حظ التونسيين مع رؤسائهم

حظ التونسيين مع رؤسائهم

11 أكتوبر 2021
يتصاعد الغضب الشعبي ضد سعيّد (ناصر طلال/الأناضول)
+ الخط -

يصف الرئيس التونسي قيس سعيّد معارضيه بكل النعوت الكريهة، بأنهم حشرات ومنافقون ومتآمرون وخونة، يتآمرون على بلادهم في الخارج ويجتمعون تحت جنح الظلام في الداخل في الغرف المظلمة. فيما مؤيدوه متطوعون لتأييده بلا مقابل، أما تظاهرات معارضيه فتوزع الأموال لإقناع الناس بالمشاركة فيها.
ينسى سعيّد أنه يوجّه شتائمه إلى جزء كبير من ناخبيه، وفيهم شخصيات تطوعت فعلاً للقيام بحملة تأييد صادقة ومن دون مقابل أثناء السباق الانتخابي، ولكن الأهم هو أن الرئيس تناسى أنه عندما يوجّه سيل الشتائم فإنما يوجهها إلى شعبه، لأنه أحب أم أنكر، رئيس لكل الناس، من معه ومن ضده، يدين لهم بواجب التقديس وليس مجرد الاحترام، لأن الشعوب مقدسة، وهي التي تمنح السلطة والشرعية والحق، وتنزعها وقتما تشاء.

يمعن سعيّد يوماً بعد يوم في لعبة التقسيم والتخوين، ظاناً أنه قد يغنم منها شيئاً، ولكنها ستقوده بالضرورة إلى الخسارة الكبرى مثل سابقيه، وبعد أن علّق جزء كبير من التونسيين آمالهم عليه في الانتخابات يكتشفون اليوم بمرارة جديدة أنهم كانوا مخطئين، وهي ذات المرارة التي ذاقوها مع كل الخيبات الانتخابية الماضية على مدى السنوات الأخيرة.

لم يكن حظ التونسيين أفضل مع من سبق، ولا كان سعيّد مختلفاً عن الرؤساء الذين تولوا أمر هذه البلاد، كلهم لعبوا على وتر تقسيم التونسيين وكلهم خسروا، الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي والمنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي وسعيّد، كلهم حاولوا تقسيم التونسيين بشكل من الأشكال وتأليب جزء منهم على الآخر، وكأن قدَرَ التونسيين أن يعانوا من رؤسائهم ومسؤوليهم. أما سعيد فضيّع على نفسه وعلى البلاد فرصة كبيرة بحجم الآمال التي علّقها عليه ناخبوه وكان يمكن أن يقدّم خدمة لهذا البلد، ولكنه للأسف آثر أن يدفع بالجميع إلى مغامرة شخصية ستقود حتماً إلى كارثة، خصوصاً مع المؤشرات الاقتصادية التي تؤكد كلها أن تونس مقبلة على أيام صعبة للغاية، بينما هو يسخر من مؤسسات الترقيم الاقتصادية الدولية ولا يعبأ بها. هذا يدل على مشكلة تتعلق بالنضج السياسي والاقتصادي وعدم الإحساس بحجم الكارثة التي تسير إليها تونس بخطى ثابتة، إلا إذا كانت لديه وعود بالإنقاذ من خزائن مناصريه الذين شجعوه على هذا المسار، فتلك مسألة أخرى، ولكنها لن تحل المشكلة أيضاً إلا بشكل مؤقت، لأن أي بلد وأي حاكم لن ينجح إلا بشعب متماسك ومتضامن، أما التقسيم فلا يقود إلا إلى الخراب.