عقبات جديدة على طريق الحل الليبي: مطالب بـ"إقليم رابع"

عقبات جديدة على طريق الحل الليبي: مطالب بـ"إقليم رابع"

06 يناير 2021
الدعوة الجديدة جنوب شرق ليبيا ردّ على انكسارات حفتر (عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد مسارات الحل الليبي تعثراً مقابل جهود أممية لتطويق الخلافات بين أعضاء ملتقى الحوار السياسي، في وقت تتزايد فيه الدعوات الليبية إلى الحل القائم على تقسيم البلاد إلى أقاليم، وسط غموض تسير فيه الأوضاع السياسية والعسكرية الحالية في البلاد، ما قد يؤدي إلى مزيد من التشظي داخل الأطراف الليبية

ومساء أمس الثلاثاء، أعلنت عدة قبائل من جنوب شرق البلاد تشكيل "اللجنة التأسيسية العليا لإقليم الجنوب الشرقي"، وطالبت باعتماد جنوب شرق ليبيا "إقليماً رابعاً" أسوة بغرب وشرق وجنوب ليبيا. 

تهميش وثروات

وفي أول بيانات اللجنة، اليوم الأربعاء، علّلت المطلب بأن منطقة الجنوب الشرقي "كانت وما زالت محرومة التنمية والعدالة الاجتماعية، مقارنةً بمدن الشمال، على الرغم من أن المنطقة تُعَدّ أكبر من المنطقة الغربية والجنوبية كلاً على حدة". 

وبينت اللجنة أن إهمال المنطقة وتهميشها عائدان إلى "عدم تطبيق المعايير الدولية والمحلية المعتمدة في المحاصصة المالية والإدارية، والتي من أهمها الجغرافيا والثروات الطبيعية"، رافضة تركز السلطة في "مناطق الشمال" الذي جعل من خطط التنمية مركزة فيها وحدها.

وفيما أشارت اللجنة إلى بعض المشاكل التي تعاني منها مناطقها، مثل "التلوث البيئي الناتج من استخراج النفط والغاز"، طالب بضرورة "تخصيص نسبة مائوية محددة من عائدات البترول في الدستور توزع على بلديات الجنوب الشرقي"، بل وشددت على ضرورة أن تنقل المؤسسة الوطنية للنفط "شركة زويتينة أو الواحة ليكون مقرها الجنوب الشرقي"، بالإضافة إلى نقل "مقر إدارة النهر الصناعي لیكون بالجنوب الشرقي"، حيث توجد منابع مياه الشرب التي تتزود بها مناطق الشمال في المنطقة. 

وأكثر من ذلك شددت على ضرورة إشراك الإقليم الجديد "في جميع المفاوضات الدولية والمحلية التي من شأنها تقرير مصير الدولة الليبية". 

وليست مطالب قبائل جنوب شرق ليبيا، وأبرزها الزوية والمجابرة والتبو، هي الأولى، فسبق أن أعلنت عدة قبائل وثيقة تأسيس "إقليم فزان"، نهاية أغسطس/ آب الماضي، تضمنت تشديداً على "وجود تمثيل سياسي عاجل لفزان"، واستندت الوثيقة إلى قرارات أممية استقلت ليبيا على أساسها عام 1951، على أسس إقاليم ليبيا الثلاثة. 

وبدأ الحديث عن الأقاليم الليبية التاريخية الثلاثة (برقة وفزان وطرابلس) منذ انتخاب أعضاء اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور، منتصف عام 2014، بواقع عشرين عضواً عن كل إقليم، وقبلها دعت مجموعات قبلية في شرق البلاد إلى اعتماد الفدرالية أساساً للحكم في ليبيا، بل أعلن بعضها تأسيس المكتب السياسي لإقليم برقة، مطلع عام 2013، وإثر فشل تجربة المكتب بقي الحراك الفدرالي يدور في فلك رغبات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، يبرزه حيناً ويخفيه أحياناً، حتى وجد ضالته، أخيراً، في تحركات عقيلة صالح الذي أعلن، في مطلع إبريل/ نيسان الماضي، مبادرة سياسية أكد خلالها أن النظام السياسي القائم على وحدة الإقليم يُعَدّ ضامناً لمصالح سكان الأقاليم الثلاثة.

انكسارات حفتر

وتأتي الخطوة المطالبة باعتماد جنوب شرق البلاد إقليماً رابعاً وسط تشتّت النسيج الاجتماعي القائم في البلاد على توزيع نفوذ القبائل وسيطرتها، التي توجد بين الكثير منها خلافات تاريخية، لكن توترها زاد بنسبة كبيرة بعد انكسار قوات حفتر، جنوب طرابلس، وتراجع سطوته، مقابل بروز شخصيات ذات ثقل قبلي واجتماعي بديلاً منه، مثل شخصية عقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق، الذي لعب هو الآخر على وتر النفوذ القبلي بداية من قبيلة العبيدات التي ينحدر منها، أكبر قبائل شرق ليبيا، وحلفائها القبليين في أقصى الشرق الليبي، كالمنفة والقطعان وغيرهم. 

تأتي الخطوة المطالبة باعتماد جنوب شرق البلاد إقليما رابعا وسط تشتت النسيج الاجتماعي القائم في البلاد على توزيع نفوذ وسيطرة القبائل، التي توجد بين الكثير منها خلافات تاريخية، لكن توترها زاد بنسبة كبيرة بعد انكسار قوات حفتر، جنوب طرابلس، وتراجع سطوته

وبحسب الشيخ فرج الفيتوري، عضو المجلس الأعلى للمصالحة في ليبيا، فإن بروز المطالب الإقليمية في البلاد أخيراً، وبالتوازي مع جهود البحث عن حلول سلمية لأزمة البلاد، جاءت كنتيجة طبيعية لفشل حفتر العسكري، وشعور تلك القبائل بخيانته لحقوقها وتهمشيها مقابل المئات من أبنائها الذين قدمتهم لحروبه. 

واعتبر الفيتوري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الدعوة الجديدة جنوب شرق ليبيا ردة فعل على مساعي حفتر لإخضاع مناطق نفوذه السابقة لسيطرته مجدداً، بل يرى أن إشارة البيان إلى وجود منابع للنفط في أراضي تلك القبائل، وضرورة نقل بعض الإدارات العامة إليها، يعني وجود وضع خطر بالنسبة إلى حفتر قد يفقده ورقة النفط التي تُعَدّ أهم أوراقه الحالية.

وعبّر المتحدث ذاته عن مخاوفه من تزايد الدعوات إلى المطالبة بالحقوق الإقليمية في البلاد، وخصوصاً من الأقليات التي درج الساسة على وصفها بالأقليات الثقافية، التي عبّرت طوال السنوات الماضية عن شعورها بالتهميش وضرورة تمثيلها رسمياً في أي حل سياسي.

ومنذ أولى جلسات ملتقى الحوار السياسي، المناط به تشكيل سلطة سياسية جديدة وموحدة، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كان الحديث عن المجمعات الانتخابية على أساس الإقليم حاضراً بقوة في المداولات بين الأعضاء، ما حدا البعثة الأممية إلى تضمينه كأحد أسس الحل السياسي المقبل، ولفتت في العديد من بيانها إلى أنها سعت إلى تمثيل ليبي بواقع كل "شرائح وفئات المجتمع الليبي". 

وبحسب قراءة الفيتوري، فإن لمصادر النفط وإيراداته دوراً في بروز الحديث عن الأقاليم الليبية وحقوقها، قائلاً إن البعثة الأممية ودولاً إقليمية، منها مصر، تحدثت منذ العام الماضي عن ضرورة "تقسيم الثروة" بالتساوي بين الليبيين، بل في بعض بيانات البعثة الأممية حديث واضح عن الأقاليم الليبية الثلاثة.

المناطقية أساس التحالفات 

وذكر عضو المجلس الأعلى للمصالحة في ليبيا أن "القبائل المطالبة بإقليم رابع في جنوب شرق البلاد الآن كانت هي المسؤولة عن قفل النفط، في يناير/ كانون الثاني الماضي، وهي من استخدمها حفتر ظلاً لقراره هذا قبل أن يدخل في مفاوضات مباشرة مع نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق، انتهى إلى إعلانه في شكل اتفاق في سبتمبر/ أيلول الماضي، فيما عبّر شيخ قبيلة الزوية السنوسي الحليق، إحدى القبائل المسؤولة عن قرار قفل النفط، عن انزعاجه من الاتفاق بين حفتر ومعيتيق، ما يشير إلى قلق لدى تلك الأطياف القبلية من مواقف حفتر منذ ذلك الوقت".

بروز المطالب الإقليمية في البلاد مؤخرا، وبالتوازي مع جهود البحث عن حلول سلمية لأزمة البلاد، جاءت كنتيجة طبيعية لفشل حفتر العسكري، وشعور تلك القبائل بخيانته لحقوقها وتهمشيها مقابل المئات من أبنائها الذين قدمتهم لحروبه 

وكما كانت المناطقية في غرب ليبيا أساساً للتحالفات، كالزنتان ومصراتة وترهونة، مثلت القبائل في شرق وجنوب ووسط ليبيا أساساً لمشروع حفتر العسكري، وكثيراً ما اعتمد على القبائل في بسط سيطرته، منها قبائل المغاربة التي مكنته من السيطرة على مناطق الهلال النفطي، وسط شمال البلاد، التي تقع ضمن نفوذها والزوية والمجابرة التي مكنته من السيطرة على منابع النفط في الحوض الأعلى جنوب الهلال النفطي. 

وتأسست ليبيا إثر استقلالها عام 1951 على وحدة فدرالية بين أقاليم ليبيا الثلاثة، في الغرب والشرق والجنوب، لكنها قررت تعديل دستور الاستقلال عام 1963 لإعلان إلغاء الوحدة الفدرالية. 

وأكد صالح العبدلي، أستاذ علوم الاجتماع في الجامعات الليبية، من جانبه، أهمية المقاربة الاجتماعية للحل في ليبيا، لافتاً إلى أنه "المسار الذي غضت الأمم المتحدة الطرف عنه رغم أهميته المتصلة بالواقع"، لافتاً إلى أن "دول جوار ليبيا كانت تدرك جيداً دوره". 

خطورة الوضع القبلي

وأشار العبدلي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الجزائر أكثر دول الجوار الليبي دعوة للالتفات إلى خطورة الوضع القبلي في البلاد، وطالبت في كثير من المرات باعتماد مسار اجتماعي موازٍ للمسارات الأممية الأخرى، واستعدادها لاحتضان مؤتمر مصالحة قبلي دعت بعض القبائل الليبية إليه". 

وأضاف: "كانت المقاربة القبلية عنواناً لتوتر دبلوماسي بين القاهرة والجزائر عندما هددت القاهرة بتسليح قبائل ليبية في شرق ليبيا الأشهر الماضية، بل استقبلت وفوداً في القاهرة من مشايخ تلك القبائل عندما استشعرت خطر الدعم التركي الذي اقترب وقتها من سرت"، وهو ما عارضته الجزائر بقوة وقتها في تصريح رسمي للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

وفيما تبدو أهمية بعض القبائل من خلال مناطق نفوذها التي تتوافر على مواقع للطاقة والنفط، حذّر العبدلي  من خطر القبائل الأخرى التي تشعر بالتهميش وتضييع حقوقها وسط انتشار واسع للسلاح والمليشيات القبلية، معتبراً أن "مطلب قبائل جنوب شرق البلاد باعتماد إقليم خاص بها يعني بداية ظهور عوامل جديدة قد تعرقل جهود المجتمع الدولي للحل، أن لم يكن فشلاً من أساسه". 

ويتركز النفوذ القبلي في الجنوب والشرق ووسط البلاد، حيث تنقسم برقة، وفق النفوذ القبلي، إلى برقة البيضاء التي تبدأ من غرب بنغازي وحتى مشارف سرت، والسلطة فيها للمغاربة، أبرز قبائلها، بمشاركة قبائل أخرى تمتلك تمثيلاً في مدينة أجدابيا، التي تعد قاعدة الإقليم، مثل الزوية والتبو والمجاربة، رغم تركز الثلاثة الأخيرة في المناطق الواقعة جنوب برقة وصولاً إلى الحدود المصرية السودانية، جنوب شرق البلاد. 

وفي الطرف الآخر، تتوزع القبائل في برقة الحمراء من شرق بنغازي وحتى الحدود الليبية المصرية، وأكبر قبائلها العبيدات الممتدة من شرق البيضاء وحتى طبرق، بمشاركة قبائل أخرى تشاركها النفود، كالبراغثة في بنغازي، والعرفة في المرج، والمسامير والبراعصة في البيضاء، وفق أحلاف تاريخية.

أما في الجنوب الغالب بين قبائلها الثارات التاريخية، وأبرزها التنافس بين التبو والطوارق من جانب، والزوية والتبو من جانب آخر، لكن قبائل أخرى مثل الحساونة والقذاذفة وأولاد سليمان اعتمد عليها حفتر كطرف وسط موال له مكنه من السيطرة على الجنوب دون عناء.

وهذه الخريطة القبلية يرى العبدلي أنها "أحد أهم الأسس لفك الاشتباك الذي لعبت عليه الأطراف السياسية المتصارعة في البلاد"، مؤكداً أن "عوامل المصالحة ستشكل أهم أساس للمضي في أي توافقات سياسية وأمنية في البلاد"، لكنه يحذر من إمكانية أن تكون تلك التوزيعة القبلية لا لتكريس التقسيم في البلاد فقط، بل طريقة للتفتيت إلى أقاليم ومناطق أصغر من التقسيم على أساس الأقاليم التاريخية الثلاثة. 

المساهمون