عقد على ضم القرم... تسليم غربي لا أوكراني بالأمر الواقع الروسي

عقد على ضم القرم... تسليم غربي لا أوكراني بالأمر الواقع الروسي

18 مارس 2024
أحد شوارع سيمفروبول، القرم، 5 مارس (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في 18 مارس 2014، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم بعد استفتاء دعمه سكان القرم، وقّع بوتين معاهدة الانضمام معلنًا القرم جزءًا من روسيا، دون اعتراف دولي، مؤكدًا على أهميتها الاستراتيجية.
- على مدى العقد الماضي، عززت روسيا سيطرتها على القرم، مواجهة بتمسك أوكراني بالاستعادة وتسليم غربي بالواقع الجديد، في ظل جذور تاريخية للصراع تعود لما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي.
- رغم عدم الاعتراف الدولي والعقوبات الغربية، استثمرت روسيا في تنمية القرم، مكرسة واقعًا جديدًا يصعب تغييره، مع تركيز الجهود الدبلوماسية على حلول تفاوضية دون التطرق لمسألة السيادة.

أعلنت روسيا، في الثامن عشر من مارس/ آذار 2014، ضم شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، وذلك بعد يومين من إجراء استفتاء (16 مارس) أظهرت نتائجه، وفقاً لأنصار موسكو، أن أكثر من 96 في المائة ممن شاركوا في الاستفتاء في القرم أيدوا ضم روسيا إلى القرم وصوتوا لصالح الانفصال عن أوكرانيا. 

يومها، سارع الرئيس فلاديمير بوتين، إثر نتائج الاستفتاء، إلى التوقيع على معاهدة انضمام شبه الجزيرة ومدينة سيفاستوبول، إحدى مدن القرم، في 21 مارس، ككيانَين جديدَين في الاتحاد الروسي. وتحدث بوتين، في خطاب له بعد التوقيع، عمّا أسماه الأهمية الحيوية للقرم بالنسبة لكل الروس، مشدّداً على أن "القرم هي جزء لا يتجزأ من روسيا، وهذا التزام راسخ انتقل من جيل إلى جيل".

ولا يبدو أن موسكو مستعدة لأي تنازل عن شبه الجزيرة، رغم فشلها في الحصول على اعتراف دولي بضمها، أخذاً بعين الاعتبار أهميتها الاستراتيجية خصوصاً لما تشكله من منفذ وحيد لها على البحر الأسود.

وبينما سعت موسكو على مدى عقد لترسيخ سيطرتها على شبه الجزيرة مكرسة واقعاً ديمغرافياً وجيوسياسياً جديداً فيها يصعب تجاوزه، تتمسك كييف باستعادتها، محاولة توظيف الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022 وتحولات العملية العسكرية لتحقيق ذلك، لكن من دون أي نتائج تذكر حتى اليوم، لا سيما في ظل تحولات عدة شهدتها شبه الجزيرة وتسليم غربي بالأمر الواقع الراهن الذي لا يمكن فصله أيضاً عن تاريخ القرم. 

جذور الصراع المتجدد حول القرم

ولم تكن السلاسة التي سيطرت فيها روسيا على القرم مفاجئة، فمصير القرم بقي غير مؤكد بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، إذ صوّت حينها 54 في المائة فقط من سكان القرم لصالح البقاء ضمن أوكرانيا، والاستقلال عن روسيا.

ومن المعروف أن جمهورية القرم السوفييتية ذات الحكم الذاتي ألحقت إدارياً بأوكرانيا كجمهورية تتمتع بحكم ذاتي، بقرار من مجلس السوفييت الأعلى، في 19 فبراير/شباط 1954، ووقّع عليه حينها الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف.

لكن الروس ظلوا يشكلون غالبية السكان في شبه الجزيرة، بنسبة 58.32 في المائة من إجمالي السكان، و70 في المائة في سيفاستوبول، حسب إحصاء أوكراني عام 2001.

أولت روسيا على الدوام أهمية استثنائية لشبه جزيرة القرم

وأولت روسيا على الدوام أهمية استثنائية لشبه جزيرة القرم لأهميتها الاستراتيجية باعتبارها المنفذ الوحيد لها على البحر الأسود، وتضم القاعدة الرئيسية لأكبر أساطيلها، أسطول البحر الأسود في سيفاستوبول.

وسعت موسكو إلى ضبط إيقاع علاقاتها مع كييف في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، ونجحت في ذلك إلى حد ما، إلا أن حسابات موسكو انقلبت رأساً على عقب جراء هيمنة أحزاب موالية للغرب (مثل أحزاب "التضامن" و"أودار" و"الجبهة الشعبية") على مقاليد الحكم في أوكرانيا، بعد الثورة البرتقالية (2004- 2005 للمطالبة بوقف التدخل الروسي، ووقف الفساد المالي والإداري)، وتوجه تلك الأحزاب نحو الانضمام إلى عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي.

بالإضافة إلى ذلك، برز اتباع سياسات للتضييق على اللغة الروسية واعتماد اللغة الأوكرانية لغة رسمية وحيدة، بما يشمل المناطق التي يشكل فيها الروس نسبة كبيرة من السكان في شرق وجنوب البلاد، وشبه جزيرة القرم.

ونشب أول صراع حدودي بين روسيا وأوكرانيا يتعلق بالقرم حول ملكية جزيرة توزلا (جزء من مدينة كيرتش في القرم) في عام 2003، ليتجدد النزاع في عام 2007 عندما نفّذ مشاة البحرية الروسية إنزالاً على شبه جزيرة كِيرتش، وعلى الرغم من انسحاب مشاة البحرية الروسية لاحقاً، اعتُبرت العملية بمثابة بروفة لسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم.

وقد تراجعت احتمالات تنفيذ هذه السيطرة مؤقتاً عام 2010 بانتخاب الرئيس الأوكراني الموالي لموسكو فيكتور يانوكوفيتش، وموافقته على اتفاقية تشمل تمديد عقد إيجار روسيا ميناء سيفاستوبول حتى عام 2042، والسماح بوجود ما يقارب من 25 ألف جندي في منطقة سيفاستوبول، واحتفاظ روسيا بقاعدتين جويتين في القرم، وذلك مقابل حصول كييف على أسعار تفضيلية لوارداتها من الغاز الروسي.

إلا أن سيناريو سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم عاد ليُطرح من جديد، قبل أن يتحقق في مارس 2014، كرد على إطاحة الرئيس يانوكوفيتش في احتجاجات شعبية اضطرته إلى مغادرة البلاد في 22 فبراير 2014، على خلفية رفضه توقيع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي.

واستكمالاً لمخطط موسكو الهادف إلى السيطرة على المناطق التي تقطنها أعداد كبيرة من الإثنية الروسية في أوكرانيا، جاء إعلان الانفصاليين الموالين لروسيا، في 7 إبريل/ نيسان 2014، عن "جمهورية دونيتسك الشعبية"، كما أُعلن عن "جمهورية خاركيف الشعبية" في نفس اليوم، لكنه فشل. وفي 27 إبريل/ نيسان، أعلن انفصاليون موالون لروسيا عن "جمهورية لوغانسك الشعبية"، لتدخل بعدها العلاقات الأوكرانية الروسية في منعطف خطير، ترافق مع بداية تدهور تدريجي في علاقات موسكو مع الغرب، وصل إلى ذروته في الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية في 22 فبراير 2022.

ومن اللافت أن تاريخ بدء الاجتياح الروسي لأوكرانيا تزامن مع مرور 8 سنوات على إطاحة الرئيس يانوكوفيتش ومغادرته البلاد، وتسلم حكومة جديدة أوكرانية موالية للغرب مرة أخرى. وربما كان التوقيت مقصوداً منه توجيه رسالة مبطنة إلى كييف والدول الغربية.

موقف سكان القرم نقطة ضعف كييف

في نظرة سريعة إلى الوقائع التي حدثت في عام 2014، يلاحظ وجود فارق كبير في استجابة الأوكرانيين من أصول روسية مع مشروع موسكو للسيطرة على مناطق شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، فالتجاوب الشعبي في خاركيف كان ضعيفاً جداً، ما مكّن قوات الأمن الخاصة لوزارة الداخلية الأوكرانية من إنهاء التمرد خلال ساعات.

غير أن الصورة في شبه جزيرة القرم كانت مختلفة تماماً، بوجود نسبة كبيرة مؤيدة لروسيا قبل انفجار أزمة 2014، بدليل حصول "حزب الأقاليم" بقيادة فيكتور يانوكوفيتش (حينذاك) على المركز الأول، و"الحزب الشيوعي" الأوكراني على المركز الثاني، في الانتخابات التشريعية المحلية بالقرم عام 2010.

والحزبان من مؤيدي موسكو، ولعبا دوراً في إجراء الاستفتاء على انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا في اليوم التالي لقرار البرلمان الأوكراني حلّ برلمان القرم في 15 مارس 2014.

ومما لا شك فيه أن نتيجة الاستفتاء عبّرت يومها عن حقيقة وجود نسبة كبيرة من سكان القرم ترغب بالانضمام إلى روسيا، بصرف النظر عن الملاحظات على سير العملية وقانونيتها، ومن شأن ذلك أن يضعف موقف كييف في البحث عن تسوية سياسية لملف القرم مستقبلاً، على العكس من موقف موسكو، الذي يبدو مسنوداً بتأييد قوي من غالبية سكان القرم.

وقائع ديمغرافية وجيوسياسية جديدة في القرم

أقدمت روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم على اتخاذ عدد من الإجراءات لتغيير الواقع الديمغرافي والجيوسياسي، من ضمنها إجبار السكان على اكتساب الجنسية الروسية شرطاً للتنقل وإجراء المعاملات الرسمية، من دون أن تفرض عليهم التخلي عن الجنسية الأوكرانية.

واتهمت كييف موسكو بعمليات تهجير لسكان شبه جزيرة القرم المعارضين للضم الروسي، وخصوصاً تتار القرم، من خلال التضييق عليهم وتوجيه اتهامات لهم بممارسة الإرهاب، وفرض التجنيد الإجباري، فضلاً عن توطين أعداد كبيرة من الروس في القرم.

وبلغت هذه الأعداد، وفقاً لصحيفة كييف إندبندنت المستقلة في تقرير بمناسبة عشر سنوات لاحتلال القرم، نشر في يوم 16 مارس، أكثر من نصف مليون روسي، وهي نسبة كبيرة بالقياس إلى إجمالي عدد سكان القرم، الذي بلغ في إحصائية أجريت عام 2023 ما يقرب من مليوني نسمة.

وافتتحت روسيا، في مايو/ أيار 2018، "جسر القرم"، الذي يمتد عبر مضيق كيرتش، ويصل شبه جزيرة القرم بالأراضي الروسية عبر مقاطعة كراسنودار، ويبلغ طوله 19 كيلومتراً يمر ثلثها تقريباً فوق جزيرة توزلا التابعة للقرم.

وعملت القوات الروسية في هجمات صيف 2022 على إيجاد تواصل بري بين شبه جزيرة القرم وزابوريجيا وخيرسون، جنوبي أوكرانيا، والمناطق التي تسيطر عليها في شرق البلاد.

ولتعزيز سيطرتها على شبه جزيرة القرم وكسب تأييد السكان، رصدت روسيا في 2014 موازنة تقدر بأكثر من 13.2 مليار دولار أميركي لتنفيذ برنامج فيدرالي خاص تحت عنوان "التنمية الاجتماعية والاقتصادية في جمهورية القرم ومدينة سيفاستوبول"، في الفترة الممتدة بين عامي 2015-2022.

ويهدف البرنامج، استناداً إلى جهات رسمية روسية، إلى "معالجة الاختلالات في التنمية الاقتصادية الإقليمية، ووصول مستوى معيشة السكان والتنمية الاقتصادية في القرم إلى المعايير الروسية العامة، وتهيئة البيئة المؤاتية لتوفير النمو الاقتصادي المستدام لشبه الجزيرة، والاستخدام الفعال للقدرة السياحية".

وجرى في العام الأول من السيطرة الروسية على القرم "تطوير 49 مشروعاً بلغت قيمة تمويلها 1.1 مليار دولار".

وتعمل في القرم منطقة اقتصادية حرة "يصل حجم الاستثمارات فيها إلى حوالي 1.8 مليار دولار، يمكنها أن توفر 53 ألف فرص عمل جديدة". ومنذ عام 2014، زادت، وفق الجهات نفسها، رواتب الموظفين في القطاع العام بالقرم، وارتفعت المعاشات التقاعدية إلى أكثر من ضعفين، واقتربت من متوسط مستوى الأجور والمعاشات التقاعدية على مستوى عموم روسيا.

تدهور الأوضاع الأمنية في القرم يشكّل عامل عدم استقرار

لكن تدهور الأوضاع الأمنية في القرم يشكّل عامل عدم استقرار للأوضاع الاقتصادية والحياة الاعتيادية للسكان، ما أدى، خلال العامين الماضيين، إلى تضرر مكانة السياحة كمصدر رئيسي من مصادر الدخل، بالإضافة إلى إحجام القطاع الخاص عن الاستثمار.

فقد استقبلت شبه جزيرة القرم 5.2 ملايين سائح خلال عام 2023، وفق ما أعلنه رئيس جمهورية القرم سيرغي أكسيونوف بداية العام الحالي، وهو عدد أقل بنسبة 20 بالمائة من عدد السائحين في عام 2022.

إلا أنه في المحصلة، رغم عدم حصول ضم روسيا القرم على الاعتراف الدولي، وفرض عقوبات غربية عليها، والمصاعب المتنوعة التي تواجهها، استطاعت موسكو، من خلال السياسات التي اتبعتها خلال السنوات العشر الماضية، تكريس واقع ديمغرافي وجيوسياسي جديد في القرم، من الصعب تجاوزه أو تغييره بسهولة.

تسليم بالأمر الواقع بعد ضم روسيا القرم

تتمسك موسكو بأن ضم القرم إلى السيادة الروسية مسألة لا رجعة عنها وغير قابلة للتفاوض، ووضعت شرط اعتراف أوكرانيا بروسية القرم في مقدمة شروط وقف الحرب. وكان من ضمن التنازلات التي قدمها الوفد الأوكراني للطرف الروسي في مفاوضات إسطنبول، نهاية مارس 2022، اقتراح بلورة تفاهم بين كييف وموسكو على فترة مشاورات مدتها 15 عاماً بشأن وضع شبه جزيرة القرم.

وقبل ذلك، استثنيت شبه الجزيرة من المواضيع التي اشتملت عليها اتفاقية مينسك في سبتمبر/ أيلول 2014 (في بيلاروسيا بين ممثلي الحكومة الأوكرانية والانفصاليين في دونيتسك ولوغانسك، برعاية روسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا)، ومن رزمة التدابير الرامية إلى تنفيذ اتفاقات مينسك في فبراير/ شباط 2015 (وقّعت في بيلاروسيا لوقف النزاع في منطقة دونباس جنوب شرقي أوكرانيا، توصل إليها قادة أوكرانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا).

ودل ذلك على أن الوساطة الأوروبية، ممثلة حينها بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند، رضخت عملياً لمبدأ عدم استعادة أوكرانيا سيادتها على شبه جزيرة القرم ضمن الحدود المعترف بها دولياً عام 1991، على الرغم من أن بلدان الاتحاد الأوروبي ما زالت تُجمع على رفض الاعتراف بالضم.

لا يختلف الموقف الأميركي جوهرياً عن نظيره الأوروبي إزاء قضية القرم

ولا يختلف الموقف الأميركي جوهرياً عن نظيره الأوروبي إزاء قضية القرم، ففي 20 يناير/كانون الثاني 2023، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي مارك ميلي، في اجتماع مع فريق الاتصال الدفاعي الأوكراني: "سيكون من الصعب جداً خلال هذا العام إخراج القوات الروسية عسكرياً من كل شبر من أوكرانيا أو المناطق التي تحتلها روسيا".

وكان رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي مايك روجرز أكثر وضوحاً بتأكيده أن "روسيا لن تنسحب أبداً ولن تتخلى عن شبه جزيرة القرم، لذلك سيكون هناك بعض الضغط من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشأن شكل النصر، ما سيدفع بوتين وزيلينسكي إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب بحلول الصيف"، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "بوليتيكو" الأميركية في مطلع فبراير 2023.

ومع فشل الهجوم المعاكس الذي شنته القوات الأوكرانية في صيف 2023، بدأت دوائر أوروبية وأطلسية ترسل إشارات أكثر وضوحاً إلى التسليم بالواقع الديمغرافي والجيوسياسي الذي فرضه روسيا في شبه جزيرة القرم. ومن تلك الإشارات تصريح لمدير المكتب الخاص للأمين العام لحلف شمال الأطلسي ستيان جنسن، في 15 أغسطس/ آب 2023، قال فيه إن "أوكرانيا يمكن أن تنضم إلى الحلف مقابل التنازل عن جزء من أراضيها لروسيا".

وأثار هذا التصريح تساؤلات كبيرة على الرغم من تأكيد الأمانة العامة للحلف أن ما قاله جنسن لا يعبر عن موقف الحلف.

كما أن دعوة أطراف أوروبية، خلال الأشهر القليلة الماضية، لا سيما المجر وصربيا وسلوفاكيا، إلى العودة إلى بروتوكول مينسك كأساس لإجراء مفاوضات بين كييف وموسكو، تترجم عملياً بإخراج ملف شبه جزيرة القرم من العملية التفاوضية مرة ثانية. مع العلم أن اتفاقية مينسك قد تجاوزها الزمن، وهي تشمل عدة نقاط ترتكز على وقف إطلاق النار وسحب الأسلحة الثقيلة من الطرفين لإقامة منطقة عازلة، إضافة إلى الإفراج عن رهائن إلى جانب الحوار السياسي ومراقبة الحدود.

ورغم تأكيد أوكرانيا أن القرم أرض أوكرانية لا يمكن التنازل عنها، فإن الوقائع التي فرضتها روسيا، وفشل الهجوم المضاد في الصيف الماضي في قطع الجسر البري بين البر الروسي، عبر دونيتسك ودونباس، بشبه جزيرة القرم، تصعّب عليها مهمة استعادتها في ظل موازين القوى.

وتكمن الصعوبة أيضاً وسط خشية البلدان الغربية من حرب عالمية ثالثة يمكن أن يُستخدم فيها السلاح النووي في حال نشوب معركة على أراضي القرم وسيفاستوبول، بناء على العقيدة النووية الروسية، التي تجيز استخدام هذا السلاح في حال تعرضت أراضي روسيا لأي هجمات من الأعداء.

كما أن التنازل عن ضم روسيا القرم لا يعد وارداً بعد التعديلات الدستورية في 2020 في روسيا، التي تمنع أي حاكم للكرملين من التنازل على أي قطعة من الاتحاد الروسي.

وتزامناً مع الذكرى العاشرة لضم القرم، يستعد الرئيس بوتين لمواصلة حكمه في فترة رئاسية خامسة، فيما شكلت الحرب عماد حملته الانتخابية. وبات مصيره معلقاً بنتائج حرب بدأت من القرم، درة تاج الأمبراطورية الروسية في 2014، والتي يُنظر إلى ضمها أنه أهم إنجاز لبوتين لإعادة أمجاد الأمبراطورية الروسية، بانتظار عودة "نوفوروسيا" (أو روسيا الجديدة، وهو مصطلح تاريخي للإمبراطورية الروسية يشير إلى إقليم شمال البحر الأسود، وهو جزء من أوكرانيا اليوم) كاملة.

وعليه، فالأرجح أن بوتين لن يقدم أي تنازل في موضوع السيادة على القرم الذي يعد خطاً روسياً أحمر لا يمكن تجاوزه.