أشعل تبادل الرسائل بين الرئيس التونسي قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي، أخيراً، ردود فعل، ففي حين انتقد البعض الطريقة التي كتب بها سعيد رسالته الخطية إلى المشيشي، معتبرين أنها استعادة للأساليب القديمة، رأى آخرون أن حرب الرسائل تبقى تحت سقف الدستور والقانون على الرغم من عمق الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد.
ويوم أمس الإثنين، هاجم الرئيس التونسي قيس سعيد، التعديل الوزاري الأخير وذلك في رسالة وجهها لرئيس الحكومة هشام المشيشي.
وأكد قيس سعيد في رسالته، التي جاءت ردًّا على رسالة المشيشي، أن التعديل لم يحترم الدستور، الذي يقتضي مداولات بين الرئاسة والحكومة.
كما تضمّنت الرسالة، وفق رئاسة الجمهورية، "تذكيراً بجملة من المبادئ المتعلقة بضرورة أن تكون السلطة السياسية في تونس، معبرة عن الإرادة الحقيقية للشعب". وأكد الرئيس التونسي على أن "اليمين لا تقاس بمقاييس الإجراءات الشكلية أو الجوهرية، بل بالالتزام بما ورد في نص القسم وبالآثار التي ستتُرتب عليه"، حسب نص البلاغ الذي لم يشر إلى عديد التفاصيل الواردة في هذه الوثيقة.
وكان المشيشي قد بادر بتوجيه رسالة إلى سعيّد يطالب فيها بتحديد أسماء الوزراء الذين يعترض عليهم، وتحديد موعد لأداء اليمين الدستورية. وقدّم رئيس الحكومة التونسية سابقًا قائمة لتعديل وزاري تضم 11 حقيبة إلى البرلمان، لكن على الرغم من تمرير البرلمان التعديل الوزاري، إلا أن الرئيس التونسي رفض أداء الوزراء الجدد اليمين أمامه، ما عطّل التعديل الوزاري، وأدخل البلاد في أزمة دستورية محورها رأسا السلطة التنفيذية.
وقبيل رسالة سعيّد، أمس، أقدم المشيشي على خطوة تصعيدية، إذ أقال 5 وزراء محسوبين على سعيّد، كان يسعى لاستبدالهم في التعديل الوزاري المقترح. وضمّت لائحة الوزراء، الذين أقالهم المشيشي كلاً من وزير العدل محمّد بوستّة، ووزيرة الصناعة والطاقة والمناجم سلوى الصغيّر، ووزير الشباب والرياضة والإدماج المهني كمال دقيش، ووزيرة أملاك الدولة والشؤون العقارية ليلى جفال، ووزيرة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عاقصة البحري.
من جهتها، اعتبرت الكاتبة ألفة يوسف، في تعليق على صفحتها في "فيسبوك"، أن اللغة في رسالة الرئيس سليمة إلا فيما يخص "الادعاء والاتفاق والاختيار" التي كتبت بهمزة القطع بدل الوصل، متسائلة "فهل يريد الرئيس أن يقطع حيث يجب الوصل؟ أم هل هو مجرد سهو لغوي؟، وجل من لا يسهو".
وأوضحت يوسف أن "شهر رجب سمي في التراث بالأصم لأن صوت السيوف والمعارك يسكت فيه. أما رجب السياسة التونسية فهو حربي، تسمع فيه صليل السيوف والرماح، وإن تكن سيوفاً من قانون ورماحاً من تآويل للدستور".
واعتبرت الكاتبة أن "الحديث عن العهد والهدى والحساب وما إلى ذلك من إسقاطات دينية، في مجال قانوني يخص الدولة أمر خطير. اللهم إلا إذا كان المتكلم يتصور أنه هو الوحيد الذي اهتدى والذي يوفي بالعهد. وينتصر للحق"، متسائلة "من سيحدد الحق؟. نخرج مرة أخرى من مقام سياسي مدني إلى مقام ايديولوجي إيماني".
من جهته، طالب النائب سيف الدين مخلوف في تعليق على صفحته على "فيسبوك"، من "الأصدقاء المختصين في علم النفس تفسيرهم لتصرفات الرئيس قيس سعيّد. طبعاً بكل جديّة وبعيدا عن الهزل. لأن ما يحصل أشبه ما يكون بالكوميديا السوداء".
وركز مخلوف تحديداً على "حالة الارتداد الدائم نحو الماضي أو ما تسمّى بالنوستالجيا المرضيّة وعدم قدرة الرئيس على التأقلم مع الحاضر وازدراء المستقبل تماماً".
وفي سياق الانتقادات أيضاً، علّق وزير الخارجية الأسبق، رفيق عبد السلام، على صفحته في "فيسبوك"، قائلاً "بفضل الله ومنته، أسرج الحاجب فرسه وأغمد سيفه، وتسلم مرسول الهداية من فخامة السلطان المقوقس بن سعيد المعظم بقصر قرطاجنة، التي أمضى ساعات يخطها بيده الشريفة وأنامله العفيفة بكلّ صبر وأناة وتؤدة، بعثها إلى عامله الضال المضل المتحصن بقصبة أفريقية (يقصد رئيس الحكومة هشام المشيشي)، يبلغه بعد البسملة والحمد بأن أداء القسم أبعد إليه من نجوم السماء، وأمره أن ينتهي عن زيغه وضلاله، ويأتيه صاغر القامة مطأطئ الهامة، وإلا بعث إليه بجيش أوله في باحة قرطاج وآخره في القصبة".
وختم عبد السلام "نسأل الله الصبر لأهالي أفريقية ورعاياها على المحن والبلايا والسلامة من آفة الهبل والخبل وأدام الله علينا وعليهم نعمة العقل، وما أعظمها من نعمة".
في المقابل، اعتبر شقيق الرئيس، نوفل سعيد، على صفحته في "فيسبوك"، أنه "لا يمكن تكييف الأزمة الراهنة بين رأسي السلطة التنفيذية على أنّها أزمة تنازع اختصاص بينهما، فلا أحد ينازع في كون رئيس الجمهورية هو الوحيد المختص دستورياً لتسمية أعضاء الحكومة الجدد وتلقي اليمين الدستورية منهم، بالتالي حتى وإن كانت المحكمة الدستورية منتصبة فهي، في رأيي، سوف تنتهي، لو توخت الموضوعية والحياد، إلى مثل هذه النتيجة".
وأضاف "أفهم المطالبة الملحة بتركيز المحكمة الدستورية الآن. ولكن أفهم أيضاً، بالرجوع إلى الأزمة السياسية الراهنة، أنّ هذه المسارعة تعود لأسباب أخرى غير تلك التي عددتها في النقطتين السابقتين.
وأوضح أن "الأسباب تعود بالأساس، وهذا أمر غير خاف على أحد، إلى الحرص على توفير الآلية الدستورية الوحيدة لعزل رئيس الجمهورية وهي المحكمة الدستورية التي ظلّت غائبة على امتداد السنوات الأخيرة تحت تعلات مختلفة لأنّ الأجواء السياسية لم تكن عندئذ تتطلّب مثل هذه المسارعة إلى تركيزها".
وتابع: "هذا كلّه يمثل مؤشرات جدّ سيئة على أنّ النية متّجهة، منذ الآن، إلى جعل المحكمة طرفاً في الصراعات السياسية الآنية وحتى المستقبلية. في حين أنّ المحكمة الدستورية من المفروض أن تكون محايدة وفوق هذه الصراعات".
على الضفة الأخرى، جدد المتحدث باسم حركة "النهضة"، فتحي العيادي، تمسك حركته بهشام المشيشي، مؤكداً أنه "لا يليق بها التخلي عن رئيس الحكومة في هذا الظرف وهي لن تطعنه في الظهر، لكنه إذا خيّر الاستقالة فسيعيدنا إلى المربع الصفر".
وأضاف في تصريح لإذاعة "إكسبراس أف أم أن"، أن "رئيس الجمهورية وصف الطبقة السياسية الحالية بالفاسدة ولم ينسّب وهو ما يحيل على فكره الذي لا يزال غامضاً في مجمله".
ورأى العيادي أن "المعركة حالياً ليست بسيطة"، موضحاً أنها "معركة صلاحيات واعتراف بالبرلمان والأحزاب وأن رئيس الجمهورية فرض جملة من الشروط على هشام المشيشي ولا يريده أن يتقرب من المنظومة الحزبية".
وأشار العيادي إلى أن "رئيس الجمهورية يريد تغيير النظام السياسي لكن هذا لا يأتي إلا بالحوار"، مضيفا أن "الدولة يجب أن تستمر وأن على رئيس الحكومة أن لا يبقى متفرجاً ولا يرضى بالوضع الحالي".
وبعيداً عن صراع الرسائل وما أثاره من حيث الشكل، كشفت نتائج استطلاع الرأي أنجزته مؤسسة "سيغما كونساي"، أنّ 41.4% من المستجوبين لا يعبّرون عن نوايا تصويتهم في الانتخابات الرّئاسية و67% في التشريعية.
وذكرت "سيغما كونساي" أنّ الرئيس قيس سعيّد تحصل على 57% من نوايا التصويت في الرئاسية، وبخصوص نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية، تقدّم الحزب "الدستوري الحر" بـ36.1 % تليه حركة "النهضة" بـ16.8% ثم "قلب تونس" بـ10.7 %.
وهنأ زير الصحة الأسبق سعيد العايدي التونسيين ساخراً بتصدر الرئيس لنوايا التصويت، وكتب على صفحته على "فيسبوك"، "بعد عشر سنين أطبق فيها بني الأزرق بن إخوان على صدوركم. وتصدّر فيها كثير من بني رهدان بن سرقان في أعلى المناصب والبرلمان. ها هو اليوم يلتحق فلتة بن حكمان ليشبع بطون أطفالكم الجائعة نثراً وحكماً ويلقنكم فنون حرب القانون الدستوري الأصم في معركة الريح والنويح، فهنيئاً لكم. نسبة نمو سلبية بـ9 بالمائة تليق بنا".