نظمت ثلاث منظمات في الداخل الفلسطيني، أمس الجمعة، في حيفا، مؤتمراً بعنوان "الحرب على قطاع غزّة: مقاربات سياسيّة، اجتماعيّة، ثقافيّة"، شدد فيها باحثون على أن الهدف الإسرائيلي غير المعلن من الحرب هو التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، مطالبين بوقف حرب الإبادة على غزة.
ونظم المؤتمر كل من مركز مدى الكرمل- المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة، وجمعية الثقافة العربية، وجمعية الشباب العرب بلدنا.
وقالت مديرة جمعية بلدنا نداء نصار، في افتتاح المؤتمر، إن الأولوية في غزة حالياً هي وقف حرب الإبادة ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية، مشيرة إلى أن هناك حرباً سياسية أيضا على غزة بادرت لها "أنظمة أجنبية وعربية متواطئة مع إسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة".
وأوضحت أن هذه الحرب السياسية تتمثل في ترويج هذه الأنظمة لـ"حل الدولتين، ليس بمفهوم تحقيق القرارات الدولية والعدالة للناس، وإنما غطاء لإخفاء حرج هذه الأنظمة من تصاعد الحركات في الشارع".
وحملت الجلسة الأولى عنوان "شهران على الحرب- قراءات سياسيّة، فكريّة، استراتيجيّة"، تحدث فيها مدير مركز مدى مهند مصطفى، عبر تقنية الفيديو، عن تهجير سكان قطاع غزة، مشيراً إلى أن التهجير كان "الهدف المركزي والأساسي غير المعلن لإسرائيل، وهو كان جزءاً من التفكير حول تصفية القضية الفلسطينية، فقد اعتبرت إسرائيل أن الانتصار في الحرب يكون معناه فقط في تهجير سكان القطاع". وأكد أن "نجاح هذا المشروع كان سيمهد الطريق لتنفيذه في الضفة الغربية، أو على الأقل في مناطق منها".
وأضاف: "الحرب لم تعد بين إسرائيل وحماس، بل هي حرب لتصفية القضية الفلسطينية، حيث إن مستقبل فلسطين متعلق بنجاح أو فشل المشروع الإسرائيلي في التهجير".
وتمحورت الجلسة الثانية حول "إسرائيل القبيلة حدودها الداخليّة والخارجيّة"، تحدث فيها الكاتب أنطوان شلحت حول "صيرورة كل من إسرائيل قبل 7 أكتوبر، والجيش الإسرائيلي، والديمقراطية الإسرائيلية وتناقضها مع الدولة المدنية الحديثة".
وأشار إلى أن "الصيرورة المتعلقة بطابع دولة الاحتلال الأكثر توحشًّا، التي تنعكس في الجرائم التي ترتكبها في قطاع غزة، سبق أن توقعها المفكر العربي عزمي بشارة عندما توقف منذ عقود عند مجموعة من التناقضات الداخلية التي تعصف بإسرائيل والحركة الصهيونية، وتوقّع مآلاتها الحاليّة ذات النزعة اليمينية الدينية الاستيطانية، والتي يعود سببها الرئيسي إلى تحوّل الحركة الصهيونية إلى أسيرة مشروع ديني ينفي عنها صفتها التنويرية والعلمانية التي حملتها في خطابها، وذلك في ضوء استقرائه ما تشتمل عليه التغيّرات الديمغرافية والاجتماعية من تحوّلات بلغت المرحلة الحالية".
وفي ما يتعلق بممارسات الجيش الإسرائيلي، أكد شلحت أنه "يتعين من أجل تحليلها الوقوف عند الرابطة الوثيقة داخل الفكر الصهيوني بين مصدرين: الأول، طبيعة المشروع الصهيوني الكولونيالي القائم على عنصر الإحلال؛ والثاني، المراجع الدينية اليهودية... التي تبرّر القتل والطرد والنهب والسلب".
وأضاف: "هناك ظاهرة تديين آخذة بالاتساع في صفوف الجيش الإسرائيلي، ما يؤدي إلى مزيد من ثقرطة مؤسساته، فضلًا عن حدوث تحوّلات في عقيدته. ومن تجليات ذلك ازدياد حجم انخراط أبناء تيار الصهيونية الدينية ضمن القيادات التكتيكية والعملانيّة للجيش الإسرائيلي وصفوف الجيش عامة على مدار العقود الثلاثة الأخيرة. وفيها ما يفسّر ربما تواتر المواعظ الدينية في الجيش الإسرائيلي في الأعوام الأخيرة".
وأشار إلى أن "الديمقراطية الإسرائيلية تعرّضت للمساءلة في ظل الحروب المتكررة ضد قطاع غزة. ومنذ عدة أعوام، يؤكد كثيرون أن هذه الديمقراطية آخذة بالتآكل أكثر فأكثر حتى وصلت منذ نحو عقد إلى نقطة حضيض جديدة، وباتت كثير من المؤشرات الفاشية موجودة بكل تأكيد".
سيناريوهات اليوم التالي للحرب على غزة
من جهته، تناول الباحث في علم الاجتماع وليد حباس سيناريوهات اليوم التالي لهذه الحرب، وقال: "حالة الحرب الآن توفر حالة لزجة، بمعنى حالة مفتوحة لكل السيناريوهات؛ ممكن لهذه الحرب أن تشكل نهاية منظمة التحرير، وكل مفهوم التفاوض والسلام إلى آخره، وممكن أن تكون نهاية المقاومة المسلحة على نموذج حماس، وممكن أن تفتح سيناريوهات أخرى تعزز الانقسامات بين غزة والضفة من خلال إنشاء سلطات جديدة".
وأضاف حباس: "كل سيناريو طرحته بحاجة إلى مقومات تحمله، ونحن لا نرى أن هناك مقاومات سواء في سكان الضفة الغربية أو بالقدس وحتى في الداخل، أحزابهم التي تطرح مشروعا سياسيا تحرريا. كل الأطراف التي تتحدث عن غزة في اليوم التالي للحرب، تتحدث عن كيف سيكون شكل السلطة وإنهاء الحرب، ولم تطرح برنامجا سياسيا في صلب القضية الفلسطينية، شيئا تحرريا. حتى إذا افترضنا جدلاً أن أفضل حل هو 67 وحل الدولتين، فإنه لا يوجد هناك أي أحد يطالب بأن هذا هو هدف الحرب وهدف المقاومة وهدف الفلسطينيين".
وتناولت الجلسة الثالثة تأريخ غزّة وإقليمها: قراءات حضريّة، ثقافيّة، سياسيّة، قدم فيها المؤرخ جوني منصور، الباحث في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، قراءة تحليلية ليوميات الحرب على غزة.
وشارك في المداخلات باحثون وأكاديميون وطلبة دراسات علياء وأدباء وناشطين، من ضمنهم أسماء عزايزة وإمطانس شحادة وأنطوان شلحت وجاد قعدان وجوني منصور وطارق خطيب وعبد كناعنة وعرين هواري وعلي حبيب الله وعلي مواسي وغادي الغازي ووليد حباس ومحمود يزبك ومهند مصطفى ونادرة شلهوب كفوركيان ونداء نصار وهبة يزبك ويهودا شنهاف.