مايك بنس مرشحاً للرئاسة باسم اليمين الأميركي المتدين

مايك بنس مرشحاً للرئاسة باسم اليمين الأميركي المتدين

05 يونيو 2023
يبدأ بنس حملته من ولاية أيوا (درو أنغيرير/Getty)
+ الخط -

يعوّل نائب الرئيس الأميركي السابق، مايك بنس، على الله كثيراً، للفوز بتسمية الحزب الجمهوري لخوض السباق الرئاسي في الولايات المتحدة العام المقبل. فمقارنة بدونالد ترامب، الرئيس الذي جعل بنس معروفاً ومرشحاً اليوم للرئاسة، يدور اسم نائب الرئيس السابق دائماً في فلك الرتابة، بعدما لم يكن لأربع سنوات، سوى خادم مطيع لترامب في البيت الأبيض، ولم يثر حماسة أيّ أحد، إلا بعد خسارة الأخير السباق لولاية ثانية في عام 2020، حين جرى رصد موقفه ومدى ولائه لرئيسه خلال أزمة ما يسميه ترامب "تزوير الانتخابات" وصولاً إلى اقتحام أنصاره الكونغرس. حينها، اختار بنس تغليب المصلحة العامة و"إنقاذ الوطن"، والاصطفاف إلى جانب الدستور والديمقراطية، ليساهم بشكل كبير في انتقال سلس للسلطة بين ترامب وجو بايدن، الذي يطمح بنس اليوم إلى منافسته هو نفسه على السلطة.

ومع تقديمه، اليوم الإثنين، أوراقه رسمياً للترشح لانتخابات الرئاسة الأميركية العام المقبل إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية، وانضمامه إلى السباق الجمهوري لاختيار منافس جديد لبايدن على الأرجح، يعود نائب ترامب السابق، إلى دائرة الضوء، وإلى ساحات التجمعات الانتخابية، مجدداً، لتحقيق حلمه الأول، وطموحه بالرئاسة الذي ظلّ مستتراً، كما تقول معظم السير الذاتية عنه، ولنقل رسالته الخاصة هذه المرة، متحدياً الصدمة العامة التي أحدثها اختيار ترامب له كنائبه في عام 2016. حينها، كان الاعتقاد السائد هو أن ترامب، القادم من عالم تلفزيون الواقع والعقارات، وغير المتمرّس سياسياً، سيختار نائبه من بين لائحة أسماء سياسية محنكة، لكن الحقيقة كانت أنه أراد نائباً مطواعاً وفاقداً للكاريزما.

بدأ بنس عمله السياسي نائباً عن إنديانا ثم حاكماً للولاية

ولا يبدو أن مايك بنس، أو الـ"هوزير" (hoosier) المتفاني لخدمة ولايته إنديانا في الوسط الغربي الأميركي (وهوزير هي التسمية التي تطلق على سكّان إنديانا)، يأبه لما إذا كان يمتلك أي كاريزما، أو حتى لما يُتهم به بأنه كان حاكماً فاشلاً (لولاية واحدة) في إنديانا. لكنه يعتقد بكل الأحوال، أنه يعمل بأجندة واحدة "مستقيمة"، منذ أن بدأ عمله السياسي في الخدمة العامة نائباً عن الولاية في مجلس النواب الأميركي عام 2001، ثم حاكماً لإنديانا بين 2013 و2017.

تحالف بنس - ترامب يقوّي اليمين المتدين

وبينما يتحدث بنس دائماً باسم "المحافظين الأميركيين"، فإن أجندته مصوّبة لانتزاع المكاسب لليمين المتدين الأميركي، الذي وجد عودة قوية له مع تحالف ترامب – بنس في 2016، بعد ثماني سنوات من رئاسة باراك أوباما. ويقول ريتشارد لاند، رئيس "المعهد الإنجيلي الجنوبي" وأحد مستشاري ترامب الدينيين، في حديث لمجلة "ذا أتلانتك" (فبراير/شباط 2018)، عن بنس: "إنه النموذج لما نريده في السياسي الإنجيلي. لم أعرف في حياتي أحداً أكثر ثباتاً في حمل رؤيته الإنجيلية المسيحية إلى عالم السياسة".

وأكثر ما يمكن وصف بنس به، فضلاً عن ولائه المطلق لترامب حتى الساعات الأخيرة، هو أنه "مسيحي ملتزم، لا يشعر بالراحة مع الحداثة، ويكافح للمزج بين إيمانه وطموحاته السياسية"، بحسب تعبير توم لوبيانكو، وهو أحد المراسلين الصحافيين في البيت الأبيض الذي كلّف متابعة أخبار بنس شخصياً، ما جعله يعدّ كتاباً عنه (التقوى والسلطة – يونيو/حزيران 2020). لكن هذا الإيمان لم يمنع بنس من "التبشير" خلال ولاية ترامب الوحيدة بإنجازات العهد في تقليص الضرائب عن الأغنياء، وبإنجازات أخرى، تتناقض مع أسباب عدة لصعود تيار اليمين المتدين في السياسة الأميركية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

وفي كل الأحوال، فإن اليمين المتدين الأميركي قد وجد في تحالف ترامب – بنس ضالته في 2016. لكن، وفي إشارة ربما إلى مدى رتابة الأخير، فإن ابنة ترامب، إيفانكا، وصهره جاريد كوشنر، يقال إنهما اقترحا استبدال ترامب لنائبه المخلص في انتخابات 2020، بالسفيرة السابقة في الأمم المتحدة نيكي هايلي (والمرشحة للرئاسة بانتخابات 2024)، في محاولة لرفع استطلاعات الرأي المتدنية للرئيس الجمهوري.

وعلى الرغم من كل المؤشرات التي تقول إنه قد يصعب عليه منافسة رئيسه السابق، ووجوه أخرى طامحة للوصول إلى البيت الأبيض، مثل حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، فإن مايك بنس يترشح لموقع الرئاسة الأميركية اليوم، معزّزاً بأمرين: أصوات اليمين المتدين الأميركي، ومنه من آثر الابتعاد عن ترامب، وباستطلاعات الرأي التي تضعه غالباً في الموقع الثالث بعد ترامب وديسانتيس، مراهناً ربما على انتكاسة قضائية قوية لرئيسه السابق، قد تجعله في هذه الاستطلاعات بمرتبة أكثر تقدماً.

تعويل على الخطاب الديني وقضايا ترامب وتراجع بايدن

يتحضّر بنس لأولى حملاته الانتخابية، في ولاية أيوا، التي يجحّ إليها الطامحون الرئاسيون في الحزب الجمهوري كثيراً خلال هذه الفترة، علماً أنها أول ولاية يجري فيها التصويت التمهيدي لاختيار كل من الحزبين الحزبين الجمهوري والديمقراطي مرشحهما للرئاسة.

ويتحضر بنس لترديد عبارات واظب على اتقانها، على نسق "إنه الوقت الأنسب للصلاة لأميركا"، و"إن الله يسمعنا من السماء وسيشفي هذه الأمة"، وما إلى ذلك من عبارات تمزج بين الإيمان والسياسة، في محاولة لإقناع التيار اليميني المتدين بانتخابه.

ويميل هذا التيار، خصوصاً، في الولايات المتحدة، إلى السياسات المحافظة التقليدية، ويقال إنه برز كرد فعل على قانون رو ضد وايد، الذي كفل في عام 1973 حقّ المرأة في الإجهاض. لكن متابعين كثرا، يعتبرون ذلك بمثابة خطأ شائع، لأن ولادة التيار تعود لأسباب عدة أخرى، منها استعادة الحزب الجمهوري لقوته في تلك الفترة ورفضاً لولاية ثانية للرئيس الديمقراطي جيمي كارتر بعد عام 1981.

يريد بنس الاستفادة من تراجع بايدن الدراماتيكي في استطلاعات الرأي

ويبدو أن بنس، يريد الاستفادة من تراجع بايدن الدراماتيكي في استطلاعات الرأي، ورفض غالبية الأميركيين، بحسب هذه الاستطلاعات، أن يخوض الرئيس الديمقراطي الكبير في السن ولاية ثانية، فيما تريد المنظومة الجمهورية التقليدية، مرشحاً أو رئيساً أقل مشاكسة وإثارة للجدل من ترامب. وترى حملة بنس، بحسب وكالة "أسوشييتد برس"، أن ولاية أيوا ستكون مصيرية للدفع بحظوظ نائب الرئيس السابق، حيث سيحاول منها الخروج نهائياً من ظلّ ترامب، ورفع الصوت عالياً لفرض حظر وطني على الإجهاض، فضلاً عن المشاركة في فعاليات "شعبية" للتقريب بينه وبين الجمهور.

رغبة قديمة بالرئاسة

وليس معروفاً بعد، كيف سيتوجه مايك بنس، لإقناع جمهور ترامب، أو الذين صوّتوا للأخير في 2016، بأنه المرشح الأفضل لتمثيلهم، بعدما طالب أنصار ترامب إثر حادثة اقتحام الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني 2020، وتنصيب بايدن، بـ"شنق بنس" الذي قدّم إفادته أمام المحكمة بقضية الاقتحام، من دون أن يوجه حتى اللحظة أي هجوم مباشر للرئيس السابق، لكنه قال يوماً إن "عبارات ترامب غير المسؤولة" عرّضته وعائلته للخطر أثناء الاقتحام، وإن "التاريخ سيحاسب ترامب". وفي كتابه الأخير "ساعدني يا الله"، كتب بنس: "لأربع سنوات، كانت لدينا (هو وترامب) علاقة عمل قريبة. لكنها لم تنته جيداً".

وكان بنس أمضى العامين ونصف العام الأخيرين، بعد خسارة ترامب بالرئاسة وحادثة الاقتحام، بالابتعاد "استراتيجياً" عن الرئيس السابق، بحسب متابعين، رأوا باكراً في ذلك، طموحاً رئاسياً. ومنذ ذلك الحين، دعا بنس حزبه لتخطي تداعيات انتخاب ترامب ثم خسارته، وحذّر من موجة الشعبوية المتصاعدة داخل الحزب الجمهوري، كما وجّه انتقاداً للمتسامحين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وغزوه لأوكرانيا، في إشارة إلى ترامب وديسانتيس. وأبدى بنس تأييداً للاقتطاع من ميزانية التأمين الصحي في الولايات المتحدة (بحال فوزه)، وهو ما أكد كل من ترامب وديسانتيس أنهما لن يمسّاه. بالإضافة إلى ذلك، يعدّ بنس من أنصار الجيش الأميركي، وهو واظب حين كان نائباً في الكونغرس على زيارة الجنود الأميركيين العاملين في العراق أو أفغانستان.

وكانت وزارة العدل الأميركية قد أخبرت بنس وفريقه، الأسبوع الماضي، بأنها لن توجه إلى نائب الرئيس السابق أي تهم ولن تلاحقه في قضية اكتشاف وثائق رسمية مصنفة سرّية في منزله بولاية إنديانا، ما اعتبره فريقه أخباراً جيّدة مع انطلاقة الحملة الرئاسية لبنس.

وبغضّ النظر عن فرصه بالفوز، فإن بنس لطالما شعر بأنه سيكون رئيساً للولايات المتحدة، لتنفيذ "رغبة الله على الأرض"، كما يقول صديق قديم له، هو دان مورفي، لمجلة "ذا أتلانتك". وقد تكون تلك رغبة قديمة لبنس، حتى عندما كان ديمقراطياً مع عائلته، ومعجباً بجيمي كارتر، إلى أن جاء المرشح الجمهوري رونالد ريغان، و"سرق قلبه".