علي بلحاج... عودة من بوابة غزة

علي بلحاج... عودة من بوابة غزة

25 اغسطس 2014
خطب بلحاج للمرة الأولى منذ 23 عاماً (فرانس برس/Getty)
+ الخط -
ليس في هذه الصورة ما يثير الغرابة: رجل يخطب في تجمع لدعم المقاومة الفلسطينية، لكنها صورة لافتة وتاريخية، لرجل معارض ومصرّ على رفع سقف معارضته للنظام في الجزائر، يتمكن من إلقاء كلمة بعد ثلاث وعشرين سنة من المنع.

كثيرون على منبر قاعة حرشة وسط العاصمة الجزائرية في مهرجان دعم المقاومة وقطاع غزة، من بينهم عضو اللجنة الشعبية لدعم فلسطين الجزائري، لخضر بورقعة، والقيادي في جبهة الإنقاذ، علي جدي، والقيادي في حركة "حماس" إسماعيل رضوان، والسفير الفلسطيني في الجزائر، لؤي عيسى. لكن خطيباً واحداً كان أكثر لفتاً للأنظار، ليس لحنكته الخطابية، ولكن لأنها المرة الأولى التي يعتلي فيها منبراً بعد ما يقارب الربع قرن من المنع والاعتراض، إنه نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، علي بلحاج.

منذ آخر خطاب ألقاه قبل اعتقاله في يونيو/حزيران 1991، وبعد الحكم بالسجن عليه لمدة اثني عشر عاما قضاها حتى عام 2003، لم تسمح السلطات لعلي بلحاج، الرجل الثاني في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" منذ مارس/آذار 1992، بإلقاء خطاب في مكان عام، وألزمته بعشرة محظورات، من بينها منعه من النشاط السياسي والخطابة في المساجد والقاعات والأماكن العامة. وجاء العدوان الإسرائيلي على غزة، ليتيح للسلطات الجزائرية غض البصر والسماح لبلحاج للمرة الأولى منذ ثلاثة وعشرين عاما، بإلقاء كلمة من على منبر في مكان عام.

في قاعة حرشة، رفض علي بلحاج ورئيس حزب الصحوة السلفي، عبد الفتاح زيراوي، الوقوف للنشيد الرسمي وتحية العلم الوطني، فبالنسبة للرجل، لا يجوز الوقوف للنشيد ولو بشكل رمزي. وحين صعد إلى المنصة، اتهم الدول والأنظمة العربية بالتقاعس عن نصرة فلسطين، وقال "لا أريد أن أتحدّث في القاعات المغلقة بل الحديث يجب أن يكون في الشوارع وفي المظاهرات والمسيرات السلمية حيث الركل والضرب والصفع من طرف من جنّدوا لمنع النّاس حقوقهم، وهناك فقط طريق الانتصار". وأضاف بلحاج، يوم الجمعة، "لا بد للمقاومة أن تأخذ المساعدات الإنسانية من الشعوب برأس مرفوع ولا تأخذها من الأنظمة التي تريد إذلالهم".

وشارك آلاف الجزائريين، في التجمع الشعبي لنصرة غزة، في قاعة حرشة تلبية لدعوة أطلقتها حركة "مجتمع السلم"، وردد المشاركون هتافات "الشعب يريد تحرير فلسطين"، و"يا حماس الجهاد هو الأساس"، ورفعوا لافتات مكتوب عليها "أمريكا تسلح الإرهاب الصهيوني".

منذ خروجه من السجن الذي عاد إليه عام 2003 حتى 2005، بعد اتهامه بالفتوى لصالح تنظيم "القاعدة" في بلاد الرافدين لقتل دبلوماسيين جزائريين في بغداد، يصر بلحاج على إلقاء كلمات بعد كل صلاة جمعة داخل مسجد في حي القبة بأعالي العاصمة، بعد منعه من قبل السلطات من إقامة الدروس والحلقات في المساجد. ليس هذا فقط، إذ كان الرجل ممنوعاً من المشاركة في التظاهرات والاعتصامات التي كانت تنظمها أحزاب المعارضة أو النقابات والتنظيمات المدنية، وتعرض للاعتقال عشرات المرات، لساعات قبل أن يتم إطلاق سراحه في كل مرة.

حاول بلحاج استعادة حقوقه السياسية والمدنية المتعلقة بالحق في الترشح، خلال كل الاستحقاقات الرئاسية التي شهدها في أعوام 2009 و2014، وتقدم إلى وزارة الداخلية لسحب استمارة الترشح للرئاسة، لكن السلطات الجزائرية كانت ترده وتمنعه من الوصول إلى مقر وزارة الداخلية.

كثيرون لا يزالون ينظرون إلى الرجل على أنه أحد قادة "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" الذين يتحملون من جانبهم، بخطابهم الحاد، جزءاً من المسؤولية التاريخية عن الأزمة الأمنية والسياسية العنيفة التي ألمت بالجزائر في التسعينيات خلال ما يُعرف بـ"العشرية السوداء"، والتي راح ضحيتها 120 ألف قتيل و7400 مفقود. لكن كثيرين أيضاً يعتقدون أن الرجل يمثل صورة السياسي المتمسك بمبادئه ومواقفه، والرافض لأية مهادنة أو تعاطي مع السلطة، ويحملها مسؤولية المشكلات الأمنية والاجتماعية والسياسية التي عاشتها الجزائر، بخلاف عدد من رفاقه من قيادات "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة الذين قبلوا المصالحة مع السلطة.

المساهمون