في مؤشر على عسكرة الأزمة الراهنة بين الكرملين والغرب، لوّح نائب رئيس مجلس الأمن الروسي الرئيس الروسي السابق دميتري مدفيديف، اليوم السبت، بإمكانية انسحاب بلاده من معاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية "ستارت-3" وقطع العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن وإعادة تفعيل عقوبة الإعدام، رداً على العقوبات الغربية الجديدة على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا، التي طاولت هذه المرة أعلى القيادات السياسية والعسكرية في البلاد، بمن فيهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكتب مدفيديف، في منشور مطول على حسابيه على شبكتي "فيسبوك" و"فكونتاكتي" الروسية للتواصل الاجتماعي: "قد تشكل العقوبات ذريعة رائعة لإعادة النظر النهائية في العلاقات مع الدول التي فرضتها، بما في ذلك قطع حوار الاستقرار الاستراتيجي. من حيث المبدأ، يمكن التخلي عن كل شيء، بما في ذلك معاهدة "ستارت-3" التي أبرمتُها مع (الرئيس الأميركي الأسبق) باراك أوباما ومددها فلاديمير بوتين مع الرئيس الأميركي الحالي (جو بايدن). لماذا نحتاج إليها في مثل هذه الظروف، خاصة أنه وقّعتها شخصيتان خاضعتان للعقوبات؟".
وبعد أيام معدودة على تنصيب بايدن مطلع العام الماضي، تمكنت موسكو وواشنطن من تمديد معاهدة "ستارت-3" التي كانت ستواجه مصيراً مجهولاً في حال إعادة انتخاب الرئيس السابق دونالد ترامب، في ضوء انسحابه من اتفاقات دولية اعتبرها مكبّلة لواشنطن، مثل الاتفاق النووي الإيراني، واتفاق باريس للمناخ، ومعاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، وغيرها.
إلى ذلك، هدد مدفيديف بإمكانية قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، مضيفاً: "من حيث المبدأ، لا نحتاج إلى علاقات دبلوماسية كثيراً. حان وقت لإغلاق السفارات بأقفال الحظيرة. ويمكن مواصلة الاتصالات عن طريق النظر إلى البعض عبر المناظير وبصريات السلاح".
وألمح المسؤول الروسي إلى إعادة تفعيل عقوبة الإعدام في روسيا على خلفية تعليق عضوية موسكو في مجلس أوروبا وجمعيته البرلمانية، كاتباً: "هذه فرصة جيدة لاستعادة عدد من المؤسسات الهامة لمنع الجرائم بالغة الخطورة في البلاد، مثل عقوبة الإعدام بحق أخطر المجرمين"، مستشهداً بتجربتي الولايات المتحدة والصين في تطبيق عقوبة الإعدام.
وكان الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسين قد علّق، في عام 1996، تطبيق عقوبة الإعدام، وهو قرار أكدته المحكمة الدستورية في عام 2009. وعلى الرغم من توقف روسيا عن إصدار أحكام الإعدام وتنفيذها، إلا أنها لم تُستبعَد من القانون الجنائي، ما يترك ثغرة قانونية لإعادة تفعيلها.
كل ما تنبغي معرفته عن معاهدة "ستارت-3"
وتُعّد معاهدة "ستارت-3" امتداداً لمعاهدة الحدّ من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية "ستارت 1" الموقعة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في عام 1991 في موسكو، وتضمنت أكبر خفض ثنائي للأسلحة النووية في التاريخ، بعد عشر سنوات من المحادثات المتقطعة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في السنوات الأخيرة من الحرب الباردة (1947 ـ 1991).
ووقّع "ستارت-3"، أو "نيو ستارت"، ميدفيديف وأوباما في 8 إبريل/ نيسان 2010 في العاصمة التشيكية براغ. واسمها الرسمي "المعاهدة المبرمة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الروسي بشأن تدابير زيادة خفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها: نيو ستارت".
وتشكل الحجر الأساس في اتفاقات التوازن الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا، وهي آخر اتفاق تمكن الجانبان من الاتفاق على تمديده بعد انسحابهما عام 2019 من معاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، وانسحاب واشنطن من اتفاقية "الأجواء المفتوحة" للمراقبة.
ونصّت "ستارت-3" على تقليص عدد الرؤوس الحربية النووية لدى كل من روسيا والولايات المتحدة إلى 1550، والصواريخ البالستية العابرة للقارات، والصواريخ البالستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة إلى 700 قطعة، وعدد منصات الإطلاق والقاذفات الثقيلة إلى 800 قطعة، وذلك خلال سبع سنوات بعد دخول المعاهدة حيّز التنفيذ.
إلا أن المعاهدة واجهت مصيرا مجهولا في عهد ترامب، بسبب إصرار إدارته على إشراك الصين في المفاوضات وانضمامها إلى المعاهدة، وسط عمل الرئيس الأميركي السابق على تحسين العلاقات مع موسكو ومناهضته الصين التي رأى فيها تهديدا وجوديا.