لا انتخابات للمجلس الوطني وفلسطينيي الخارج

28 فبراير 2021
لجنة الانتخابات المركزية تحضر للاستحقاق المرتقب (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -

 

تؤكّد كل الشواهد عدم امتلاك الرئيس محمود عباس الحاكم بأمره والمتحكم بكل السلطات في إدارة الحكم الذاتي "تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي الكاملة" الإرادة السياسية لإجراء انتخابات لفلسطينيي الخارج ضمن عملية ديموقراطية جادة وصادقة ونزيهة لإعادة تشكيل المجلس الوطني، وبالتالي إعادة بناء منظمة التحرير لتصبح الإطار الجامع للفلسطينيين في أمكان وجودهم المختلفة.

يمكن الحديث عن معطيات أساسية تدعم الاستنتاج السابق، تتمثل بعدم إجراء حوار سياسي لإنهاء الانقسام السياسي والجغرافي الراهن وتشكيل حكومة من كفاءات وطنية مستقلة تأخذ الوقت الكافي للتحضير لانتخابات متزامنة للتشريعي والرئاسة والمجلس الوطني، إضافة إلى عدم إعطاء الأولوية لهذا الأخير في الانتخابات المتتابعة، ووضع مهلة زمنية من شهر واحد لإجرائها دون تحديد الجهة المكلفة بذلك، علماً أن اللجنة المركزية للانتخابات تقول إنها غير مخوّلة بإجرائها في الخارج، ولا تملك الصلاحيات لذلك كون مهام عملها محصورة بالضفة وغزة، حتى إن من يقيمون من فلسطينيي الداخل بالخارج لا يستطيعون الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية والرئاسية في السفارات والقنصليات الفلسطينية بالدول التي يقيمون فيها.

في ظل الانقسام السياسي والجغرافي الذي طاول أكثر مما ينبغي ولعقود، وأمام الترهل الذي أصاب منظمة التحرير ومؤسساتها وابتلاعها من قبل سلطة الحكم الذاتي، وعدم إجراء انتخابات للمجلس الوطني الذي تم تضخيمه أحادياً واستبدادياً بشكل مبتذل ومبالغ فيه، وبالتالي فإن بلورة رؤية لإنهاء الانقسام والتوافق على إعادة الاعتبار للمجلس الوطني ومنظمة التحرير وفلسطينيي الخارج كان يجب أن يمثلا الأولوية للحوار الوطني الفلسطيني، وفعلاً وتحت ضغط التطورات العاصفة التي عاشتها القضية العام الماضي، والتي تضمنت التحديات الثلاثية المتمثلة بصفقة القرن الأميركية وخطة الضمّ الإسرائيلية لثلث الضفة الغربية، ومسيرة التطبيع العربي الإسرائيلي رأينا بوادر مبشّرة بين رام الله وبيروت وإسطنبول قبل أن تقع النكسة الكبرى في حوار القاهرة الأخير الذي رفض إجراء أي نقاش سياسي جدّي وعميق وبناء حول تلك الملفات وجرى الالتفاف على هذا الطرح عبر الدعوة إلى عقد جولة أخرى منتصف مارس/ آذار المقبل تركّز فقط على بند المجلس الوطني ومنظمة التحرير مع دعوة هيئة رئاسة المجلس وقيادة اللجنة المركزية للانتخابات للمشاركة في الحوار.

هذا خداع وتحايل موصوف، كون هيئة رئاسة المجلس الهرمة والمترهلة فاقدة لإرادة التغيير، وقاومت مراراً دعوات الإصلاح عبر تشبثها بمنصبها لعقود بعيداً عن الديموقراطية والشفافية. أما لجنة الانتخابات فتقول علناً إنها غير مخوّلة بالعمل في الخارج، وهي مستنزفة في الانتخابات التشريعية والرئاسية، وحتى لو تم تكليفها بذلك فهي لا تملك القدرات اللوجستية والوقت الكافي للتحضير لانتخابات يشارك فيها ملايين الناخبين، فضلاً عن البعد السياسي الجوهري المتمثل بكون معظم فلسطينيي الخارج يقيمون في دول عربية لا تجري انتخابات حرة نزيهة وشفافة حتى لمواطنيها، ما يقتضي العمل وطنياً وسياسياً وإعلامياً لتكريس قاعدة الانتخابات حيثما أمكن بشكل جدي عبر السعي لإجرائها في أماكن وتجمعات اللجوء القديمة والجديدة في تركيا وأوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية وحتى آسيا، إذ إننا أمام كتلة من مليون مواطن فلسطيني تقريباً مستعدين ومتشوّقين جداً لممارسة حقهم الانتخابي الذي لم يمارسوه طوال حياتهم.

في هذا الصدد أيضاً يجب الانتباه إلى أن حوار القاهرة لم يدعُ ممثلين عن فلسطينيي الخارج لا في الجولة السابقة في شباط/ فبراير ولا اللاحقة أيضاً في مارس/ آذار، رغم دعوة شخصيات مستقلة من الداخل الفلسطيني.

وفي كل الأحوال، وحتى لو سلّمنا جدلاً بفكرة الانتخابات كمدخل لتهيئة الظروف السياسية والمؤسساتية اللازمة لإنهاء الانقسام وترتيب البيت الوطني، فكان يجب إعطاء الأولوية لانتخابات المجلس الوطني بصفته البرلمان الجامع الذي سيتولّى انتخاب لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير باعتبارها الإطار القيادي المرجعي الأعلى للشعب الفلسطيني، وهو ما لم يحدث للأسف.

التتابع بدا مريباً أيضاً لأن بند إعادة تشكيل المجلس الوطني يأتي في المرحلة الأخيرة من الحزمة الانتخابية مع إعطاء الأولوية للمجلس التشريعي أي للفرع قبل الأصل بحيث بتنا في مشهد غريب يشبه وضع العربة قبل الحصان، والأمر الذي لا يوصل إلى أي نتيجة جديدة ومفيدة.

ثمة أمر محزن آخر يتعلق بفلسطينيي الخارج ويدعو إلى التشاؤم ويتمثل بالدعوة إلى انتخابات رئاسية للدولة لا للسلطة الفلسطينية، ولكن بمشاركة فلسطينيي الداخل فقط، الأراضي المحتلة في حزيران/ يونيو 1967، ما يعني شطب مواطنة فلسطينيي الخارج وحقهم في الاقتراع، وحتى حقهم في العودة إلى وطنهم ودولتهم مع إنكار مواطنيتهم وحقهم الأصيل في الاقتراع على رئاسة دولتهم.

في كل الأحوال وللأسف فإن العنوان العريض للمشهد الفلسطيني يتمثل بإجراء انتخابات في الداخل فقط وفق الواقع الراهن الذي يشمل تهميش فلسطينيي الخارج، وعدم امتلاك الرغبة لدمجهم في الحياة السياسية الفلسطينية، ولو من باب الاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم العالية، وفى جوانب عدة كما الافتقاد إلى الإرادة لإعادة بناء منظمة التحرير ككيان جامع وموحد للفلسطينيين في الداخل والخارج، وإبقائها جسداً دون روح وإطاراً فارغاً وعنواناً لتسويغ شرعية القيادة الهرمة المترهلة المستبدة والفاسدة وهمينتها وتسلطها على القرار الفلسطيني، علماً أن هذه القيادة قد لا تعي أن تجاهل فلسطينيي الخارج ومنعهم من الاقتراع الديموقراطي أو الاندماج العادل والنزيه في المؤسسات الوطنية يعني القبول بشطب مواطنيتهم وتنازلاً عن حق العودة للاجئين الذي يمثل أحد الحقوق غير القابلة للتصرّف، وأحد الثوابت المركزية للقضية الفلسطينية على مرّ العصور.