عيد الليبيين في ساحة الصراع

عيد الليبيين في ساحة الصراع

11 ابريل 2024
ليبيون يبيعون أحذية في طرابلس، مارس الماضي (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تعاني ليبيا من أزمة نقص سيولة نقدية حادة، مما حرم الكثير من المواطنين من الاحتفال بالعيد، وذلك نتيجة للصراع على السلطة والقرارات الاقتصادية المفاجئة من قبل تحالف جديد بين رئيس مجلس النواب ومحافظ البنك المركزي.
- تسببت الأزمة في توقف صرف الرواتب وفرض ضرائب جديدة، ما أدى إلى تظاهرات واحتجاجات ضد حكومة الدبيبة، وسط استياء عام من استغلال السياسيين للأزمة لتحقيق مصالحهم على حساب المواطنين.
- تفاقمت الأزمة بنشر فيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي تظهر الفوضى داخل البنوك والمطالبة بإسقاط الحكومة، فيما يعتذر الدبيبة للشعب عن "أي تقصير"، مما يعكس حالة من اليأس وفقدان الأمل بتحقيق الاستقرار.

لا تزال تداعيات أزمة المتصارعين على السلطة في ليبيا تطحن حياة المواطنين منذ سنوات من دون انفكاك لها. وفي جديد تجليات مظاهرها، أن أكثر الليبيين لم يعيّدوا هذا العام، فلم يتمكّنوا من شراء لوازم فرحة العيد بسبب أزمة نقص السيولة النقدية الحادّ في جميع فروع البنوك في مختلف أنحاء البلاد، من دون أن يتعرّفوا على سبب تفجر هذه الأزمة بشكل فجائي. صحيحٌ أن أزمة السيولة النقدية ليست جديدة، واستطاع المواطن التماهي والتجاوب معها بحلولٍ كثيرة، لكن اللافت فيها هذه المرة أنها عاجلت المواطن بشكل مفاجئ، فلم تكن التوقعات أن تتوالى آثار قرارات أقطاب الصراع على السلطة بهذه السرعة، وتفرغ البنوك من سيولتها على عجل.

يدرك الليبيون أن أزمة نقص السيولة نتجت عن قراراتٍ وخطواتٍ أصدرها تحالف جديد في فضاء الصراع، جمع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ومحافظ البنك المركزي الصديق الكبير، بعد سنوات من القطيعة بينهما، ومنها الامتناع عن صرف موازنة جديدة للحكومة في طرابلس، ما تسبب في توقّف صرف الرواتب، وفرض ضرائب جديدة على بيع النقد الأجنبي، ما أرهب التجار وجعلهم يتّجهون إلى سحب ودائعهم البنكية. لكن صدمة المواطن كانت في استسهال صراع السياسيين وتحويله إلى ورقة للضغط لتمرير مصالحهم، ومنها إسقاط حكومة عبد الحميد الدبيبة، بدفع الشارع إلى التظاهر والاحتجاج عليها.

وصل الصراع إلى مرحلة كسر عظم الخصم، وبأي طريقة كانت، حتى ولو كان بإسكات صوت فرحة المواطن بعيده الذي لم يرجع إلا لتوّه بعد سنوات طويلة من الحروب والتهجير والنزوح. وإلى هذا الحد، سعت صفحات على منصات التواصل الاجتماعي، مموّلة من شخصيات على صلة بأطراف الصراع، للمتاجرة بأزمة المواطن بعد أن اختلقتها، من خلال توسيع انتشار فيديوهات تظهر مشاهد صادمة لتدافع الناس داخل أحد البنوك في طبرق شرقي البلاد، وأخرى لاكتظاظات حفلت بها مقارّ أخرى لمواطنين يبحثون عن أية طريقة للوصول إلى أموالهم، محمّلين، بعبارات ساخطة، الدبيبة وحكومته المسؤولية ومنادين بضرورة إسقاطها.

يضاف إلى ذلك كله إصدار البنك المركزي بياناً لمصاريف الحكومة في طرابلس خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والتي بلغت قرابة مليارين ونصف مليار دينار (500 مليون دولار تقريباً). ولم يسع الدبيبة إلا أن يطلب المسامحة من الليبيين على "أيّ تقصير" حيال عدم قدرتهم على الوصول إلى رواتبهم في البنوك، متمنّياً لهم، وهو يعايدهم، "أياماً ملؤها الخير". التنافس السياسي مقرّر ضمن أدبيات الديمقراطيات، وحتى الصراع له أخلاقه، والخصومة لها شرفها. أما أن يتحوّل المواطن إلى سلعة للمتاجرة بأزماته وخنقه لتمرير مصالح قلة متحكّمة فأمر تنهار معه كل آمال مرور البلاد إلى أي مرفأ للأمان.

المساهمون