حراك في تونس للدفاع عن الحريات ورفض المرسوم 54

26 مايو 2024
مسيرة لشبان تونسيين للاحتجاج على المرسوم 54 ، تونس 24 مايو2024 (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تجددت الاحتجاجات في تونس ضد المرسوم 54 الذي يعاقب بالسجن لنشر أخبار كاذبة، مما أدى إلى سجن سياسيين وإعلاميين، معبرين عن رفضهم للقيود على الحريات.
- مئات الشباب التونسي خرجوا في مسيرة دفاعاً عن الحريات وضد المرسوم، مؤكدين على التزامهم بالنضال من أجل الحرية ورفض العودة للاستبداد، في حين رد الرئيس بالتأكيد على حرية التعبير مع انتقاده للمعارضين.
- النقاش حول المرسوم يعكس صراعاً سياسياً متزايداً، مع رفض البرلمان لتعديله وإصرار النشطاء والمجتمع المدني على استمرار الاحتجاجات للدفاع عن حريات الثورة التونسية.

شهد الأسبوع الماضي في تونس احتدام معركة الحريات من جديد أو ما يسمى بمعركة المرسوم 54 الذي تسبب بإلقاء عشرات السياسيين والمدونين والإعلاميين والمواطنين في السجن، وشهدت مكاتب التحقيق والمحاكم تداول أسماء كثيرة بسبب المرسوم. وخرج مئات الشباب التونسيين، مساء يوم الجمعة الماضية، في مسيرة نوعية جديدة دفاعاً عن الحريات وتصدياً للمرسوم الذي يُعد سيفاً مسلطاً على كل رأي وموقف معارض.

وأصدر الرئيس التونسي، قيس سعيد، المرسوم 45 في 13 سبتمبر/أيلول 2022، ويتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، وينص الفصل 24 منه على أنه "يعاقب بالسجن لمدة خمس سنوات وبخطية قدرها 50 ألف دينار كل من يتعمد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إعداد أو إرسال أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان".

مسيرة لشبان تونسيين للاحتجاج على المرسوم 54 ، تونس 24 مايو2024 (العربي الجديد)

وقال منظمو مسيرة الجمعة، التي خرجت ضمن حملة "احكموا الحيوط" (أي لم يتبق إلا الجدران لتحكموها)، في بيان حملتهم إن "كل محاولات التضييق على الحرية والمواطنة الكاملة باستعمال الأجهزة الأمنية والقوانين الزجرية على غرار المرسوم 54 ومحاصرة فضاءات الاحتجاج المناضلة لن تثنينا عن العودة إلى شوارع النضال، إحدى المكاسب الثورية التي لم تفلح كل منظومات الحكم المتعاقبة منذ 2011 في مصادرتها باستخدام القوة وفبركة القضايا".

وأعلنت الحملة "التزامها السياسي والنضالي بقضية الحرية، التي دفع الشعب التونسي في سبيلها الكثير من الدماء والتضحيات"، مؤكدة أنّ "كل محاولات تركيع الشعب وإعادته إلى مناخ الاستبداد، وسلب حقه في التعبير عن تطلعات أفضل من السائد، تجعل شباب المجتمع المدني أكثر استعداداً للوقوف في صف كل ضحايا العنف غير الشرعي لدولة البوليس، التي تسعى إلى غلق قوس الثورة والقضاء على كل فضاءات الحرية والمواطنة". وكانت المسيرة جديدة في نوعيتها ومكوناتها وشكلها، جابت أهم طرقات العاصمة التونسية وانتهت على الأرض في شارع بورقيبة وسط العاصمة تونس.

وفي ساعة متأخرة من نفس اليوم، الجمعة، رد الرئيس التونسي مباشرة على المسيرة، وقال في لقاء مع وزيرة العدل ليلى جفال هناك "حملات من جهات متعددة دأبت على الارتماء في أحضان الدوائر الاستعمارية وتريد تشويه هذا المسار''، وأضاف: "أريد أن أوضح أننا نرفض المساس بأيّ كان من أجل فكرة فهو حر في اختياره وفي التعبير.. ولكن هناك أشخاص ليست لهم حرية التفكير فكيف يمكن أن تكون لهم حرية التعبير.. هؤلاء امتداد لهذه الدوائر الاستعمارية".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

ويبدو أن هذه المعركة بالذات ستكون مفصلية في تحديد نوعية الصراع السياسي في البلاد خلال الفترة القادمة. وأدى توسع الملاحقات والأحكام السجنية إلى تنبيه مختلف المكونات التونسية بأن هناك حاجة للتحرك السريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ويتمسك بالمقابل سعيد بموقفه ويبدي عدم استعداد للتراجع عن المرسوم.

ونظمت جبهة الخلاص وقفتها الأسبوعية، أمس السًبت، دفاعاً عن الحريات وللمطالبة بإطلاق سراح المساجين السياسيين، وتنظم النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، غداً الاثنين، يوماً تضامنياً مع الصحافيين المسجونين وعائلاتهم.

وقال الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، لـ"العربي الجديد " إن "الشباب الذي كان له تأثير كبير بمسار الثورة في 2011 قرر الخروج للتعبير عن رفضه للواقع، وللقول إنهم عائدون إلى الساحات، للتصدي لهذا التوجه الاستبدادي"، مبيناً أن "الوضع الحالي والقمع الحاصل، خاصة إثر تواتر المحاكمات والإيقافات وقرارات الاحتفاظ والإيداع في ظل عدة صعوبات اقتصادية تعيشها البلاد، لا يمكن إلا أن يدفع الشباب إلى الغضب".

وكان البرلمان التونسي رفض إحالة مشروع لتعديل المرسوم المذكور إلى إحدى اللجان للنظر فيه، وكشف النائب بالبرلمان، بدر الدين القمودي، يوم الخميس الماضي، أن مكتب البرلمان رفض إحالة تعديل المرسوم وإرجاء ذلك إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية مفسراً ذلك، في تصريح لإذاعة "إي أف أم" المحلية، أن "الرافضين رأوا في ذلك إمكانية المساس بمسار 25 يوليو 2021"، وعلق الصغير على ذلك بالقول "من المنطق أنه عند معاينة أي إخلال في أي مرسوم، يتم التراجع عنه أو تعديله، ولكن تعديل المرسوم وتصريح النواب بأنه سيتم النظر فيه بعد الانتخابات الرئاسية، يعني مواصلة اعتماده لتلجيم الأفواه، وإخلاء الساحة للسلطة لأن هذه المنظومة تريد مواصلة العمل بمفردها، في صورة مزيفة، وسباق انتخابي كاذب".

وشدد الصغير على أن "المرسوم 54 وخاصة الفصل 24، اعتُمد وسيلةً لإيقاف واعتقال كل من يخالف النظام أو يعبر عن رأيه، وهناك العشرات من السياسيين والإعلاميين والمدونين والمواطنين الذين يعتقلون بسبب تدوينات، ولم يعد هناك أدنى تشكيك في أن هذا المرسوم اعتمد بغاية لجم الأفواه".

وقالت الناشطة بالمجتمع المدني، هيفاء منصوري، في تصريح لـ"العربي الجديد" على هامش المسيرة إن "المرسوم 54 آلية قانونية وردت في وضع متردٍّ، شأنها شأن بقية القوانين في تكميم الأفواه والحد من الحريات التي هي استحقاق جاءت به الثورة ولا يمكن التراجع عنه"، ولفتت إلى أن "ليس من المهم أن يتم تعديله قبل أو بعد الانتخابات، لأن هذا لن يغيّر الكثير، بل فقط سيمكن الجهات النافذة من مزيد التمركز والسعي للسيطرة على الوضع وتكميم الأفواه، ولذلك فإن التحركات الاحتجاجية من قبل الشباب ستتتالى".

وتؤكد الناشطة بالمجتمع المدني، وهيبة، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "من غير المقبول أنه بمجرد المرسوم 54 يعتقل أشخاص لمجرد التعيير عن رأي أو كلمة"، مشيرة إلى أن "شباب الثورة لم يقم بما قام به ليتم تقييد حريته بمرسوم، وبالتالي لا قمع مجدداً".

المساهمون