مستقبل مجهول في تشاد: نقطة توازن هشة تهدد أمن دول الجوار

مستقبل مجهول في تشاد: نقطة توازن هشة تهدد أمن دول الجوار

23 ابريل 2021
العاصمة نجامينا تشيّع رئيسها الراحل اليوم (فرانس برس)
+ الخط -

فتح مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي، يوم الإثنين الماضي، جراء إصابته خلال معارك مع المتمردين شمالي البلاد، الباب واسعاً أمام تحوّل تشاد إلى ساحة غير مُسيطر عليها في المرحلة المقبلة، بعدما كانت نقطة توازن أساسية، بسبب موقعها الجغرافي في الوسط الأفريقي، في مختلف ساحات الصراع، من السودان شرقاً وليبيا شمالاً إلى منطقة الساحل الأفريقي في الغرب. ودفع الاعتماد الغربي، الفرنسي خصوصاً، على تشاد، إلى تجاهل كل مساوئ حكم ديبي على مدى 30 عاماً، تحديداً في سياق انتهاكات حقوق الإنسان، بسبب تمرّس الجيش التشادي في الحرب ضد الجماعات المسلّحة، تحديداً ضد جماعة "بوكو حرام". وللدلالة على أهمية ديبي، فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سيتصدّر صفوف المشيّعين، اليوم الجمعة، في نجامينا، لوداع "صديق فرنسا الشجاع"، بما يمنح "الشرعية" للمجلس العسكري الذي أعلنه محمد ديبي، نجل الرئيس المقتول، بهدف إرساء "مرحلة انتقالية" تُستتبع بعد عام ونصف العام بانتخابات "ديمقراطية".


أحد زعماء المعارضة: الشعب يرفض انتقال السلطة إلى سلالة حاكمة

 

ومن شأن التركيز على ديبي الابن أن يكون خياراً منطقياً لفرنسا أولاً، لكن على المجلس العسكري الجديد مواجهة تحدّيات عدة، بدءاً من إعلان المتمردين نيّتهم مواصلة الحرب حتى إسقاط نظام ديبي، خصوصاً مع تأكيد المتحدث باسم "جبهة التناوب والوفاق في تشاد"، كينجابي أوغوزيمي دي تابول، أول من أمس، وجود نية لـ"مواصلة الهجوم"، على العاصمة. ولا تقتصر مخاوف المجلس العسكري على المتمردين، بل أيضاً على 30 حزباً تشادياً معارضاً، نددوا بما سمّوه "عملية انقلاب"، بقياد ديبي الابن. ودعوا إلى "إقامة مرحلة انتقالية يقودها مدنيون من خلال حوار شامل". وطالبت الأحزاب المعارضة "بعدم الانصياع للقرارات غير القانونية وغير الشرعية وغير النظامية، التي اتخذها المجلس العسكري الانتقالي، خصوصاً الميثاق الانتقالي وحظر التجول". وقال أحد زعماء المعارضة، ساكسيس مارسا، في رسالة مصورة نُشرت على الإنترنت، أمس: "يقول لنا الشعب التشادي إنه لا يريد انتقال السلطة إلى سلالة حاكمة. لا يريد الشعب التشادي الاستمرار مع نفس المؤسسات التي أوجدت الوضع الحالي". وتشي ضبابية الموقف في نجامينا بتطورات سلبية بالنسبة إلى دول الجوار. في السودان مثلاً، دعت وزارة الخارجية بعد مقتل ديبي الأب "كافة الأطراف التشادية إلى التهدئة ووقف الاقتتال، بما يضمن أمن واستقرار تشاد وسلامة مواطنيها". ونقلت وسائل إعلام سودانية عن حاكم ولاية غرب دارفور، محمد عبد الله الدومة، تحذيره من نزوح لاجئين تشاديين إلى ولايته. مع العلم أن الولاية شهدت اشتباكات قبلية أدت إلى نزوح الآلاف، ودفعت الأمم المتحدة إلى استنفار جهودها لإعالة النازحين. أما في ليبيا، التي شكّل تدفق السلاح والمسلحين منها إلى تشاد، محطة محورية في الصراع، فإن المخاوف التي قد تنعكس على الجنوب الليبي، تهدّد السلام الهشّ الذي تعيشه البلاد في الفترة الأخيرة، خصوصاً في حال تدفق اللاجئين من تشاد إلى ليبيا. وتبقى الجهة الغربية الأكثر سخونة، لارتباط تشاد بحدود طويلة مع ثلاث دول: النيجر ونيجيريا والكاميرون. وفي هذا الشريط، خصوصاً في محيط بحيرة تشاد، حيث تلتقي حدود البلدان الأربعة، يدور القتال ضد "بوكو حرام". وسبق أن انتقدت تشاد مراراً نيجيريا، لعجز جيشها عن مواكبة الهجمات التشادية على الجماعة، معتبرة أن ضعف الجيش النيجيري يُساهم في استمرارية "بوكو حرام". ولسنين طويلة، ظلّت تشاد رأس حربة دول الساحل الخمس (مالي وبوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا وتشاد). وسبق للرئيس التشادي الراحل أن ردّد، العام الماضي، أن "جنودنا يموتون وحدهم من أجل بحيرة تشاد والساحل، بالتالي لن يشارك أي جندي تشادي في عملية عسكرية خارج البلاد"، قبل أن يتراجع ديبي عن قراره، معلناً إرسال 1200 جندي إلى بحيرة تشاد، بعد قمة دول الساحل في نجامينا، في فبراير/شباط الماضي. لكن انشغال تشاد في مأزقها الداخلي، قد يعيد ترتيب الأولويات، مع تبديل فرنسا والولايات المتحدة استراتيجيتهما في الساحل. فباريس التي فكرت سابقاً في الانسحاب عسكرياً من منطقة الساحل، قد تجد نفسها ملزمة بالبقاء فيه لأكثر وقت ممكن، بفعل ضعف السلطات الحاكمة في الدول الخمس. وسبق للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أن اقترح إجراء حوار مع بعض المجموعات المسلحة بالساحل، على غرار ما حدث بين واشنطن وحركة "طالبان" في أفغانستان. والأطراف المقصودة بـ"الحوار"، ليست سوى إياد آغ غالي، زعيم تنظيم "أنصار الدين" من قبائل الطوارق في شمال مالي، ويقود حالياً تحالف "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، المقربة من تنظيم "القاعدة". وأيضاً أمادو كوفا، زعيم جماعة تحرير ماسينا، من قبيلة الفولاني وسط مالي، وهي جزء من هذا التحالف. وتحاول عدة أطراف دولية عزل آغ غالي وكوفا، عن تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب"، و"كتيبة المرابطين"، وفتح باب للحوار والمصالحة. لكن ماكرون أنهى حالة الجدل في هذا الشأن، في فبراير الماضي، بالقول: "خلال الأسابيع الأخيرة، عززنا التوافق مع محاورينا في دول الساحل، حول اعتبار أن إياد أغ غالي وأمادو كوفا عدوان، ولا يمكن أن يكونا بأي حال من الأحوال محاورَين".


سيحضر ماكرون تشييع "صديق فرنسا الشجاع" اليوم في نجامينا

 

في المقابل، فإن سياسة واشنطن بقيادة الرئيس الجديد جو بايدن، تهدف إلى إيلاء التعاون العسكري أولوية في الساحل الأفريقي. وهو ما أكده، في فبراير الماضي، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بقوله "في الوقت الذي تسعى فيه الجماعات التابعة لداعش والقاعدة إلى توسيع نطاق انتشارها في جميع أنحاء أفريقيا، ستواصل الولايات المتحدة العمل بشكل وثيق مع شركائها الأفارقة". وشدّد على أنه "سنبني على الجهود القائمة في غرب أفريقيا، ونتبادل الدروس في الحرب العالمية ضد التطرف العنيف". ومنذ سنة 2013، قادت باريس الجهود الدولية وتدير حالياً 5100 عسكري نُشروا ضمن عملية "برخان". وتُشرك بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي، وهي قوة لحفظ السلام، أكثر من 15 ألف فرد من العناصر النظامية من 60 بلداً. ويُشكّل حوالي 5 آلاف جندي من القوات المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس. وفي يونيو/حزيران الماضي، تشكّلت فرقة العمل العسكرية الأوروبية "تاكوبا"، وهي تواصل بناء قدراتها، مع تقديم الولايات المتحدة الدعم اللوجستي والتدريب وتنظيم عمليات في جميع أنحاء المنطقة.

(العربي الجديد)