تبارى الليلة الماضية المرشحون الجمهوريون الخمسة المتبقون في الساحة، في ثالث مناظرة لم تختلف عن سابقاتها في تقديم منافس يزاحم دونالد ترامب على الفوز بالترشح، رغم غياب الرئيس السابق للمرة الثالثة عن هذا التمرين الذي يشكل جزءا من عملية الانتخاب من دون أن يؤثر ذلك حتى الآن على رصيده بشكل ملحوظ، في صفوف الجمهوريين المحافظين.
وشهد أداء المرشحين تقدمًا أفضل نسبياً، رغم وقوع بعض الملاسنات خاصة بين السفيرة السابقة نيكي هيلي واثنين من منافسيها، التي كانت الألمع في طرح ومقاربة القضايا المحلية وبصورة متميزة.
وكان لافتًا وجود خلافات حول السياسة الخارجية خلافا للمعتاد بإعطاء الأولوية للشؤون المحلية التي تهم الناخب، إذ كانت الحرب الإسرائيلية على غزة الموضوع الأبرز وحظيت بحوالي 25 دقيقة من أصل ساعة ونصف.
وبالحديث عن الحرب في غزة، تساوى المرشحون الخمسة في المزايدة ليس فقط على بعضهم، بل على الرئيس جو بايدن وكأنه "مقصّر" مع أنه لم يترك مجالاً في دعم وإطلاق يد إسرائيل في هذه الحرب.
وتبنى المرشحون الخمسة الخطاب الإسرائيلي بمفرداته الأولية، مشددين على ضرورة "إنجاز المهمة مرة واحدة وإلى الأبد"، حسب رون ديسانتيس، وبما يؤدي إلى "القضاء التام على حماس"، بتعبير هيلي التي دعت أيضًا إلى "ضرب إيران مباشرة وليس فقط جماعاتها في شرق سورية باعتبارها (رأس الأفعى)".
ويعد الموضوع الإسرائيلي بشكل عام، مادة دسمة في موسم الانتخابات الأميركية، ويحاول المرشحون الجمهوريون استغلاله مع الحرب على غزة للتأليب على الخصم بايدن القوي برصيده في صفوف اليهود الأميركيين.
ويأخذ المرشحون على بايدن أنه "متراخ وأن دبلوماسيته لا تؤدي سوى إلى الحروب"، في إشارة إلى التلميحات التي صدرت في اليومين الأخيرين عن المسؤولين وخاصة عن الوزير أنتوني بلينكن في طوكيو والتي شدد فيها على "رفض إعادة احتلال غزة أو العودة إلى حصارها أو الترحيل القسري لسكانها مع التلويح بفترة انتقالية تليها عملية ربط الضفة بالقطاع تحت حكم فلسطيني".
يأتي ذلك فيما جاء تصريح بلينكن وسط تواصل القصف العنيف على قطاع غزة، وفي ظل رفض أميركي لأي وقف لإطلاق النار الذي طالبت به مجموعة السبع التي التقى بها بلينكن في طوكيو خلال اليومين الأخيرين.
وكان الرئيس بايدن قد اكتفى في مكالمته الاثنين مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بالمطالبة "بوقف الصراع" حتى لا يقول "وقف النار" في وقت تتزايد علامات الضيق من الإدارة التي لا تبدو جدية ولو في ترتيب هدنة لا يشك أحد في قدرتها على فرضها لو أرادت ذلك، حتى أن بعض الجهات اليهودية الأميركية تحث على مثل هذا الإجراء كمدخل يجري تمديده بحيث يتطور ليصبح مدخلاً إلى شيء من وقف النار تقليلا للخسائر، خاصة وأن "الاستراتيجية الإسرائيلية معطوبة بالأهداف التي حددتها لعملياتها كما بالوسائل والطريقة التي اعتمدتها لإنجاز هذه الأهداف"، بحسب ما قاله رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ريتشارد هاس.
وإذ تدرك الإدارة هذه الأعطاب وحذرت منذ البداية من مخاطرها، إلا أنها تركت الأمر لنتنياهو الذي لا تعترض على توجهاته من حيث المبدأ، إلا أن الضغوط تتزايد بشأن ارتكاب المجازر بحق المدنيين إلى حدّ يدفع "نحو التصادم بين بايدن ونتنياهو"، كما يقول دافيد روثكوف المعلق اليهودي المطلع على أجواء المداولات داخل الإدارة.
كما يتردد كلام عن ضرورة "إزاحة" رئيس الليكود من موقعه، مع التعبير عن خشية مبطّنة من إمكان تعمّده توسيع الحرب لإبعاد مثل هذه الإزاحة عنه، خاصة وأن مواجهات "العين بالعين" بين واشنطن و"جماعات إيران" في شرق سورية، قد توفر الظروف لمثل هذا التوسيع ولو عن غير قصد أو بفعل "الخطأ في الحسابات الذي قد يؤدي إلى انفلات الأمور من تحت السيطرة".
ووفرت هذه المعطيات والاحتمالات فرصة للمرشحين الجمهوريين لركوب موجة علها تساعد في تعويم أوضاعهم وتزخيم حملاتهم الانتخابية، لكن الفرصة متأخرة والأهم أن بايدن لم يترك مساحة للمزايدة عليه، علاوة على أن معركة الترشيح ليست بين الخمسة بقدر ما هي بينهم وبين ترامب المتقدم برصيده عليهم مجتمعين.
ومن المتوقع أن تقتصر المناظرة القادمة في 6 ديسمبر/ كانون الأول المقبل على 3 أو 4 مرشحين، بعد انسحاب مرجح للسناتور تيم سكوت ورجل الأعمال فيفاك راماسوامي.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى تطور حصل قبل 24 ساعة تجدّد معه الزخم لحملة بايدن بعدما كشف استطلاع صحيفة "نيويورك تايمز" قبل أيام، عن تفوق وازن لترامب ضده في 5 ولايات أساسية، فاز الحزب الديمقراطي في الانتخابات الفرعية الثلاثاء في أربع ولايات محسوبة على الخندق الجمهوري (2 لحاكمية ولايتين وأخرى لمجلسي الشيوخ والنواب المحليين في ولاية رابعة لاستفتاء حول موضوع الإجهاض).
إثر ذلك، استعاد البيت الأبيض أنفاسه وتراجعت دعوات كان قد أطلقها بعض الديمقراطيين في أعقاب استطلاع "نيويورك تايمز"، تطالب الرئيس بالانسحاب من المعركة لاجتناب هزيمة بدت متوقعة ضد ترامب.