ماذا يعني استفتاء تونس؟

ماذا يعني استفتاء تونس؟

25 يوليو 2022
ضيّعت النخب أحلام التونسيين في هراء أيديولوجي متواصل (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

يتوجه تونسيون، اليوم الإثنين، إلى صناديق الاقتراع، للمشاركة في استفتاء على دستور كتبه الرئيس قيس سعيّد، وجمّع فيه، بحسب الخبراء، كل السلطات التي تصنع حكماً فردياً مطلقاً لا مجال فيه لرأي ولا قرار، غير رأي الرئيس وحكمه.

وسيكون هذا اليوم اختباراً لسعيّد ومقولة المدّ الشعبي المساند، ولكنه أيضاً اختبار للمعارضة المقاطعة، والمشاركة بـ"لا" في الحملة الانتخابية. ولكن الامتحان سيكون بالخصوص تاريخياً، ويشمل كل النخب، التي مهدت أو تعاونت أو شجعت أو صمتت على الانقلاب طمعاً في غنيمة ما، أو حتى اقتناعاً بالانقلاب ودفاعاً عن مقولة "فلتذهب الديمقراطية إلى الجحيم إذا صعدت بأعدائنا إلى الحكم".

والجمعة، كان العميد الصادق بلعيد، الذي عيّنه الرئيس سعيّد لتأسيس جمهوريته الجديدة وكتابة الدستور، ينتقد في ندوة علمية هذا الدستور، ويقول إنه يؤسس لحكم سلطاني. وفي نفس التوقيت، كانت النائبة سامية عبو، في شارع الحبيب بورقيبة، تواجه قوات الأمن التي اعتدت عليها، وكلاهما أعان بشكل أو بآخر صعود سعيّد وتمكنه من الحكم.

وربما يكون من الشجاعة السياسية أن يتراجع الإنسان عن الخطأ ويحاول إصلاحه بما استطاع من قوة، بينما آخرون لا يزالون في غيّهم، فيما يجرى الاستفتاء ويتقدم سعيّد في مشروعه ويُثبّت أركان حكمه، وهم يراوحون مكانهم على نفس الموقف: لا نجتمع ولا نتوحد ما دامت هناك "النهضة". ينتظرون فرجاً من السماء يخلّصهم من سعيّد ومن "النهضة" في الوقت ذاته، ولكنه أمرٌ لن يكون إلا إذا عادت الديمقراطية وعادت مؤسسات الدولة مستقلة، وخرج التونسيون مجدداً عن طواعية وبحماسة إلى صناديق الاقتراع، يفصلون بين كل هؤلاء ومقولاتهم، كما حدث في بداية الثورة.

وفي انتظار ذلك، سنتابع اليوم مسار هذا الاستفتاء ومآله، وسيكون الـ25 من يوليو/تموز 2022 لحظة أخرى من لحظات هذا اليوم الغريب والمهم في حياة التونسيين، فهو عيد الجمهورية الذي أُلغي النظام الملكي في عام 1957 وأُعلن فيه عن النظام الجمهوري، وهو اليوم الذي شهد وفاة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في عام 2019، وشهد اغتيال المناضل اليساري محمد البراهمي في 2013، وشهد طبعاً انقلاب سعيّد في 2021 والاستفتاء على دستوره اليوم.

وسيكون التونسيون على موعد للفصل بين نخبهم التي أتعبتهم وضيّعت أحلامهم في هراء أيديولوجي وسياسي متواصل، منذ سنوات، وربما تضيّع ثورتهم مرة واحدة وتعيدهم من جديد إلى حكم الفرد. ولكن 25 يوليو 2022 لن يكون المحطة الأخيرة في هذه الأحلام، لأن نبضاً مقاوماً يسمع صوته إلى الآن، ولن يرضى بزوال الحرية.

المساهمون