"فورين بوليسي": مصر وانهيار خرافة الوسيط

"فورين بوليسي": مصر وانهيار خرافة الوسيط

23 يوليو 2014
السيسي يسعى لقطف ثمار العدوان على غزة (getty)
+ الخط -

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، مقالاً حول دور مصر خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، أكّدت فيه أن النظام المصري الحالي استفاد من العدوان، وأنّ دور مصر كوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، سقط بانحيازها لتل أبيب. 

واعتبر المقال، الذي كتبه ستيفين كوك، أن مصر لم تكن أبداً وسيطاً بين إسرائيل وفلسطين، وأن النظام المصري الحالي يستفيد من العدوان على غزة. ويبدأ الكاتب مقاله بتقديم خلفية تاريخية عن العلاقة بين القاهرة وواشنطن، كاشفاً عن إعجاب كبير يكنّه وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، للرئيس المصري الراحل، أنور السادات، على أساس اعتباره متمتعاً "بحكمة وشجاعة رجل الدولة، وبصيرة النبي أحياناً".

بناء على هذا الإعجاب، جرى غرس مجموعة من الأفكار حول مصر في السياسة الأميركية بالشرق الأوسط أهمها، بحسب المقال، هو أن تكون مصر حصناً ضدّ أطماع الاتحاد السوفياتي، عبر استخدام أراضيها كقاعدة للقوات الأميركية في حال حدوث أزمة في منطقة الخليج، وتهيئتها لدور الوسيط بين العرب، وبين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ومن وجهة نظر السياسة الأميركية، تبقى الفكرة الأخيرة، الخاصة بدور الوسيط، هي الفاعلة في اللحظة الراهنة، غير أن التجربة أثبتت، بحسب كاتب المقال، أنّ مصر لم تستطيع لعب دور الوسيط النزيه والفعال.

وأشارت المجلة إلى أنّ مصر الرسمية دأبت على البحث عن مصالحها الخاصة. إذ أنّه على الرغم من كل التغييرات الدراماتيكية التي شهدتها مصر منذ سقوط الرئيس المصري، حسني مبارك، لا يزال الجيش والاستخبارات المصرية ينظران إلى غزة بنفس الطريقة؛ والتي تفيد أن مصر تريد إبقاء الفلسطينيين محاصرين، لا سيما حركة "حماس"، بهدف عدم امتداد الصراع ليزعزع استقرار شبه جزيرة سيناء، ومع التأكيد على أن قطاع غزة سوف يظل دائماً تحت السيطرة الإسرائيلية، على أن يرافق ذلك استبعاد اللاعبين الإقليمين الآخرين من ممارسة أي دور في غزة.

ووفقاً للمجلة الأميركية، يرى صناع السياسة في الولايات المتحدة، وغيرهم من المراقبين، أن السياسة المصرية المتبعة تمكّن من التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار يخدم أهدافها تلك، غير أنّ هذا لا يمكن اعتباره حقيقة قابلة لأن تتحول إلى واقع.

ورأت المجلة، أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في 2009 و2012 تم إنهائها بطريقة تخدم المصالح المصرية. وقالت إنّه بعد عدّة أسابيع من القتال قامت الاستخبارات العامة المصرية، بالتنسيق مع نظيرتيها الأميركية والإسرائيلية، بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، ما جعل مصر تخرج منتصرة، عبر الحفاظ على أمن حدودها، وعدم استدراجها للتدخل العسكري في غزّة، فضلاً عن تمكن إسرائيل من توجيه ضربة لـ"حماس"؛ بعبارة أخرى تنظر مصر إلى العدوان الإسرائيلي على غزة كفرصة لتعزيز أمنها القومي على حساب أهالي القطاع وقوى المقاومة، بحسب المجلة.

في المقابل، تقول المجلة إن الأمر، بالنسبة لمصر، لم يكن دائماً سهلاً، إذ أن قادة "حماس" ليسوا سذجاً؛ فهم يعلمون أن النظام المصري لا يهتم لأمرهم، وهذا ما يدفعهم لعدم التسليم بما يريده، والتحالف مع النظامين السوري والإيراني، وهو الأمر الذي لم ترض عنه يوماً الاستخبارات المصرية. غير أن "حماس" لم تكن قادرة، في كل مرة يحين فيها وقت عقد اتفاق، على الصمود أمام الضغوط السياسية والعسكرية، المصرية ـ الإسرائيلية.

ورأت "فورين بوليسي"، أنّ تأخر التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، يمكن النظر إليه على أنّه إما دليل على غدر، أو عدم كفاءة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أو على انهيار مكانة مصر بين الدول الإسلامية، أو وجود وجهة نظر أخرى ترى أن المصريين يعتقدون أن استمرار القتال في غزة يخدم مصالحهم بشكل أفضل، لاسيما أن جزءاً كبيراً من شرعية السيسي تنبع من حملة التشويه التي قامت بها وسائل إعلامه ضدّ جماعة "الأخوان المسلمين"؛ التي تنتسب لها حركة "حماس".

ويقول كاتب المقال إنه، بالنسبة للسيسي، ليس هناك أفضل من الوضع الحالي، إذ تقوم إسرائيل بضرب "حماس"، دون أن تتكلف مصر شيئاً، وفي خضم هذه الدوامة يقوم الرئيس الجديد، مثله مثل أي رجل دولة "حكيم"، باقتراح لوقف إطلاق النار، ينتصر فيه السيسي سواء وافقت عليه "حماس" أو رفضته.

وفي هذا السياق، تقول المجلة إن رفض "حماس" للاتفاق الذي عرضه السيسي في 14 يوليو/تموز عزز المزاعم المصرية والإسرائيلية والأميركية حول تعنت الحركة الإسلامية.

من جهة ثانية، تطرح المجلة احتمال أن تأتي استراتيجية السيسي بنتائج عكسية، إذ إن الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، كان قد دعم عملية التوغل الإسرائيلية في لبنان عام 2006، معتقداً أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سوف يوجه ضربة قاصمة لـ"حزب الله"، غير أنّ الإسرائيليين خيبوا آماله وهُزموا، بعدما قاموا بقتل عدد كبير من المدنيين اللبنانيين، ما عرضه للانتقاد السياسي الشديد، خاصة من الصحافة والرأي العام الملتهب، الأمر الذي أجبره على إرسال نجله جمال، ضمن وفد من رجال الحاشية، إلى بيروت في محاولة عرجاء لإظهار دعم مصر للشعب اللبناني، بحسب تعبير المجلة.

وقالت "فورين بوليسي"، إن هناك احتمالاً مشابهاً يمكن أن يحدث في غزة اليوم، لاسيما أن درجة عداء الشعب المصري لإسرائيل ستبقى بلا شك أكبر من درجة عدائهم لـ "حماس" وجماعة "الأخوان"، ما يجعل تواطؤ السيسي مع إسرائيل أمراً لا يمكن تبريره سياسياً.

وأضافت الصحيفة أن محاولة كل من تركيا وقطر القيام بدور الوسيط، الذي تخلى عنه السيسي، لا يعني أن فرص الحل سوف ترتفع، لكنها توفر فرصة لـ"حماس" للنجاة من الكماشة المصرية – الإسرائيلية، عبر تقديم ما يكفي من الدعم كي تستمر الحركة في النضال.

وتخلص المجلة إلى القول إنه تم بناء علاقات استراتيجية بين القاهرة وواشنطن، نمت الكثير من الخرافات حول دور مصر الإقليمي، وآخر هذه الخرافات هو الاعتقاد الخاطئ حول دور مصر كوسيط بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

المساهمون