ماذا يعني تعليق روسيا مشاركتها في معاهدة "ستارت-3"؟

ماذا يعني تعليق روسيا مشاركتها في معاهدة "ستارت-3"؟

22 فبراير 2023
+ الخط -

صادق البرلمان الروسي، اليوم الأربعاء، على تعليق مشاركة روسيا في معاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الإستراتيجية ("ستارت-3")، وذلك بعد يوم فقط على إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في رسالته السنوية إلى الجمعية الفدرالية بمجلسيها، الدوما (النواب) والاتحاد (الشيوخ) عن تعليق مشاركة البلاد في المعاهدة، من دون الانسحاب منها.

وفي الوقت الذي شدد فيه بوتين على أنه قبل العودة إلى مناقشة مسألة مواصلة العمل في إطار المعاهدة، على الجانب الروسي أن يفهم "ماذا تطمح إليه بلدان حلف شمال الأطلسي مثل فرنسا وبريطانيا"، وكيف سيتم احتساب ترسانتها الإستراتيجية، أكدت وزارة الخارجية الروسية أن هناك إمكانية للعدول عن تعليق مشاركة روسيا في "ستارت-3" في حال بذلت الولايات المتحدة جهوداً لإعادة تفعيلها على نطاق كامل.

ومن اللافت أنه على عكس المرات السابقة، كانت روسيا هذه المرة هي الطرف المبادر لتعليق مشاركتها في أهم اتفاقية في مجال الأمن الدولي والاستقرار الإستراتيجي، بعد أن ظلت الولايات المتحدة على مدى العقدين الماضيين، لا سيما في عهدي الرئيسين الجمهوريين، جورج بوش (الابن) ودونالد ترامب، تنسحب من الاتفاقيات الأمنية واحدة تلو الأخرى مثل معاهدة الدرع الصاروخية (عام 2002)، ومعاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى (2019)، واتفاقية السماوات المفتوحة (2020).

وحتى "ستارت-3" كانت ستواجه مصيراً مجهولاً في حال أعيد انتخاب دونالد ترامب في نهاية عام 2020 رئيساً للولايات المتحدة، ولكن فوز الرئيس المنتمي إلى الحزب الديمقراطي جو بايدن، أسفر عن انفراجة سريعة في هذا الملف، وتمديد المعاهدة لمدة خمس سنوات خلال أيام معدودة بعد تنصيبه في بداية عام 2021، قبل أن تعلن روسيا تعليق مشاركتها فيها بشكل مفاجئ.

ومع ذلك، ثمة إجماع بين خبراء روس على أن تعليق روسيا مشاركتها في المعاهدة لن يترجم بالضرورة إلى احتدام سباق تسلح جديد أو اندلاع حرب نووية، بل يقتصر على منع الوفود الأميركية من زيارة المواقع النووية الروسية في ظروف الحرب بالوكالة بين موسكو الغرب في أوكرانيا.

تدارك خطأ غورباتشوف

ويعتبر أستاذ العلوم السياسية بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية كيريل كوكتيش، أن إعلان بوتين وقف المشاركة في "ستارت-3" يشكل تداركاً لخطأ آخر زعماء الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، الذي قدم تنازلاً بتطبيق "ستارت-1" المبرمة في عام 1991، على الأسلحة الأميركية وحدها، دون حلفائها.

ويقول كوكتيش في حديث لـ"العربي الجديد": "يعود قرار روسيا تعليق مشاركتها في "ستارت-3" إلى استرشادها بمنطق العقل السليم، حيث إنه لا يمكن السماح بدخول وفود دول حلف "الناتو" الذي يعلن صراحة عن عزمه إلحاق هزيمة إستراتيجية بروسيا، إلى المنشآت النووية الروسية حتى تتجسس عليها. كما أن بوتين ترك مجالاً لإعادة تفعيل المعاهدة في حال تدارك خطأ غورباتشوف".

ويقلل كوكتيش من منطقية إصرار الولايات المتحدة على إشراك الصين في المعاهدة، مقابل المطالبة الروسية بإشراك فرنسا وبريطانيا، قائلاً: "مثل هذا المطلب كان سيكون منطقياً في حال كانت بكين عضواً في تحالف عسكري مع موسكو، ولكن الوضع ليس كذلك، كما أن الصين لا تهدد بتدمير الولايات المتحدة".

ومع ذلك، يقر كوكتيش بأن تعليق مشاركة روسيا في "ستارت-3" لا يعني احتداماً لسباح التسلح أو اندلاع حرب نووية، ويتابع: "الحد الأقصى من قطع الأسلحة الإستراتيجية المسموح به بموجب "ستارت-3" يناسب روسيا، وهي ليست بحاجة لزيادته. ولن تقدم روسيا على استخدام السلاح النووي إلا في الحالتين الاثنتين المنصوص عليهما في عقيدتها العسكرية، والصيغة الضبابية المعتمدة فيها تزيد من فاعليتها كوسيلة ردع".

ولما كانت العقيدة العسكرية الروسية تتيح استخدام السلاح النووي في حالتين اثنتين، أولهما في حال تعرض روسيا أو حلفائها للهجوم بالسلاح النووي أو غيره من أسلحة الدمار الشامل، والثانية عند تعرض روسيا للهجوم بأسلحة تقليدية في حال كان يهدّد وجودها كدولة، يترك ذلك مجالاً واسعاً للتأويل في ما يشكل تهديداً وجودياً من عدمه، وما إذا كان ينطبق على حدود روسيا المعترف بها دولياً أم يشمل أيضاً شبه جزيرة القرم والمقاطعات الأربع (دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون) التي ضمتها موسكو.

وقف تبادل المعلومات

من جهته، قلّل العقيد المتقاعد يوري كنوتوف، من أهمية تعليق روسيا مشاركتها في "ستارت-3"، متوقعاً أن تلتزم موسكو بالقيود الخاصة بالحد الأقصى لعدد الرؤوس الحربية ووسائل حملها.

وقال كنوتوف في حديث لإذاعة "راديو 1" الروسية: "لا يلعب هذا التصريح دوراً، نظراً لقيام الغرب بكل ما بوسعه لدفع روسيا لاستخدام السلاح النووي التكتيكي، ويتعمد إثارة الوضع ويدفعنا إلى ذلك. نحن من جانبنا نتعامل مع ذلك باتزان وعقل سليم إلى حد كبير".

وأوضح أن تعليق مشاركة روسيا في معاهدة "ستارت" يعني أن الولايات المتحدة وروسيا ستكفان عن تبادل المعلومات حول مواقع مرابطة القوات النووية، ولن يسمح الجانب الروسي بدخول وفود التفتيش الأميركية إلى أراضي الدولة.

وأضاف: "أعتقد أننا سنلتزم بالقيود الخاصة بالحد الأقصى لعدد الرؤوس الحربية ووسائل حملها. وسننظر إلى السلوك الذي سيتبعه الأميركيون. ليس هناك أي شيء مميت في ذلك، بل هذا عمل مناسب في الوضع الدولي الراهن، الذي تراهن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا فيه على تدمير روسيا، والقضاء عليها، أو السيطرة على سلاحنا النووي. علينا وقف العمل بالمعاهدة حتى لا نخالفها ولا نسمح بوصول العدو إلى منشآتنا النووية".

ويعود تاريخ معاهدة "ستارت-3" إلى إبريل/نيسان 2010، حين وقعها الرئيسان السابقان الروسي دميتري مدفيديف والأميركي باراك أوباما، وسط تحسنٍ ملحوظ لم يدم طويلاً في العلاقات بين بلديهما، لتبقي على ترسانتي البلدين عند مستوى أقل كثيراً عما كانت عليه الحال خلال "الحرب الباردة" في الحقبة السوفييتية.

ونصّت المعاهدة على تقليص عدد الرؤوس الحربية النووية لدى كل من روسيا والولايات المتحدة إلى 1550 رأساً نووياً، والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة، إلى 700 قطعة، وعدد منصات الإطلاق والقاذفات الثقيلة إلى 800 قطعة.

ذات صلة

الصورة

مجتمع

واجهت رئيسة جامعة كولومبيا الأميركية ضغوطا جديدة أمس الجمعة إذ وجهت لجنة الإشراف بالجامعة انتقادات حادة لإدارتها بسبب قمع احتجاجات داعمة للفلسطينيين في الجامعة.
الصورة

سياسة

يعتزم مجلس النواب الأميركي التصويت على مجموعة من العقوبات على إيران بعد الهجوم الذي شنّته على إسرائيل ليل السبت، فيما سيحاول تمرير مساعدات عسكرية لإسرائيل.
الصورة
توماس غرينفيلد في مجلس الأمن، أكتوبر الماضي (بريان سميث/فرانس برس)

سياسة

منذ لحظة صدور قرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف النار في غزة سعت الإدارة الأميركية إلى إفراغه من صفته القانونية الملزمة، لكنها فتحت الباب للكثير من الجدل.
الصورة

سياسة

قُتل 40 شخصاً على الأقل، وجُرح العشرات، في إطلاق نار أعقبه اندلاع حريق، مساء اليوم الجمعة، في صالة للحفلات الموسيقية في ضاحية موسكو.

المساهمون