فلاديمير جيرينوفسكي... مؤسس اليمين الشعبوي الروسي بخدمة الكرملين

فلاديمير جيرينوفسكي... مؤسس اليمين الشعبوي الروسي بخدمة الكرملين

30 مارس 2022
جيرينوفسكي وبوتين في الكرملين، سبتمبر 2016 (ميخائيل سفيتلوف/Getty)
+ الخط -

"تمنياتنا لجميع الجمهوريات السوفييتية السابقة: تنزهتم ويكفي، حان وقت العودة إلى الوطن". هكذا تنبأ زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، فلاديمير جيرينوفسكي، الذي يصارع الموت بعد إصابته بمتحور "أوميكرون" لفيروس كورونا، في أحد تصريحاته السابقة بالتوسع المباشر الروسي، الذي وصل اليوم إلى شن حرب مفتوحة على أوكرانيا، وعمل موسكو على زرع سلطات محلية موالية في مختلف الأقاليم الأوكرانية.

وحتى الآن، لا يزال الغموض يلف حالة جيرينوفسكي الصحية المتدهورة، على ضوء أحاديث عن وفاته نهاية الأسبوع الماضي، قبل أن يقوم رئيس مجلس الدوما (النواب) الروسي، فياتشيسلاف فولودين، بنفي هذه الأنباء، مؤكداً أنه على قيد الحياة بحالة حرجة.

أول شعبوي حديث

يعد جيرينوفسكي البالغ من العمر 75 عاماً، أبرز وجوه اليمين الشعبوي الروسي. وبرز اسمه على الساحة السياسية الروسية بقوة في تسعينيات القرن الماضي، بمشاركته في الانتخابات الرئاسية عامي 1991 و1996، حين كان يعد واحداً من أبرز المنافسين للرئيس الراحل بوريس يلتسين. 


وصف أندريه كوليسنيكوف، جيرينوفسكي بأنه أول شعبوي حديث

ومع وصول الرئيس الروسي الجديد، فلاديمير بوتين، إلى سدة الحكم عام 2000، واصل جيرينوفسكي المشاركة في الحياة السياسية والاستحقاقات الرئاسية بنشاط، لكن مع تحوله إلى خدمة الكرملين عن طريق دعم القرارات المصيرية للسلطة، وكذلك استيعاب الناخبين من أصحاب التوجهات اليمينية.

وفي هذا الإطار، وصف مدير برنامج "المؤسسات السياسية والسياسة الداخلية الروسية" في مركز "كارنيغي" في موسكو، أندريه كوليسنيكوف، جيرينوفسكي بأنه "أول شعبوي حديث". واعتبر أنه خدم السلطة الحاكمة في روسيا عن طريق استيعاب أصوات الناخبين الغاضبين وأصحاب التوجهات اليمينية.

وقال كوليسنيكوف، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "جيرينوفسكي هو أول شعبوي من الفئة الحديثة، وأصبح رائداً لهذه الحركة حتى قبل نشوئها في أوروبا والولايات المتحدة، مقدماً نفسه كبديل لمن لا يريد التصويت لا لليبراليين ولا للشيوعيين".

ولفت إلى أن جيرينوفسكي تحول في مرحلة لاحقة على غرار زعيمي الحزب الشيوعي، غينادي زيوغانوف، و"روسيا العادلة"، سيرغي ميرونوف، إلى خدمة السلطة. وأضاف: "أصبح جيرينوفسكي، شأنه في ذلك شأن زيوغانوف وميرونوف، من أعمدة النظام البوتيني عن طريق استيعاب أصوات الناخبين الغاضبين والمخيبة آمالهم وأصحاب التوجهات اليمينية المتشددة".

ومع ذلك، أشار كوليسنيكوف إلى أن الحزب الليبرالي الديمقراطي لم يصبح أيديولوجياً، بل لا يزال يعتمد على قيادة الفرد. وخلص إلى أن "جيرينوفسكي لعب دوراً كبيراً في قيام النظام البوتيني الاستبدادي"، على حد وصفه.

ولد جيرينوفسكي في مدينة ألما آتا عاصمة جمهورية كازاخستان السوفييتية في العام 1946، وتخرج عام 1970 من معهد اللغات الشرقية التابع لجامعة موسكو، مع تخصصه في اللغة التركية. واتجه بعد ذلك للعمل السياسي، بالتزامن مع بدء برنامج إصلاحات "بيريسترويكا" في السنوات الأخيرة من عمر الدولة السوفييتية في نهاية ثمانينيات القرن الماضي.

وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، تحول جيرينوفسكي إلى وجه اليمين الشعبوي الروسي، وعرف بمجموعة من المواقف والتصريحات المثيرة للجدل، مثل دعمه لإرسال القوات الروسية إلى جمهورية الشيشان نهاية عام 1994، واقتراحه إلقاء قنبلة نووية على إسطنبول رداً على واقعة إسقاط قاذفة "سوخوي-24" الروسية على الحدود السورية التركية من قبل سلاح الجو التركي نهاية 2015، ناهيك عن ضلوعه في عدد مشاهد العراك واستخدام ألفاظ خارجة عن النص في أثير التلفزيون الروسي.

من يخلف جيرينوفسكي؟

مع إطالة أمد مرض جيرينوفسكي وتدهور حالته الصحية، بدأ الحزب الليبرالي الديمقراطي مناقشة المرشحين المحتملين لخلافته، وفق ما كشفت عنه صحيفة "فيدوموستي" الروسية مطلع الأسبوع الحالي.

ميخائيل دياغتيريف

وذكر مصدر بمجلس الدوما (النواب) وآخران مقربان من ديوان الرئاسة، لـ"فيدوموستي"، اسم ميخائيل دياغتيريف، الذي بدأت مسيرته في بداية العقد الأول من القرن الـ21 في منظمة شبابية تابعة لحزب "الوحدة" في مقاطعة سامارا، قبل أن ينتخب إلى الدوما عن الحزب الليبرالي الديمقراطي.


مع إطالة أمد مرض جيرينوفسكي بدأ الحزب الليبرالي الديمقراطي مناقشة المرشحين المحتملين لخلافته

وفي عام 2021، انتخب دياغتيريف حاكماً لإقليم خاباروفسك الواقع في أقصى شرق روسيا عن حزب جيرينوفسكي، بحصوله على 56 في المائة من الأصوات، وذلك في منطقة تعرف باحتضانها قسماً من النواة الصلبة من أنصار الحزب الليبرالي الديمقراطي. وأوضح المصدر بالدوما أنه في حال تطلب انتخاب دياغتيريف، يجري النظر في خيارات عودته إلى موسكو. بينما لفت مصدر آخر مقرب من الدوما إلى أن حسم القرار لا يزال بعيداً.

أندريه لوغوفوي

أما المرشح الثاني، وفق مصادر "فيدوموستي"، فهو أندريه لوغوفوي. وبداية مسيرته السياسية، شأنه في ذلك شأن دياغتيريف، غير مرتبطة بجيرينوفسكي، لكنه انتخب إلى الدوما لأول مرة في العام 2007 من المرتبة الثانية في قائمة الحزب مباشرة.

ياروسلاف نيلوف وأليكسي ديدينكو

وترددت أيضاً أسماء مرشحين أقل حظاً لخلافة جيرينوفسكي، بمن فيهم رئيس مجلس العمل في الدوما، ياروسلاف نيلوف، ورئيس لجنة السياسات الإقليمية، أليكسي ديدينكو، على الرغم من انتمائهما إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي منذ بدء مسيرتيهما السياسيتين، بالإضافة إلى رئيس لجنة الشؤون الدولية ليونيد سلوتسكي.

لا بديل مناسبا لخلافة فلاديمير جيرينوفسكي

إلا أن مدير عام مركز التخطيط الإستراتيجي، فيكتور بوتوريمسكي، اعتبر أنه ليس هناك في الوقت الحالي بديل مناسب لخلافة جيرينوفسكي، في ظل اعتماد الحزب على شعبية شخص زعيمه. 

وقال بوتوريمسكي، في حديث لخدمة "إن إس إن" الإخبارية الروسية، إنه "بحلول الوقت الحالي، مثلما كان متوقعاً، ليس هناك بديل مناسب. هذا الحزب من النوع الذي يعتمد على زعيمه، وهذا تحدٍ كبير أمامه الآن. يجب الوضع في الحسبان أن النسبة العالية لتأييد الحزب هي نسبة تأييد جيرينوفسكي".

وأضاف: "من جانب آخر، لا يمكن القول إن الحزب الليبرالي الديمقراطي له مناطق خاصة يحقق نجاحات فيها. الشرق الأقصى وإقليم كراسنويارسك ومقاطعة تيومين هي مناطق قوة الحزب، ولكن تمثيله في الأقاليم الأخرى ضئيل جداً، وحتى ليس له فروع إقليمية فيها".

وفي الانتخابات التشريعية الأخيرة، حصل الحزب الليبرالي الديمقراطي على 21 مقعداً فقط، مشكلاً بذلك رابع كتلة في البرلمان الروسي بعد أحزاب "روسيا الموحدة" الحاكم و"الشيوعي" و"روسيا العادلة"، وسط احتدام منافسته مع الحزب الناشئ "الناس الجدد" على الأجندة اليمينية الوسطية بالحياة السياسية الروسية.