دبلوماسية الموت

13 سبتمبر 2023
مساعدات جزائرية للمغرب، أول من أمس (فاضل عبد الرحيم/الأناضول)
+ الخط -

في يوليو/ تموز 1999 نزلت طائرة الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة في الرباط، لحضور جنازة الملك الحسن الثاني. لا أحد كان ينتظر حدوث ذلك، بحكم التوتر الكبير الذي كان يسود العلاقات بين البلدين، بسبب الحدود المغلقة، وقضية الاتهامات المغربية للجزائر بتفجير مراكش وإسناد الجماعات المسلحة.

لكن الموت كانت له أحكامه الأخلاقية التي فرضت كسر هذا الجمود الحاصل في العلاقة بين البلدين، ومكّن "لدبلوماسية الجنائز" أن تسهم بقدر يسير في فتح منفذ لتواصل سياسي بين البلدين، أتت ثمارها عندما قبل الملك محمد السادس المشاركة في القمة العربية في الجزائر في عام 2005، وصولاً إلى تفاهمات فبراير/ شباط 2013 التي كان يمكن، لو تم الالتزام بها، أن تنجز تحولاً مهماً في العلاقة بين الجزائر والمغرب.

وحين شبّت الحرائق في منطقة شرقي الجزائر الصيف الحالي، عرض المغرب إرسال طائرات إطفاء للمساعدة في السيطرة عليها، لكن تم تجاهل "اليد الممدودة" من المغرب، على الرغم من أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بنفسه تحدث يومها عن أنه تم "الاتصال بكل الدول الأوروبية الصديقة من أجل اقتناء وسائل إطفاء النار، ومع ذلك ولا دولة استجابت لنا. وصلتنا طائرتان فرنسيتان وطائرتان إسبانيتان وطائرة سويسرية".

وحين ضرب الزلزال الأخير في المغرب، كان لا بد في الجزائر من وقفة ووضع الخلافات جانباً، ومد يد العون للأشقاء في محنة أليمة، بغض النظر عن أية اعتبارات سياسية أو حسابات قد تفهم في غير سياقها.

وسواء وصلت المساعدات الجزائرية إلى المغرب أم لم تصل، تمثل المحنة دائماً فرصة قائمة، على الأقل، للتهدئة وخفض التوتر، والانتباه بشدة إلى مشكلات عميقة.

دائماً ما كان الملك المغربي محمد السادس يعلن عن "يد ممدودة" للجزائر، واليوم أكثر من أي وقت يصبح هذا الخطاب محل اختبار ما إذا كان نابعاً فعلاً عن قناعة سياسية قائمة أم لا؟ تبقى المسؤولية السياسية في استغلال الفرص للتقارب بين البلدين تضيع كل مرة بسبب موقف أو سوء تقدير من أحد الطرفين.

خلال القمة العربية في الجزائر، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، علقت آمال كبيرة على إمكانية أن يحضر الملك المغربي القمة. لقد كانت تلك أيضاً فرصة ضائعة لبدء تسوية الخلافات، عبّر عنها وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة، قائلاً: "لقد كانت هناك فرصة لدفع العمل المغاربي وتنقية الأجواء، ولم يُستفَد من تلك الفرصة التي كانت قائمة". 

ليس الموقف الحالي، بكل مرارته السياسية والشعبية، محل تحميل المسؤولية لطرف على طرف، لكن فعلياً، تضيّع الجزائر والمغرب في كل مرة فرصة ممكنة، ليس لحل كل الخلافات التي تحتاج إلى مسافة طويلة من النقاش وحزمة من التفاهمات والتنازلات المتبادلة، لكن على الأقل لتلمس الكتف والاستدارة وجهاً لوجه، بدلاً من ظهر إلى ظهر.

المساهمون