في الحاجة إلى مشروع

في الحاجة إلى مشروع

20 مارس 2024
تظاهرة في جنيف دعماً لغزة، السبت الماضي (مارشال تريزيني/Epa)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المقاومة تحقق منجزات حاسمة ضد الكيان الصهيوني، مما يستلزم مشروعاً شاملاً لما بعد المواجهة يعزز الإنجازات سياسياً وميدانياً.
- الكيان الصهيوني وحلفاؤه يخططون لتحييد المقاومة وتغييب الحق الفلسطيني، لكن المقاومة نجحت في تجفيف خياراتهم وخلق حالة من الارتباك والقلق داخل المجتمع الصهيوني.
- يُشدد على ضرورة وجود مشروع فلسطيني عربي لما بعد العدوان يحمي المقاومة ويستثمر في الخلل الذي أحدثته في الداخل الإسرائيلي، مع التأكيد على دور النخب السياسية والقوى الفاعلة في الأمة لدعم القضية الفلسطينية.

إذا قُدّر للمقاومة، وهي على هذا الطريق فعلاً، أن تحقق منجزات حاسمة من خلال المواجهة القائمة مع الكيان الصهيوني، وتركز فكرة المقاومة كخيار بديل في مقابل خيار التسوية، فإنها ستكون بالتأكيد، بحاجة إلى مشروع كامل لما بعد المواجهة، يعزز هذا الإنجاز على المديين السياسي والميداني.

الكيان يجهز خياراته لما يعرف باليوم التالي للحرب، وهو ليس وحده في هذه الخيارات، الولايات المتحدة الأميركية والقوى الغربية وأطراف عربية متخاذلة، تقف معه في مشروعه الذي يجري تدبيره السياسي، على أساس تغييب ما أمكن من الحق الفلسطيني، وتحييد فكرة المقاومة نهائياً، وتخليق عوامل الأمن لإسرائيل.

مع العلم أنه بات واضحاً لحكام إسرائيل وحلفائهم، أن كل هذه الغايات فات أوانها، ولم تعد ممكنة التحقيق لأن المقاومة نسفت تماماً كل أرضية يمكن أن تتحقق عليها هذه الغايات من جهة، ومن جهة ثانية لأن المقاومة بمستوياتها الثلاثة، المستوى العسكري على صعيد المواجهة الميدانية، والمستوى السياسي من حيث إدارة المواجهة، والمستوى الشعبي وهو الجدار الأبرز والأكثر تأثيراً، نجحت في تجفيف كل الخيارات التي صممتها إسرائيل، وركّزت لدى قادة الاحتلال حالة ارتباك وتخبط واضح، والأكثر من ذلك خلقت حالة قلق وفراغ في العقل والمجتمع الصهيونيين.

في مواجهة خيارات الاحتلال لـ"اليوم التالي"، لا بد من مشروع فلسطيني عربي واضح لما بعد هذا العدوان، يحمي المقاومة سياسياً وشعبياً، ويملأ الفراغ الاستراتيجي الذي صنعته المقاومة في العقل الصهيوني، ويستثمر في الخلل الذي أحدثته في الداخل الإسرائيلي، ويكسر ما تبقى من السردية الصهيونية غربياً، وإلا فستذهب كل هذه التضحيات والملاحم التي سطرتها المقاومة الفلسطينية، عسكرياً وسياسياً وشعبياً سدى، وهذا الذي يجب ألا يحدث، رغم الصعوبات والإكراهات القائمة.

ولكي لا يحدث هذا، فإنه منوط أولاً بالنخب السياسية الملتزمة ومجتمع الفكر السياسي التحرري، العمل على وضع التصورات التي تساعد على ذلك. ومنوط ثانياً بكل القوى الفاعلة في الأمة العربية والإسلامية، من حكومات وأحزاب وقوى شعبية منتظمة وغير منتظمة، ما زالت تؤمن بفلسطين التاريخية، أن تستعيد دورها في المعادلة الجديدة، وتشارك بكل قدر ممكن في حماية المنجز الكبير للمقاومة، وفي ابتكار أدوات مختلفة أكثر فاعلية لتعزيز مقومات السند المادي والسياسي للشعب والقضية الفلسطينية.

هذا ممكن فعلاً وليس حالة مثالية. المتغيرات السياسية ليست في صالح الاحتلال بالمطلق، وهي كثيرة ومتعددة، داخلياً وإقليمياً ودولياً، ولذلك فإن البحث والتفكير من خلال أطر مختلفة، في الكيفية الحكيمة لاستغلالها بالصورة الأمثل والأشمل، سيعطي للمقاومة ولمنجزات الشعب الفلسطيني زخماً أكبر.

يمكن أن يكون هناك توازٍ لخطوط اشتغال مختلفة في الوقت نفسه، تصب كلها وتلتقي عند تقاطعات ثلاثة، تحسم لصالح خيار الدولة الفلسطينية، وتمنع ترتيباً جديداً للتطبيع إقليمياً، وتضع المقاومة، البديل الذي لا بديل عنه... التاريخ هو الذي قال إن المقاومة علاج للاحتلال.