خيبة روسية من بايدن: استقرار استراتيجي بلا تطبيع

خيبة روسية من بايدن: استقرار استراتيجي بلا تطبيع

20 يناير 2022
يلتقي لافروف وبلينكن غداً في جنيف لبحث الملف الأوكراني (الأناضول)
+ الخط -

مرت العلاقات الروسية الأميركية خلال العام الأول من رئاسة جو بايدن، بمراحل مد وجزر، فبينما نجحت في تعزيز الاستقرار الاستراتيجي والرقابة على الأسلحة، لم يصل البلدان لتحقيق تطبيع شامل للعلاقات أو إلى ضمانات أمنية طويلة الأجل، قبل أن تنفجر الأزمة حول أوكرانيا في ربيع العام الماضي.

وبعد أيام معدودة على تنصيب بايدن رئيساً قبل عام من اليوم، تمكنت موسكو وواشنطن من تمديد معاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية (ستارت-3) التي كانت ستواجه مصيراً مجهولاً في حال إعادة انتخاب الرئيس السابق دونالد ترامب، على ضوء انسحابه من اتفاقات دولية اعتبرها مكبّلة لواشنطن، مثل الاتفاق النووي الإيراني، واتفاق باريس للمناخ، ومعاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، وغيرها.

التوتر على حدود أوكرانيا

ولكن العلاقات الروسية الأميركية دخلت منعطفاً خطيراً في ربيع العام الماضي، بعد تزايد حدة التوتر على الحدود بين روسيا وأوكرانيا، وخروج بايدن عن المألوف عند قوله في مقابلة تلفزيونية إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، "قاتل".

وهو ما أدى إلى مغادرة السفيرين الروسي والأميركي من واشنطن وموسكو، وسط تشديد العقوبات المفروضة على روسيا.

إلا أن قمة بوتين وبايدن التي انعقدت في فيلا "لا غرانج" التاريخية في جنيف، منتصف يونيو/حزيران الماضي، أسفرت عن انفراجة في عدد من الملفات مثل عودة السفيرين، وبدء حوار الاستقرار الاستراتيجي، ومنع الهجمات الإلكترونية، وغيرها.

تبع ذلك اتصال هاتفي مطوّل بين الرئيسين دام لخمسين دقيقة، أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، تركز على مناقشة التوتر العسكري المرتبط بأوكرانيا، مع حديث الكرملين عن ارتياحه بشكل عام للمحادثات.

ومن مؤشرات جدية موسكو في التعاون مع واشنطن في مجال الأمن المعلوماتي، توقيف 14 عنصراً في مجموعة الهاكرز الروس "ريفيل" نهاية الأسبوع الماضي، بطلب أميركي، للاشتباه بضلوعهم في الهجمات على مواقع البنية التحتية الحيوية الأميركية وعدد من الشركات العالمية.


تشعر روسيا بخيبة أمل بعد فشل ثلاث جولات من المحادثات الروسية الغربية

مع ذلك، تشعر روسيا بخيبة أمل في نهاية العام الأول من رئاسة بايدن بعد فشل ثلاث جولات من المحادثات الروسية الغربية في جنيف وبروكسل وفيينا في الأسبوع الماضي.

كما إزاء رفض الكتلة الغربية أو "الغرب الجماعي" كما يسميه الخطاب الإعلامي والرسمي الروسي، منح موسكو ضمانات بعدم توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً وعدم قبول أوكرانيا وجورجيا في عضوية الحلف.

كذلك تطالب موسكو الأميركيين وحلفاءهم بالتخلي عن المناورات العسكرية والانتشار العسكري في أوروبا الشرقية، وهي مطالب وصفها الغرب بأنها غير مقبولة.

في المقابل، تحوّل الملف الأوكراني إلى النقطة الأبرز التي تشغل الغرب حالياً مع إطلاق تحذيرات من هجوم روسي على أوكرانيا، وتلويح أميركي بأن كل الخيارات مطروحة للرد على أي غزو من موسكو، وبعواقب وخيمة لهذا التحرك.

ومع ترقب لقاء وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره الروسي سيرغي لافروف غداً الجمعة في جنيف على أمل تأمين "مخرج دبلوماسي" للأزمة الأوكرانية، يثير نشر نحو مائة ألف جندي روسي على حدود أوكرانيا، وفق الإعلان الغربي، مخاوف أميركية وأوروبية، وسط مطالبات ببدء سحب هؤلاء الجنود، وهو ما ترفضه موسكو حتى اليوم.

كذلك أعربت واشنطن عن قلقها من التحركات الروسية في بيلاروسيا، بعد وصول قوات روسية إلى هناك لإجراء تدريبات على الاستعداد القتالي.

وأعربت وزارة الدفاع الأميركية عن خشيتها من احتمال أن يصبح تواجد القوات الروسية في بيلاروسيا دائماً، وبالتالي يمهد لنشر أسلحة نووية روسية في هذا البلد المتاخم لأوكرانيا وبولندا. وإضافة إلى ذلك تشمل المطالب الغربية والأميركية من روسيا، اتفاقات للحد من التسلح ونزع السلاح وعدم الانتشار النووي.

إنجاز وحيد للعلاقات الروسية الأميركية

واعتبر أستاذ العلوم السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، أن تمديد معاهدة "ستارت-3" هو الإنجاز الهام الوحيد للعلاقات الروسية الأميركية في العام الأول من رئاسة بايدن، معتبراً أن الوضع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة يمنعها من تحسين العلاقات مع روسيا على غرار ما كان الوضع عليه في عهد ترامب.

وقال كوكتيش في حديث مع "العربي الجديد": "صحيح أنه تم تمديد "ستارت-3"، ولكن بايدن أصبح رهينة للكونغرس الأميركي بدرجة أعلى حتى من ترامب. إذا سلك بايدن طريق تطبيع العلاقات مع روسيا، فسيتم إعلانه خائناً".


تمديد معاهدة "ستارت-3" هو الإنجاز الهام الوحيد للعلاقات الروسية الأميركية

وحول رؤيته لأسباب فشل الاجتماعات الروسية الغربية الأخيرة، رأى أن "المشكلة تكمن في انعدام موقف غربي تفاوضي دولي واضح، فلا يمكن بناؤه على أساس الوثائق الداخلية مثلما يستند الناتو إلى ميثاقه، ما يعني أن نتائج المفاوضات كانت محسومة سلفاً".

وأضاف "تشبه السياسات الغربية تجاه روسيا وضع سيارة ذات عجلة قيادة مثبتة لا يمكنها السير إلا في الاتجاه نفسه إلى الأمام".

وشهد الأسبوع الماضي ثلاث جولات من المحادثات الروسية والغربية، أولها المفاوضات الروسية الأميركية في جنيف، وتلاها أول اجتماع لـ"مجلس روسيا - الناتو" في بروكسل منذ عامين ونصف العام، وآخر بين روسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في فيينا.

لكن تلك الاجتماعات لم تسفر عن حصول موسكو على الضمانات الأمنية التي طالبت بها في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي.

من جهته، اعتبر مدير عام المجلس الروسي للشؤون الدولية، أندريه كورتونوف، أنه إذا كان التهديد الرئيسي من وجهة نظر موسكو هو اقتراب البنية التحتية العسكرية لحلف الأطلسي من الحدود الغربية لروسيا، كان من المنطقي التركيز على هذه البنية التحتية، لا على الإمكانية النظرية لتوسع الناتو في حد ذاتها.

وفي مقال بعنوان "من العلاج بالصدمة إلى الإقامة السريرية. ماذا نفعل بعد مفاوضات روسيا والناتو؟" نُشر في موقع مركز "كارنيغي" في موسكو يوم الإثنين الماضي، لفت كورتونوف إلى أن رفض "الغرب الجماعي" تنفيذ المطالب الروسية بإغلاق باب الحلف أمام الدول الجديدة في أوروبا الشرقية، وإعادة البنية التحتية العسكرية إلى مواقعها في نهاية القرن الماضي، مرتبط بالعديد من العقبات ذات طابع استراتيجي وسياسي وقانوني وأيديولوجي وحتى نفسي.

ورأى كورتونوف أن مناقشة مثل هذه المطالب في الإطار العملي ستكون مقبولة بعد نزاع مسلح كبير ما في أوروبا انتهى بهزيمة ساحقة لكتلة الناتو، مضيفاً أن "الغرب لا يزال يعتبر نفسه منتصراً وليس خاسراً في العلاقات مع موسكو".

وخلص إلى أن "الفشل الأخير للناتو في أفغانستان وتزايد حدة المواجهة بين الغرب والصين، لا يعنيان أن الولايات المتحدة وحلفاءها مستعدون لمناقشة شروط الاستسلام في أوروبا".