حكومة "طالبان"... تطبيع الأوضاع الداخلية وبحث عن اعتراف دولي

14 اغسطس 2022
شغل جميع مناصب الحكومة قيادات في "طالبان" (وكيل كوسار/فرانس برس)
+ الخط -

خلال مباحثات الدوحة التي سبقت الانسحاب الأميركي من أفغانستان، كانت حركة "طالبان" تؤكد أنها جاهزة لتسيير أمور البلاد، كما كانت تشدد على أن الحكومة الشاملة لجميع الأطياف السياسية والعرقية هي الحل لمستقبل البلاد، وستلتزم بذلك عندما تصل إلى الحكم، من خلال المفاوضات أو عبر القوة.

في المقابل، كان معارضو الحركة يقولون إنها غير قادرة على إدارة البلاد، وبمجرد دخولها المدن وابتعاد مسلحيها عن الحرب، سوف تتوزع إلى فرق وأحزاب، لأن الحرب ضد الأميركيين والحكومة الأفغانية هي التي وحّدت صفوف الحركة، مشددين على أن "طالبان" ستحكم البلاد كما فعلت خلال تسعينيات القرن الماضي، وأن أفغانستان سوف تعود إلى الوراء كثيراً.

حكومة "طالبان" تنجح في تسيير أمور أفغانستان

اليوم، وبعد عام في الحكم، نجحت حكومة "طالبان" في الحفاظ على وحدتها، كما في تسيير أمور البلاد، ولو في ظل وجود ثغرات كثيرة، غير أنها لا تزال تبحث عن اعتراف دولي لا يبدو قريباً.


نجحت حكومة "طالبان" في تسيير أمور البلاد ولو في ظل وجود ثغرات كثيرة

واستطاعت الحركة الحفاظ على تماسكها تحت حكم الملا هيبت الله أخوند زاده، على الرغم من الأنباء الكثيرة عن صراعات داخلية، أبرزها أن هناك صراعاً بين القندهاريين وبين شبكة حقاني، وحتى الحديث عن وقوع اشتباكات عنيفة بين القندهاريين وبين شبكة حقاني داخل القصر الرئاسي في 16 سبتمبر/أيلول الماضي، بعد أن تخاصم أنصار نائب رئيس الوزراء الملا عبد الغني برادر، وهو من القندهاريين، مع أنصار حاجي خليل، عم سراج الدين حقاني رئيس شبكة حقاني، ما أدى إلى إصابة الملا برادر. إلا أن كل تلك الأخبار بقيت في سياق الأقاويل المتداولة.

ويقول الخبير السياسي المقرب من "طالبان"، المفتي محمد عثمان، لـ"العربي الجديد"، إن شبكة حقاني كانت موجودة في السابق، وهي انضمت إلى "طالبان"، لكن الآن لم تعد تلك الشبكة كياناً مستقلاً، بل باتت جزءا من الحركة. ويشير إلى أن النظام داخل الحركة أساسه الطاعة، وقد يكون هناك اختلاف في الآراء، ولكن في النهاية قرار الحركة وزعيمها ينفِذه الجميع، ويُنفَذ على الجميع.

اغتيال الظواهري

كما جاء حدث اغتيال زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري، في غارة أميركية في 31 يوليو/تموز الماضي في كابول، ليزيد الحديث عن إمكان تسببه في خلافات داخل الحركة، خصوصاً مع التساؤلات عن كيفية دخول الظواهري إلى العاصمة الأفغانية، وإمكان أن تكون شبكة حقاني هي من سمحت له بذلك.

لكن الحركة لم تتأخر عن نفي علمها بوجود الظواهري في كابول، مكررة وعدها بأن الأراضي الأفغانية لن تُستخدم ضد أي دولة.

وكانت علاقة "طالبان" بالتنظيمات الإرهابية، من أبرز القضايا التي تهم العالم في ظل حكم الحركة، خصوصاً مع تعهّد الأخيرة في اتفاق الدوحة، الذي وقّعته الحركة مع واشنطن في 29 فبراير/شباط 2020، بقطع علاقاتها مع جميع هذه التنظيمات.

ومع أن الولايات المتحدة لم تستخدم نبرة حادة في حق "طالبان" بعد مقتل الظواهري، إلا أن قضية وجوده في كابول ستخلق مزيداً من العقبات في وجه انتزاع الاعتراف الدولي بحكومة "طالبان".

حاجة "طالبان" لاعتراف دولي

في هذا الشأن، يقول المحلل السياسي والأكاديمي محمد عارف عطائي، لـ"العربي الجديد"، إن الحركة، وعلى الرغم من تماسكها الداخلي، فهي بحاجة إلى اعتراف دولي، ومن أجل ذلك عليها أن تظهر الكثير من المرونة في علاقاتها مع العالم، خصوصاً في الملفات التي يهتم بها العالم، وإلا فإن أفغانستان التي خرجت من أتون الحرب ستدخل في أتون الفقر والعوز إلى مدى بعيد.

محمد عارف عطائي: على الحركة إظهار الكثير من المرونة في علاقاتها مع العالم

وفي الشؤون الداخلية، وعلى الرغم من أن حكومة "طالبان" نجحت إلى حد ما في تسيير أمور البلاد، غير أنها لم تتمكن من حل الكثير من المشاكل وتلبية تطلعات الشعب الأفغاني.

وبعد سيطرتها على كابول في أغسطس/آب 2021، استغرقت الحركة أسابيع حتى أعلنت عن حكومة لتصريف الأعمال في 7 سبتمبر 2021 برئاسة الملا حسن أخوند. وشغل جميع مناصب الحكومة قيادات في الحركة، ومعظمهم علماء دين وخريجو المدارس الدينية (معظمهم من المدارس الباكستانية).

وواجهت الحركة انتقادات شديدة من قبل الساسة وعامة الناس، خصوصاً أنها كانت قد وعدت بتشكيل حكومة شاملة لجميع الأطياف والأحزاب السياسية، لكنها فسرت ذلك لاحقاً بأن القياديين فيها الذين يشغلون المناصب في الحكومة ينتمون لشتى بقاع وعرقيات أفغانستان، وذلك هو معنى الشمول لديها، الأمر الذي لم يتفق معه حتى الآن المجتمع الدولي ولا شرائح أفغانستان المختلفة.

بدأت حكومة "طالبان" أعمالها في الثلث الأول من سبتمبر 2021 برئاسة الملا حسن أخوند، وهو القيادي البارز ومن مؤسسي "طالبان".

ومع الانتقادات الشديدة الموجهة إليها، وعلى الرغم من خلوها من الكوادر العلمية إلا أن الحكومة استطاعت تسيير شؤون البلاد الرئيسية. وباتت جميع الوزارات، باستثناء الشؤون النسائية والبرلمانية، تقوم بأعمالها، على الرغم من عدم وجود عدد كافٍ من المختصين (إما هربوا من البلاد، أو أقيلوا من قبل الحركة)، وشح في الإمكانيات والمعدات اللوجستية.

وعن ذلك، يقول الأكاديمي الأفغاني لطف الله حفيظ، لـ"العربي الجديد"، إن "طالبان دخلت كابول من دون حرب، وكانت مؤسسات الدولة موجودة، والمعدات كانت موجودة بشكل كامل، والقوانين عمل عليها الرئيس الأفغاني (السابق) أشرف غني إلى حد كبير. وبالتالي لم تواجه الحركة عناء كبيراً في تسيير أمور البلاد".

ويضيف "كانت هناك عقبات وعراقيل، وبعضها بطبيعة الحال نتيجة التحول الكبير، إذ ذهبت الحكومة وسيطرت طالبان، وبعضها بسبب سياسات الحركة، كونها لم تكن لديها خبرة كافية، وكون معظم المسؤولين في الحكومة الحالية جاؤوا من الحرب. لكن في المجمل، نجحت الحركة في تسيير أمور البلاد، والسيطرة على جميع ربوع أفغانستان".

تمكنت الحركة من خلال اللجنة الاقتصادية من فتح المعابر التجارية مع جميع الدول

وبخلاف ما كان يتوقعه الساسة السابقون الموجودون في البلاد، مثل الرئيس الأفغاني الأسبق حامد كرزاي، ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة عبد الله عبد الله، ورئيس مجلس الشيوخ فضل الهادي مسلم يار، ومستشار الرئيس الأفغاني السابق ضياء الحق أمر خيل، وغيرهم، لم تهتم حكومة "طالبان" بأولئك الساسة، وحتى لم تتم دعوتهم للمشاركة في اجتماع علماء الدين والزعامة القبلية الذي عقد في كابول بين 29 يونيو/حزيران و2 يوليو/تموز الماضيين.

وتوقّع الأفغان أن يتم طرح قضايا مهمة في الاجتماع التقليدي، مثل تعليم الفتيات، وعمل النساء في الحكومة، وقضية العلم والنشيد الرسمي، ولكن كل ذلك لم يحصل، واقتصر الاجتماع على إعلان تأييده لـ"طالبان" ومبايعته لزعيمها، وذلك في ظل غياب النساء ووسائل الإعلام والمجتمع المدني.

يقول المحلل السياسي وأحد الوجوه القبلية والدينية المشهورة في أفغانستان سيد إسحاق كيلاني، لـ"العربي الجديد": "نحن بحاجة إلى لحمة وطنية، ولكن لا يوجد أي نشاط للأحزاب السياسية في أفغانستان، والمشكلة عدم وجود قانون بهذا الخصوص. كما يجب على طالبان ألا تكون عقبة في وجه الساسة السابقين في خدمة البلاد".

الإبقاء على قنوات حوار مع العالم

على صعيد السياسة الخارجية، استطاعت حكومة "طالبان" أن تبقي قنوات الحوار مفتوحة مع دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة، لكنها لم تتمكن من انتزاع الاعتراف من أي دولة حتى الآن، ولا إقناع واشنطن برفع التجميد عن الأصول الأفغانية، وهو الشيء الأهم، فلتجميد الأصول الأفغانية تأثيرات سلبية كبيرة على حياة المواطن العادي والقطاع التجاري.

أما علاقات "طالبان" مع الجيران، فهي كانت شبه طبيعية طوال العام، وتعززت مع البعض مثل إيران والصين وروسيا ودول آسيا الوسطى، لكن علاقاتها مع باكستان شهدت حالة من المد والجزر، وذلك بسبب وجود "طالبان" الباكستانية.

وكان لكابول دور كبير في إحضار "طالبان" الباكستانية إلى طاولة الحوار مع الحكومة الباكستانية. لكن المفاوضات لم تصل إلى نتيجة، ومن هنا طلبت إسلام أباد من كابول العمل العسكري ضد معارضيها المسلحين، وهو ما رفضته "طالبان" أفغانستان، معتبرة ذلك شأناً داخلياً، ما أثار حفيظة صناع القرار في باكستان، خصوصاً المؤسسة العسكرية.

يقول الزعيم القبلي الأفغاني حاجي عبد الصمد، من سكان ولاية خوست المجاورة لمقاطعة وزيرستان الباكستانية، لـ"العربي الجديد" إن على باكستان أن تدرك حساسية الموقف، وألا تدخل نفسها في صراع مع "طالبان" الأفغانية بسبب "طالبان" الباكستانية، وإلا فإن المنطقة قد تحترق، وباكستان ستكون الخاسر الأكبر. كما أن "طالبان" بحاجة إلى دعم باكستان في الوقت الراهن"، معتبراً أن حركة "طالبان" الباكستانية ظاهرة خطيرة وحساسة لكل من كابول وإسلام أباد.

"طالبان" تصرف رواتب موظفي الدولة

ونجحت حكومة "طالبان" أيضاً، في 17 ديسمبر الماضي، في إعلان ميزانية هذا العام من دون الاعتماد على الدعم الأجنبي. وبهذا، تمكنت الحركة من صرف رواتب جميع موظفي الدولة، حتى لمن بقوا بلا رواتب لأشهر، قبل سيطرة "طالبان" وخلال حكم غني.

كما تمكنت الحركة من خلال اللجنة الاقتصادية، التي يرأسها رئيس المكتب السياسي السابق نائب رئيس الوزراء الملا عبد الغني برادر من فتح المعابر التجارية مع جميع الدول، خصوصاً باكستان وإيران ودول آسيا الوسطى، بل ازدهرت تلك التجارة في ظل القضاء على الفساد على المعابر.

في هذا الشأن، يقول رئيس غرفة التجارة والاستثمار الأفغانية حاجي محمد يونس مهمند، لـ"العربي الجديد"، إن ثمة آثارا سلبية كبيرة لتجميد الأصول الأفغانية على كافة القطاعات، خصوصاً قطاع التجارة والاستثمار، ولكن أيضاً هناك تحسّن كبير خلال هذا العام. ويعتبر أن "حكومة طالبان تعمل بجد، ولا فساد فيها، وهذا سيدفع الحالة الاقتصادية في البلاد إلى الأمام وبسرعة فائقة، خصوصاً إذا ما أفرجت الولايات المتحدة عن الأصول الأفغانية".