مادلين أولبرايت: سيدة أميركا الحديدية

24 مارس 2022
أولبرايت خلال عشاء في البيت الأبيض، في عام 2019 (أندرو كاباييرو ـ رينولدز/فرانس برس)
+ الخط -

توفيت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، مادلين أولبرايت، مساء أمس الأربعاء، عن عمر 84 عاماً، حسبما أعلنت عائلتها. وذكرت العائلة في بيان على "تويتر": "نعلن ببالغ الحزن والأسى وفاة الدكتورة مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الرابعة والستون وأول امرأة تتولى هذا المنصب. سبب الوفاة السرطان". 

وأضاف البيان أن أولبرايت توفيت "محاطة بأفراد من العائلة وأصدقاء". ونعت العائلة "والدة وجدة وأختاً وصديقة محبّة" و"مدافعة بلا كلل عن الديمقراطية وحقوق الإنسان".

الفرار من النازيين

وُلدت أولبرايت في براغ، عاصمة تشيكوسلوفاكيا السابقة (تحولت إلى دولتي تشيكيا وسلوفاكيا بدءاً من عام 1993)، في عام 1937. وفرّت مع أسرتها خلال الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) إلى الولايات المتحدة، بعد الاحتلال الألماني النازي لبلادها.

وارتقت سلم الدبلوماسية الأميركية حتى أصبحت أول امرأة تتولى منصب وزير الخارجية في بلادها، قبل أن تتحول في سنواتها الأخيرة إلى أيقونة نسوية.

شغلت أولبرايت منصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة بين عامي 1993 و1997

 

وشغلت أولبرايت منصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة بين عامي 1993 و1997 في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، الذي رشحها بعد ذلك لتصبح أول امرأة تتولى منصب وزير الخارجية. وشغلت هذا المنصب بين عامي 1997 و2001.

ونعى الرئيس الأميركي جو بايدن الراحلة، وقال: "مادلين أولبرايت كانت قوية. تحدت الأعراف وكسرت الحواجز مراراً وتكراراً"، معتبراً أنها "غيّرت مجرى التاريخ".

وشدّد بايدن في بيان على أنها كانت "الأكثر التزاماً" في الولايات المتحدة "في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان". وفي وزارة الخارجية أشاد المتحدث نيد برايس بأولبرايت "الرائدة باعتبارها أول امرأة تتولى وزارة الخارجية، والتي فتحت الباب فعلياً أمام عناصر كبيرة من قوتنا العاملة".

وأضاف: "أعلم أن العديد من الأشخاص في هذا المبنى يشعرون بالحزن". وينكّس البيت الأبيض والمقرات الحكومية، بما في ذلك السفارات، الأعلام حتى يوم الأحد المقبل. 

وبزغ نجم أولبرايت التي عُرفت بأسلوبها الصارم في الحديث خلال عملها في إدارة ترددت في الانخراط في أكبر أزمتين خارجيتين في التسعينيات من القرن الماضي، وهما الإبادة الجماعية في رواندا وأزمة البوسنة والهرسك في يوغوسلافيا السابقة.

وكانت أولبرايت قد ضغطت من أجل اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد الصرب في البوسنة. لكن خلال الولاية الأولى للرئيس بيل كلينتون (1993 ـ 1997)، كان تورط الولايات المتحدة في مستنقع فيتنام (1961 ـ 1973) لا يزال عالقاً في أذهان العديد من كبار خبراء السياسة الخارجية الذين حرصوا على عدم تكرار هذا الخطأ في البلقان.

وبدلاً من ذلك، عملت الولايات المتحدة مع حلف شمال الأطلسي على شنّ غارات جوية على العاصمة الصربية بلغراد، أدت إلى إنهاء الحرب، لكن بعد أن استمرت لمدة ثلاث سنوات.

لكن تصريحا لألبرايت أثار الجدل، عندما سُئلت من مقدمة برنامج "60 دقيقة" الشهير، عن وفاة نصف مليون طفل عراقي جراء العقوبات الاقتصادية التي فرضت بعد حرب الخليج الثانية، حينها سألت المذيعة اولبرابت، عما إذا كان هذا الثمن المرتفع من الضحايا يستحق فرض حصار على العراق؟  أجابت أولبرايت بأن الخيار كان صعبا، لكن الأمر كان يستحق هذا. وهو ما جلب عليها انتقادات واسعة نتيجة تبرير السياسة الأميركية تجاه العراق.

وفي خضم جهود الولايات المتحدة للضغط على كوريا الشمالية لإنهاء برنامجها للأسلحة النووية التي باءت بالفشل في نهاية المطاف، سافرت أولبرايت إلى بيونغ يانغ عام 2000 للقاء زعيم كوريا الشمالية آنذاك كيم جونغ إيل، لتصبح أبرز مسؤول أميركي يزور الدولة التي يحكمها الشيوعيون.

وبانتهاء فترة حكم كلينتون والتسعينيات، تحولت أولبرايت إلى أيقونة لجيل من الشابات اللاتي يبحثن عن مصدر إلهام لسعيهن خلف فرص للتفوق وكسب الاحترام في أماكن العمل.

ومن الجمل المفضلة لأولبرايت "هناك مكان خاص في الجحيم للنساء اللواتي لا يساعد بعضهن البعض". وقالت أولبرايت في إحدى المرات: "كانت الطريقة الوحيدة للمرأة كي تعبّر عن آرائها في السياسة الخارجية، هي بالزواج من دبلوماسي ثم سكب الشاي على حضن سفير يرتكب إساءات". وأضافت: "اليوم، تنخرط النساء في كل جوانب الشؤون الدولية".

كذلك دفعتها تجربتها كلاجئة في الماضي إلى الضغط في اتجاه استخدام الولايات المتحدة لنفوذها كقوة عظمى لإنهاء الصراعات حول العالم.

وفي إحدى المرات، أثارت حفيظة مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية بسؤاله: "لماذا يحتفظ الجيش بأكثر من مليون رجل وامرأة مسلحين إذا لم يكن ينوي استخدامهم مطلقاً؟". وقورن نفوذها على المستوى الدولي بدور رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت تاتشر في ثمانينيات القرن الماضي.

الجلسة مع بوتين

 وفي آخر منشور لها، تطرّقت أولبرايت في مقالٍ لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 23 فبراير/شباط الماضي إلى ظروف لقائها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وحمل المقال عنوان "بوتين يرتكب خطأً تاريخياً". وذكرت أنها كانت أول مسؤولة أميركية تلتقيه.

وأفادت بـ"أننا لم نكن نعرف عنه الكثير، فقط أنه أتى من الكي جي بي (الاستخبارات السوفييتية)"، مشيرة إلى أنه كان مختلفاً عن الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، وتحدث عن إحياء الاقتصاد الروسي وسحق الشيشانيين. ووصفت أولبرايت في مقالها بوتين بأنه "صغير وبارد وشاحب".

من الجمل المفضلة لأولبرايت "هناك مكان خاص في الجحيم للنساء اللواتي لا يساعدن بعضهن البعض"

 

وأشارت إلى أنه "كان محرجاً من تفكك الاتحاد السوفييتي، ويسعى لبناء روسيا عظمى". وأردفت أولبرايت في مقالها: "تذكرت جلستي مع بوتين التي دامت 3 ساعات، وأنا أراقب حشده قواته بالقرب من أوكرانيا" (كتبت أولبرايت المقال قبل يوم من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا).

وبعد أن اعتبرت أنه "سيرتكب خطأً تاريخياً إذا اجتاح أوكرانيا"، لفتت إلى أنه "في عالم حيث الجميع يكذب فيه، ليس ملزماً بالنسبة إليه قول الحقيقة".

وتحدثت أولبرايت عن قول بوتين خلال لقائها له: "أحب الطعام الصيني. من اللطيف استخدام العيدان لتناول الطعام، لكن هذه أشياء تافهة. إنها ليست عقليتنا، فنحن أوروبيون. روسيا جزء من الغرب".