صراع داخل الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية لسوء تقدير قوة "حماس"

صراع داخل الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية لسوء تقدير قوة "حماس"

05 سبتمبر 2014
قاد نتنياهو ويعالون "الكابينيت" بمفرديهما (غالي تيبون/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

أفردت صحيفة "هآرتس" اليوم الجمعة، صفحة كاملة لتحقيق خاص لمحلّلها للشؤون العسكرية عاموس هرئيل، يتناول مفاجآت العدوان على غزة والحرب بين الاستخبارات العسكرية "أمان" وجهاز الأمن العام "الشاباك".
واتهم كل طرف الآخر، بأنه لم يقرأ حقيقة ما يحدث في قطاع غزة، ولا أدرك مدى قوة حماس الحقيقية على الصمود، ونواياها الأصلية في "شنّ حرب" خلال شهر يوليو/تموز الماضي، واستعدادها لهذا الأمر مسبقاً سعياً لتحريك الأوضاع في قطاع غزة وكسر الحصار أو على الأقل تخفيف شروطه.

وذكر هرئيل أن "الانقلاب العسكري في مصر ساهم في الحرب على حماس باعتبارها امتدادا لحركة الإخوان المسلمين، وفق رواية وتقديرات جهاز الشاباك، بينما ترى شعبة الاستخبارات العسكرية، أن ما حدث كان بفعل التطورات المتسارعة ونتيجة لديناميكية التصعيد الميدانية".

أما النقطة الثالثة وجوهر الخلاف بين الجهازين، فتتعلق بمستوى ونوع المعلومات الخاصة بمشروع الأنفاق الهجومية التي حفرتها "حماس" ومدى الاستعداد لمواجهتها. وفي مقابل الخلاف بين الجهازين، الذي يتّصل على ما يبدو بمحاولة كل طرف منهما إثبات صحة موقفه ونشاطه، في مسعى لرمي الإخفاقات التي شهدها العدوان على الطرف الآخر، يتّفق الجهازان مع ذلك على أن المعلومات التي سلّماها ورفعاها للجيش وللمستوى السياسي كانا على مستوى عال.

ومع أن تقرير "هآرتس" يعيد نشر تفاصيل باتت معروفة في هذا السياق، مثل تشكيل لجنة منذ العام 2013 برئاسة مستشار الأمن القومي السابق يعقوف عامي درور لمعالجة موضوع الأنفاق، إلا أن التقرير يكرّر أيضاً أنه حتى الهجوم الأول الذي نفذته المقاومة عبر نفق مستوطنة "صوفا"، في 17 يوليو/تموز، كان بمثابة أول مؤشر يكشف للوزراء وأعضاء "الكابينيت" (مجلس الوزراء المصغّر) حجم الخطر الكامن في الأنفاق الهجومية (خصوصاً وأن التقديرات تفاوتت حول عدد وحجم هذه الأنفاق بين معلومات "أمان" ومعلومات "الشاباك")، وعلى أثره أقرّت الحكومة إطلاق العمليات البرية لهدم الأنفاق الهجومية، التي تصل حتى مسافة 6 كيلومترات من المستوطنات الإسرائيلية.

ومع الإشارة إلى لجنة عامي درور، والمعلومات المفصّلة التي رفعتها الأجهزة الاستخباراتية إلا أن وزراء الحكومة وفي مقدمتهم وزير الدفاع موشيه يعالون ورئيس أركان الجيش بني غانتس، وقائد المنطقة الجنوبية الجنرال سامي ترجمان، الذين حذروا من خطر الأنفاق، لم ينجحوا في وضع برامج وخطط عملية وميدانية لمواجهتها.

وهو ما تكشّف عند بدء الاحتلال هجومه لهدم الأنفاق، وتبيّن النقص في العتاد والخطط ما اضطر الجيش إلى الاستعانة بخبرات شركات مدنية، وهو ما عُدّ لاحقا خطأ يعالون الذي وعد بالانتهاء من دكّ الأنفاق الهجومية خلال يومين، بينما استغرفت هذه العملية أسبوعين على الأقل.

ويكشف تقرير "هآرتس" نقطة ضعف أخرى تتعلّق بانعدام أو ضعف الاتصال والتواصل بين أجهزة الاستخبارات وبين القيادة السياسية، إذ تبيّن أنه باستثناء يعالون ونتنياهو فإن باقي وزراء "الكابينيت" (وزير المالية يائير لبيد ووزيرة العدل تسيبي ليفين ووزير الصناعة نفتالي بينيت) لا الحكومة ككل، لم يكونوا على علم بالتفاصيل، ولم يعلموا بأمر وجود 30 نفقاً هجومياً إلا في جلسة لـ"الكابينيت" قبل الحرب بيومين فقط.

غير أن أبرز ما ينشره التقرير في هذا السياق، هو أن "الشاباك" سبق وأعدّ مذكرة للجهات السياسية منذ أبريل/نيسان الماضي حذّر فيها على ضوء تشديد الحصار المصري على "حماس" من اعتزام الحركة القيام بعملية واسعة النطاق ضد المستوطنات في العمق الإسرائيلي، وتحديداً قرب "كيرم شالوم" والمستوطنات القريبة منه، وضد جنود الاحتلال، واستغلال ذلك كورقة للتفاوض وتحسين الظرف في قطاع غزة.

وأكدت المذكرة أن "حماس حددّت، على ما يبدو، موعداً لذلك في شهر يوليو/ تموز (مع حلول شهر رمضان)". وكرر "الشاباك" تحذيراته وعزز تقديراته بهذا الخصوص في مطلع مايو/ أيار الماضي، مما حدا برئيس الأركان باتخاذ خطوات مستقلّة، تضمنّت أيضاً تعزيز مراقبة ما يحدث في رفح.

وحدّد رئيس الأركان مطلع يوليو موعداً لضمان جاهزية الجيش للحرب، وتم تأجيل الموعد إلى 15 يوليو، فيما كان الجيش قد أعطى خلال ذلك الأولوية للاستعدادات في الجبهة الجنوبية في القطاع، على ما يحدث على الحدود الشمالية لإسرائيل. علماً أنه قرر في وقت سابق تقليص نطاق التدريبات الميدانية والعملياتية بفعل تقليص ميزانية الجيش ووزارة الدفاع، وهو ما دفع معدّ التقرير إلى التأكيد أنه على الرغم من المعلومات التي توفرت للجيش، إلا أن أعضاء "الكابينيت" ووزراء الحكومة لا يذكرون إطلاقا حصولهم، ولو على تحذير واحد مما هو مرتقب، لا بل أن مع الإعلان في مطلع يونيو/حزيران عن وقف التدريبات العسكرية في الجيش، بسبب نقص الموارد، فإن أيا من ضباط الجيش وقادته لم يشر ولو بكلمة إلى صدام قريب مع "حماس" في قطاع غزة.

ويرى هرئيل أنه "علاوة على ما سبق، فقد حوّل الجيش قوات كبيرة لأعمال التفتيش عند وقوع عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة، لمدة ثلاثة أسابيع بدلاً من الاكتفاء بقوة أصغر". والأهمّ من ذلك أن ضباطاً في الاستخبارات العسكرية، باتوا يعترفون أن حملة الاعتقالات التي شنّها الاحتلال على قادة "حماس" في الضفة الغربية، واعتقال محرري صفقة "شاليط" (وفاء الأحرار) كان من الأسباب التي حفّزت الحركة على الخروج للمواجهة ضد إسرائيل.

ويلفت هرئيل إلى أن "تصريح أحد قادة الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة للصحافيين الإسرائيليين والأجانب في 31 يوليو/تموز الماضي، بأن القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي استعدّت مسبقاً للحرب التي خطّطت لها حماس، هو ما أثار ويثير غضب شعبة الاستخبارات العسكرية أمان، التي ترفض مجرد الاعتراف بمصطلح حرب يوليو، الذي وضعته تقديرات الشاباك الإسرائيلي".

ويكشف أن "استخدام هذا المصطلح أثار وسبّب نقاشاً صاخباً بين رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أفيف كوخافي، وبين رئيس الشاباك يورام كوهين، خلال جلسة للكابينيت الإسرائيلي، خصوصاً بعدما فوجئ وزراء الكابينيت من مجرد وجود المصطلح، وإدراجه لاحقاً في مذكرة رسمية وضعها مستشار الأمن القومي يوسي كوهين.

ويبرز الخلاف بين الجهازين حتى بعد انتهاء العدوان، إذ تصرّ شعبة الاستخبارات على أنه بالرغم من الجاهزية العالية لدى مقاتلي "حماس" وفي صفوفها، إلا أن الحركة لم تكن وضعت خطة استراتيجية أو تملك رغبة استراتيجية في القتال، وأن الحركة على غرار إسرائيل أنجرت للقتال بفعل ديناميكية التصعيد التي سادت في فترة العدوان.

في المقابل، يُصرّ يعالون على تأييد موقف "الشاباك" بأن العملية كانت مخططا لها مسبقاً، وأن "حماس" خططت لهجوم محدود النطاق عبر الأنفاق، للخروج من أزمتها، إلى أن بدأ الطيران الإسرائيلي غاراته، مما أدى إلى تدهور الأوضاع والأحداث باستمرار.

وأبقى هذا التدهور وزراء الحكومة في حالة إرباك وتخبّط، خاصة على ضوء تقديرات وتحليلات شعبة الاستخبارات العسكرية بأن "حماس" غير معنية بالتصعيد، خوفاً من نتائجه، والآن يقول لهم البعض إن "حماس كانت معنية بالتصعيد من دون توضيح السبب.

ويخلص هرئيل إلى القول إن "ما يحدث الآن هو عملياً إعادة هندسة للتحليلات، لتُلائم نتائج العدوان وتبرير القصور لدى كل طرف. فـ"الشاباك" يشكّ بأن شعبة الاستخبارات تقوم بتعديل تقديراتها، للتقليل من شأن قصورها في إدراك حجم استعدادات "حماس"، بينما تتهم شعبة الاستخبارات "أمان" "الشاباك" بتعديل تقديراته لتضخيم حجم النجاحات التي ينسبها لنفسه.

ويتكرّر هذا الأمر أيضاً في مسألة عدم نجاح الجهازين بالتنبؤ بمدى قدرة الحركة على الصمود، خصوصاً أنها صمدت أكثر من "حزب الله" في الحرب الثانية على لبنان. وفي هذ السياق تدّعي "أمان" أن تقديراتها بأن "حماس" ستقبل عاجلاً بشروط وقف إطلاق النار، كانت تذيّل دائماً بجملة "نحفظ بأن الأمر متعلق بالشروط المعقولة من وجهة نظر حماس". وفيما يتعلق بشبكة الأنفاق ودور قائد "القسّام" محمد ضيفن ودور كل من إسماعيل هنية وخالد مشعل، بناء على موقف وخطة مسبقة، وأنه كان هناك تنسيق مسبق بين الثلاثة، وفق منطق "الشاباك"، بينما ترى "أمان" أن ما حدث كان نتيجة للتطورات الميدانية وأن مشعل وهنية مثلاً لم يرغبا بمواجهة كبيرة، بل أرادا وسعيا لمواجهة محدودة.

ويستخلص الكاتب من هذا النقاش والخلافات الجوهرية في تحليل الأحداث في الضفة والقطاع، الخاضعتين لسلطة وقدرات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، أنه لا بد من طرح تساؤلات عن قوة وقدرات هذه الأجهزة عندما يتعلق الأمر بقدرتها على فهم وإدراك حقيقة عمليات شائكة ومعقّدة تقع على مسافة مئات الأميال بدءاً بالمشروع الإيراني وانتهاءً بهجمات تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق.

المساهمون