلس، وتحديداً مكارثي، إلا أن عملية الانتخاب الشاقة أعادت التذكير بسوابق مماثلة شهدها مجلس النواب الأميركي، حيث يحتاج الأمر إلى إسقاط الحيثية السياسية في كل مرحلة، لفهم الفوضى التي حصلت.

الحزب الجمهوري مصابٌ بالتمرد

وبينما أصبح التمرد السمة الطاغية داخل الحزب الجمهوري، اليوم، وهو يضرب في كل اتجاه، من المعارضين لترامب أو المتعايشين مع نفوذه وصولاً إلى الجناح اليميني المتطرف الذي يعارض كل شيء تقريباً، يقدم مشهد انتخاب رئيس المجلس، مع افتتاح الكونغرس الجديد إثر الانتخابات النصفية التي حصلت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، "بروفة" حول طبيعة الحكم الممكنة خلال العامين المقبلين، إذ يهمين الجمهوريون على مجلس النواب بأقلية ضئيلة، لكن تسودها الاختلافات، فيما لديهم أعضاء من اليمين المتطرف أيضاً في مجلس الشيوخ، حيث لا يزال الديمقراطيون متقدمين بفارق صوت واحد.

وبدا الرئيس الأميركي جو بايدن أمس واقعياً، ومدركاً لصعوبات المرحلة المقبلة، إذ هنّأ مكارثي ودعاه إلى "الحكم بشكل مسؤول ولصالح الأميركيين". وفي بيان صدر عنه، أبدى بايدن استعداده "للعمل مع الجمهوريين عندما يكون ذلك ممكناً"، مذّكراً بنتائج الانتخابات النصفية التي لم تمنح الكثير من مرشحّي ترامب الفوز الذين كانوا ينتظرونه. وقال بايدن إن "الناخبين أشاروا بشكل واضح إلى أنهم ينتظرون من الجمهوريين أن يكونوا مستعدّين للعمل معي".

وتمكن مكارثي من انتزاع المنصب، خلفاً للديمقراطية نانسي بيلوسي، إثر مفاوضات شاقة مع مجموعة المتمردين الجمهوريين من أقصى اليمين، رغم أنه كان المرشح الوحيد الجدّي للمنصب، الذي يتولاه في العادة نائب من الحزب الذي يملك الأكثرية. وأدى فوز مكارثي في الاقتراع الـ15 فجر السبت، بعد حصوله على 216 صوتاً مقابل 212 (يملك الجمهوريون حالياً 222 نائباً مقابل 212 للديمقراطيين)، إلى وضع حد لأعمق خلل وظيفي في الكونغرس منذ أكثر من 160 عاماً، لكنه سلّط الضوء بوضوح على الصعوبات التي سيواجهها في قيادة أغلبية طفيفة ومستقطبة بشدة.

وفاز النائب الجمهوري عن كاليفورنيا برئاسة مجلس النواب، بعد أن احتاج إلى الدخول في مساومات وتنازلات مع فريق المتمردين، منحتهم تقريباً جميع مطالبهم، من إدخالهم في عضوية جميع اللجان النيابية النافذة والوازنة تقريباً، وصولاً إلى موافقته على مطلبهم بأن يتمكن أي مشرع من المطالبة بإقالته في أي وقت. وسيؤدي ذلك إلى تقليص حاد في السلطة التي سيحتفظ بها عند محاولة تمرير تشريعات بشأن القضايا الحاسمة بما في ذلك تمويل الحكومة، ومعالجة سقف الدين الذي يلوح في الأفق في البلاد، والأزمات الأخرى التي قد تنشأ.

وحجب التصفيق الذي علا فجر أمس داخل قاعة مجلس النواب بعد انتخاب مكارثي ما رأى فيه مراقبون "انحداراً في السياسة الأميركية"، وصل إلى حدّ تحول عملية الانتخاب إلى ما يشبه برنامجاً في تلفزيون الواقع. وجعل مسار عملية الانتخاب نواباً ديمقراطيين، والذين لم يشارك أي منهم في الاقتراع، يكتبون على وسائل التواصل أنهم ذاهبون لإحضار "البوب كورن"، أو الطعام، في تلميح إلى مللهم من العملية الانتخابية برمتّها.

 تمكن فريق المتمردين من تدعيم نظريته بأن الكل يجب محاربته في واشنطن، بمن فيهم النواب الجمهوريون "الفاسدون"

وفي مقابل بعض نواب الحزب الديمقراطي، الذين لم يتوانوا عن نقل مشهد "الكوميديا السوداء" داخل المجلس، بحسب تعبير بعضهم، برز اسما النائبين الجمهوريين مات غيتز، ولورين بوبيرت، اللذين ظلّا آخر الممتنعين عن منح مكارثي مبتغاه، إلى حدّ إلقاء النائبة الجمهورية مارغوري تايلور غرين باللوم عليهما، في تحويل جلسة انتخاب رئيس للمجلس إلى "دراما"، بعدما تفوقا عليها في التطرف، هي المعروفة بمواقفها المتشددة وإيمانها بنظرية المؤامرة وسرقة الانتخابات التي يسوّق لها ترامب.

وذكر موقع "رولينغ ستون" الأميركي أن بعضاً من تشدّد غيتز تحديداً يعود إلى اتهامه مكارثي بعدم الوقوف إلى جانبه حين كان يواجه تحقيقاً في علاقة جنسية محتملة بينه وبين فتاة قاصر. لكن السبب المعلن الذي ظلّ يردّده فريق المتمردين هو علاقات مكارثي مع رجال الأعمال، واهتمامه فقط بجمع التمويل للحزب، عوضاً عن العمل على تحويل المبادئ المحافظة إلى تشريعات. وبحسب موقع "بوليتيكو"، فإن تركيز مكارثي على جمع التمويل للحزب دفعه حتى إلى جمع ملايين الدولارات، حتى للنواب الذين حاربوه اليوم.

لكن كل ذلك يعكس في المحصلة تحولات أعمق يعيشها الحزب الجمهوري، فيما يتوعد مكارثي حتى قبل انتخابه بأن المجلس الجديد سيكون هدفه محاسبة بايدن وعائلته والحزب الديمقراطي، وحتى الانقلاب على بعض القوانين التي كان أقرّها المجلس السابق. وإن كان كل ذلك معتاداً مع تبدل الأكثريات في الكونغرس، فإن التركيز على محاسبة بايدن، يحمل بعداً خاصاً لدى الجمهوريين، في وقت تشهد فيه السياسة الأميركية مستوى عالياً من الاستقطاب والانقسام، يلامس حدّ "الثأر" الشخصي.

لكن عملية الاقتراع "المهينة" التي تعرض لها مكارثي (آخر النواب المعترضين لم يصوتوا باسمه بل أكدوا حضروهم فقط)، والتي جعلته اليوم تحت رحمة المتشددين، تفتح التساؤلات حول مرحلة المقبلة، بعدما منح رئيس مجلس النواب الجديد نواباً في كتلة الحرية داخل المجلس، التي تضمّ الترامبيين، عضوية في لجنة القوانين، ما يمنح امتيازات لفرض الفيتو على بعض القوانين التي يرفضونها.

ويرى مراقبون أن فريق المتمردين داخل الحزب الجمهوري، برز كالفائز الأكبر من مشهد الاقتراع، إذ تمكّن ليس فقط من الترويج لنفسه كفريق قادر على تخطي أفول ترامب، أو نفوذه (ترامب دعاهم للتصويت لمكارثي)، بل لتدعيم نظريته بأن الكل يجب محاربته في واشنطن، بمن فيهم النواب الجمهوريون "الفاسدون".

وبينما سيكون عليه دفع ثمن التنازلات التي قدّمها، يواجه مكارثي مهمتين صعبتين، تتعلق إحداهما بإرضاء فريقه الحزبي، وهوسه بمحاسبة بايدن، فيما يواسي الديمقراطيون أنفسهم بأنه مع مجلس نواب بأكثرية جمهورية ضئيلة ومجلس شيوخ يسيطر عليه الديمقراطيون بأكثرية ضئيلة أيضاً، فإن أياً من تشريعات الحزبين قد لا تجد لنفسها طريقاً للوصول إلى مكتب بايدن، خلال العامين المتبقيين من ولايته.

ويريد الجمهوريون بشكل عام "محاسبة بايدن"، وهو الأمر الذي قد يبدأ بإصدار طلبات استماع تشمل كل الملفات، بدءاً بملف الهجرة والحدود الجنوبية مع المكسيك، إلى أعمال نجل بايدن، هانتر، إلى الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان. كما أن بعض النواب الجمهوريين يريدون محاولة عزل بعض وزراء بايدن، مثل وزير الأمن الداخلي ألكسندر مايوركاس، وحتى الرئيس نفسه، رغم عدم امتلاكهم العدد الكافي لذلك. لكن مكارثي، قد يكون فعلاً أكثر اهتماماً بإدارة عمل المجلس، فيما عليه أن يواجه كيفية التعاطي مع ارتفاع سقف الدين والحدّ من النفقات، وهي مسألة كان وعد بها الأخير، الذي أشار مرة إلى أنه لن يكون هناك "شيك على بياض"، لدعم أوكرانيا.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس) 

المساهمون