معركة باخموت: التقدم الروسي يهدد بسقوط "قلعة الصمود" الأوكرانية

المعركة الأصعب في باخموت: التقدم الروسي يهدد بسقوط "قلعة الصمود" الأوكرانية

09 مارس 2023
أحد شوارع باخموت في 27 فبراير الماضي (أليكس بابينكو/رويترز)
+ الخط -

بمساحة لا تتعدّى الـ41 كيلومتراً مربعاً، في أقصى شرق إقليم دونيتسك في الشرق الأوكراني، تتمركز مدينة باخموت، التي تحولت من "مجرد مدينة ثانوية" على ضفاف مدن أكبر، مثل كراماتورسك وسلوفيانسك، إلى "ستالينغراد" أوكرانيا في مواجهة روسيا.

وبعدما كان متوقعاً انسحاب القوات الأوكرانية منها منذ أسابيع، تواصل كييف التمسك بها حتى آخر لحظة ممكنة، غير آبهة بإعلان مرتزقة فاغنر استيلاءهم على شرق المدينة، ومركزة على دفع القوات الروسية نحو مزيد من الاستنزاف، في منطقة غير ذي جدوى استراتيجية، وفقاً لوزارة الدفاع الأميركية.

في مايو/أيار الماضي، وبعد أقل من 3 أشهر على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، وصلت القوات الروسية إلى مشارف باخموت. كان التصوّر الأولي للروس أن المدينة ليست حاجة أساسية، فاكتفوا بقصفها، لتشغيل القوات الأوكرانية بالدفاع عنها.

بدء معركة باخموت

في غضون ذلك، عمد الجيش الروسي إلى شنّ هجماته على سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك، فسيطر عليهما، ليفتح رسمياً معركة غزو باخموت في 1 أغسطس/آب 2022، على اعتبار أنه من البديهي احتلالها، للتقدم باتجاه كراماتورسك وسلوفيانسك.

غير أن الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية، ونجاحها في تحرير خاركيف في الشمال الشرقي، والتوغل في بعض مناطق دونيتسك في الشرق، وخيرسون في الجنوب، في سبتمبر/أيلول الماضي، ثم تحرير مدينة خيرسون في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، دفع الروس إلى إعادة النظر في تكتيكاتهم.

استعانت موسكو بمرتزقة مجموعة "فاغنر" لمحاولة السيطرة على باخموت. دخلت المرتزقة ساحة القتال، وتمكنت من غزو قرى مجاورة لباخموت، فضلاً عن مدينة سوليدار، في يناير/كانون الثاني الماضي.

وكان الحديث في حينه، أن سقوط باخموت مسألة وقت، لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، شدّد مراراً على التمسك بالمدينة. وعشية زيارته الخارجية الأولى منذ بدء الغزو، إلى الولايات المتحدة في 21 و22 ديسمبر/كانون الأول الماضي، زار زيلينسكي جنوده في باخموت ومنحهم أوسمة.

ستولتنبرغ: لا يمكننا استبعاد احتمال سقوط باخموت

 

وفي خطابه بالكونغرس الذي استمر 23 دقيقة، في 21 ديسمبر، ذكر زيلينسكي اسم باخموت 8 مرات. ومما قاله إن "كل شبر من تلك الأرض غارق في الدماء. صوت البنادق يهدر كل لحظة"، "حين كنت في المدينة أعطاني أبطالنا علم المعركة لأجلبه لكم إلى الكونغرس الأميركي"، قبل تقديم العلم إلى رئيسة مجلس النواب (في ذلك الحين) نانسي بيلوسي، وإلى جانبها نائبة الرئيس كامالا هاريس.

كان واضحاً أن لباخموت قيمة رمزية لزيلينسكي، تتعلق خصوصاً بتحولها إلى "قلعة صمود" في الشرق، وهي من وجهة نظر القيادة العسكرية الأوكرانية، ستشكل نقطة انطلاق باتجاه كامل حدود دونيتسك الإدارية في أي هجوم مضاد.

في المقابل، أوضح الروس أهدافهم في باخموت، فعدا عن تمسّكهم باسمها القديم "أرتيوموفسك" الذي ساد أيام الاتحاد السوفييتي، فإن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أكد أن السيطرة على باخموت، ستمهد الطريق باتجاه مناطق أخرى، والمقصود خصوصاً كراماتورسك المحصّنة.

لكن الروس يبحثون أيضاً عن انتصار ما، بعد انتكاسات متلاحقة منذ أواخر الصيف الماضي واستعار الصدام بين الجيش و"فاغنر"، لرفع المعنويات قبل الربيع.

بدورهم، أسدى الأميركيون نصائحهم سراً لزيلينسكي منذ أسابيع بالتخلي عن باخموت، ثم جددها علناً وزير الدفاع لويد أوستن منذ أيام، بالقول إن "لا قيمة استراتيجية لباخموت بل رمزية فقط". حتى أن أحاديث الأيام الأخيرة في المعسكر الغربي، تمحورت حول "حتمية" سقوط باخموت.

آخر تلك الأحاديث ما ورد، أمس الأربعاء، على لسان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، الذي توقع سقوط باخموت "في الأيام المقبلة". وأضاف على هامش اجتماع لوزراء الدفاع الأوروبيين في العاصمة السويدية استوكهولم: "لا يمكننا استبعاد احتمال سقوط باخموت في الأيام المقبلة". لكنه شدّد في تصريحات صحافية على أن "ذلك لا يعكس بالضرورة أي نقطة تحول في الحرب، بل يشير إلى أننا يجب ألا نقلل من شأن روسيا. ينبغي أن نواصل دعم أوكرانيا".

كذلك، أدلى مؤسس "فاغنر" يفغيني بريغوجين بموقف جديد، أمس، كاشفاً عبر "تليغرام" أن عناصره استولوا على شرق باخموت. وأضاف: "كل ما هو شرق نهر باخموتكا تحت سيطرة فاغنر بالكامل". ويقسم النهر مدينة باخموت.

مع ذلك، يرفض زيلينسكي التخلي عن المدينة، بل تصادم مع قائد أركانه الجنرال فاليري زالوجني، بحسب صحيفة "بيلد" الألمانية قبل أيام، وذلك لطلب القائد العسكري الانسحاب.

غير أن الرجلين عادا واتفقا في اجتماع عسكري على مواصلة القتال، الاثنين الماضي، حتى أن بيانات الجيش الأوكراني، التي تلت الاتفاق على مواصلة التمسك بباخموت، تحدثت عن احتمال "تشكّل ظروف في المدينة من أجل شن هجوم مضاد".

وقال المتحدث باسم القيادة العسكرية الشرقية لأوكرانيا، سيرغي تشيريفاتي، للتلفزيون الرسمي، مساء أول من أمس الثلاثاء: "المهمة الرئيسية لقواتنا في باخموت هي تقويض القدرة القتالية للعدو واستنزاف قدراتهم القتالية". أما زيلينسكي، الذي سبق أن رفض عرضاً أميركياً بإجلائه مع عائلته من كييف، عشية الغزو، أكد في مقابلة مع قناة "سي أن أن" الأميركية أمس "ندرك أنه بعد باخموت، يمكنهم الذهاب إلى ما بعدها. يمكنهم الذهاب إلى كراماتورسك، يمكنهم الذهاب إلى سلوفيانسك، الطريق سيكون مفتوحاً أمام الروس إلى مدن أخرى في أوكرانيا".


تبرّع صيني بـ210 آلاف دولار لـ"الأمان النووي" في أوكرانيا

 

وبدلاً من أن تكون معركة باخموت منفصلة عن أي هجوم مضاد للقوات الأوكرانية في الربيع، باتت جزءاً منه. وفي السياق، يمكن رصد توجيه المسيرّات بشكل مكثف إلى شبه جزيرة القرم الأوكرانية، التي ضمتها روسيا بالقوة في عام 2014، وإلى الأراضي الروسية بالذات، وقصف برديانسك التي يسيطر عليها على ساحل بحر آزوف المطل على البحر الأسود، واستهداف جسر إنيرغودار، أمس الأربعاء.

طلائع الهجوم الأوكراني المضاد بدأت بالتشكّل

وهي مؤشرات على أن طلائع الهجوم الأوكراني المضاد بدأت بالتشكّل. واستهداف إنيرغودار بالذات يمهّد الطريق باتجاه مدينة ميليتوبول، التي يحتلها الروس. واستعادة كييف للمدينة، يسمح لها بشقّ الطريق البري بين شبه جزيرة القرم ودونيتسك، ويضع القوات الأوكرانية على مشارف بحر آزوف للمرة الأولى منذ العام الماضي.

وهو ما من شأنه تفكيك التجمعات الروسية، فتُعزل تلك الموجودة في القرم وبعض مناطق خيرسون وزابوريجيا، عن تلك المنتشرة في الشرق. وهنا يصبح نقل القوات الروسية لمجموعة "فاغنر" إلى الجبهات الجنوبية محفوفاً بالمخاطر، ما يضع هجوم باخموت في مهب الريح، بل يسمح للأوكرانيين باستعادة الزخم الهجوم شرقاً، وتهديد المواقع الروسية في لوغانسك ودونيتسك بصورة كبيرة.

وما يعزز احتمال اقتراب الهجوم على ميليتوبول، هو قول زالوجني، في مقابلة مع مجلة "ذا إيكونوميست" البريطانية في 3 ديسمبر الماضي: "للوصول إلى حدود القرم يتوجب السيطرة على ميليتوبول، التي تبعد عنها الآن 84 كيلومتراً".

وقد تكون الظروف مواتية لكييف للهجوم الجنوبي، من دون القلق من ضرب الروس محطة زابوريجيا للطاقة النووية، على اعتبار أن الصين، حليفة روسيا، انغمست أكثر أمس في ملف "الأمان النووي". وأعلنت المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو بينغ أن بكين "ستتبرع بمبلغ 200 ألف يورو (نحو 210 آلاف دولار) في إطار برنامج الدعم الفني للأمان والأمن النوويين في أوكرانيا، بهدف تعزيز سلامة المنشآت النووية الأوكرانية بإجراءات ملموسة".

وجاء إعلان بكين بعد أن قالت كييف إن المحادثات الدبلوماسية بين أوكرانيا وروسيا بشأن محطة زابوريجيا وصلت إلى "طريق مسدود".

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)

المساهمون