حراك المعارضة الباكستانية لإسقاط الحكومة: دور حاسم للمؤسسة العسكرية

حراك المعارضة الباكستانية لإسقاط الحكومة: دور حاسم للمؤسسة العسكرية

19 فبراير 2022
حاول عمران خان احتواء استياء الأحزاب المتحالفة معه (حسين علي/الأناضول)
+ الخط -

أعلنت المعارضة الباكستانية أخيراً، قرارها العمل على سحب الثقة من حكومة عمران خان، في خطوة تحتاج بالضرورة إلى دعم المؤسسة العسكرية، كما هي الحال غالباً لسحب الثقة من أي حكومة في إسلام أباد. ويأتي سعي المعارضة لهذا الهدف، في خضم تطورات أمنية تشهدها البلاد مع عودة أعمال العنف، وحالة التأزم على الحدود بين أفغانستان وباكستان.

المعارضة الباكستانية مصممة على سحب الثقة

وأعلنت المعارضة الباكستانية قرارها سحب الثقة من حكومة خان، وذلك عبر ثلاث مراحل، على أن تبدأ المرحلة الأولى بسحب الثقة من رئيس البرلمان أسد قيصر، ثم من رئيس الحكومة المحلية في إقليم البنجاب سردار عثمان بزدار، لتنتهي بتقديم القرار إلى البرلمان لسحب الثقة من رئيس الوزراء.

وبحسب المراقبين، يبقى نجاح هذه المحاولة رهن دور للمؤسسة العسكرية الباكستانية: ففي حال وقوف هذه المؤسسة إلى جانب الحكومة، كما فعلت خلال الأعوام الماضية، سيكون من الصعب إسقاط الحكومة.

أما إذا كانت هناك رغبة لدى الجيش الباكستاني بالتخلص من خان وحكومته، تماشياً مع التطورات، وخصوصاً وصول حركة "طالبان" إلى سدة الحكم في كابول، فستكون تحركات المعارضة بمثابة إجراء روتيني فقط، على أن يحصل إسقاط حكومة خان برغبة من المؤسسة العسكرية نفسها، وبمباركة منها.

يعتزم التحالف المعارض التواصل مع نواب البرلمان المؤيدين للحكومة

وأعلن "التحالف من أجل الديمقراطية" الذي يضم عدداً من الأحزاب السياسية والدينية في باكستان، قبل أسبوع، عزمه تقديم قرار سحب الثقة من حكومة خان إلى البرلمان الاتحادي في وقت قريب، مشيراً إلى أن التخلص من هذه الحكومة أصبح ضرورة، بعدما فشلت في التصدي لكافة الملفات الداخلية والخارجية.

ودعا رئيس التحالف، الزعيم الديني المولوي فضل الرحمن، خلال مؤتمر صحافي عقده بعد اجتماع لقادة التحالف في مدينة لاهور، في 12 فبراير/شباط الحالي، "جميع الأحزاب المتحالفة مع الحزب الحاكم"، "حركة الإنصاف"، لأن "ترحم الشعب، فيما البلاد الغارقة في الأزمة الاقتصادية والمعيشية".

واعتبر فضل الرحمن أن البقاء مع الحزب الحاكم يدفع البلاد نحو مزيد من الأزمات، مشدداً على أن التحالف المعارض سوف يتواصل مع الأحزاب المتحالفة مع "حركة الإنصاف" لحثّها على التعاون مع المعارضة، من أجل إسقاط الحكومة. ووصف فضل الرحمن حكومة خان بـ"الفاشلة"، وبـ"العبء الثقيل على أكتاف الشعب وعلى أكتاف البلاد، التي تواجه ملفات داخلية وخارجية متفجرة".

وأكد المولوي فضل الرحمن أن المعارضة لن تطلب من أعضاء البرلمان المنتمين إلى الحزب الحاكم أن يتعاونوا معها بهذا الشأن، لكنها لن تمانع إذا ما رغب أحد منهم في التعاون من أجل التخلص من حكومة خان.

وأشار إلى أن قرار سحب الثقة سيكون شاملاً، أي سيشمل الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية، باستثناء إقليم السند الذي يحكمه حزب الشعب الباكستاني المعارض، بزعامة الرئيس الباكستاني الأسبق آصف علي زرداري. ويعد هذا الحزب من أهم الأحزاب السياسية في باكستان، ومن اللاعبين الرئيسيين في أي حركة معارضة للحكومة.

بدوره، رأى زعيم حزب "الرابطة الإسلامية"- جناح نواز شريف، خلال المؤتمر الصحافي ذاته، أن حكومة خان أصبحت "عبئاً ثقيلاً على كاهل الشعب الذي أرهقته الأوضاع المعيشية والغلاء الحاد، والذي نتج عن سياسات الحكومة الفاشلة"، داعياً جميع التيارات السياسية والدينية في البلاد إلى مساندة المعارضة في توجهاتها.

تنسيق المعارضة للإطاحة بعمران خان

وشكّل التحالف المعارض لجنةً من القياديين في الأحزاب المنضوية فيه، من أجل اتخاذ كافة التدابير اللازمة بهذا الصدد، وذلك ببدء التنسيق والتفاوض مع الأحزاب المتحالفة مع الحزب الحاكم، خصوصاً حزب "الرابطة الإسلامية"- جناح قائد أعظم، وحزب "عوامي" القومي.

وشدّد زعيم التحالف، المولوي فضل الرحمن، على أن سياسة التحالف "تحتاج إلى سعة الصدر والتعامل مع جميع الأحزاب، مع عدم الأخذ بالاعتبار التباين في الرؤى والأيديولوجيات". وأضاف: "من هنا، نحن نقوم بالتحاور مع كافة الأحزاب، ونأمل أن نصل إلى نتيجة يرجوها الجميع، وهي التخلص من الحكومة الحالية".

وعقب هذا الإعلان، بدأ التحالف بالتنسيق مع الأحزاب المتحالفة مع الحزب الحاكم، ومع بعض أعضاء البرلمان المستقلين الذين كانوا ساندوا الحكومة. واجتمع زعيم التحالف بزعيم حزب "الشعب" الباكستاني آصف زرداري.

وكان زرداري عضواً في التحالف المعارض، لكنه خرج منه في وقت سابق بعد خلافات له مع أحزاب أخرى، حول قضية تقديم الاستقالات من البرلمان الاتحادي والبرلمانات الإقليمية. وأعلن زرداري عقب اجتماعه بالمولوي فضل الرحمن، تأييده لسحب الثقة من الحكومة.

كما التقى المولوي فضل الرحمن، زعيم حزب "الرابطة الإسلامية" - جناح قائد أعظم، شودري برويز إلهي، المتحالف مع الحزب الحاكم، وطلب منه مساندة المعارضة في إنجاح عملية سحب الثقة. ووعد شودري بالتشاور مع القياديين في حزبه، خصوصاً الأعضاء في البرلمان، من أجل اتخاذ القرار بهذا الشأن.

وسبق لهذا الحزب أن أعلن امتعاضه الشديد حيال سياسات الحكومة وتعاملها مع الأحزاب المتحالفة، ما دفع رئيس الوزراء عمران خان إلى إجراء اجتماعات مع قيادات الحزب، واعداً إياها بانتهاج أسلوب مغاير في التعامل، في محاولة لاحتواء التوتر، إلا أن حزب "الرابطة الإسلامية" - جناح قائد أعظم لا يزال مستاءً كما يبدو، وهو ما يستغله التحالف المعارض. وهذا الوضع ينسحب أيضاً على حزب "عوامي".

ترى المعارضة أن الوضعين الأمني والاقتصادي ووصول "طالبان" إلى الحكم في كابول تحتم تغيير الحكومة

وتعليقاً على هذه التطورات، رأى الكاتب والإعلامي الباكستاني، جنكيز خان جدون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأجواء السياسية أصبحت ساخنة في باكستان، ويبدو أن الساحة تمضي نحو تغيرات سياسية، أبرز محاورها إعلان المعارضة سعيها لسحب الثقة من الحكومة، وهو ما سيكون خان على ما يبدو ضحيته.

وتوقع جنكيز خان جدون أن يلعب حزب "الرابطة الإسلامية" - جناح قائد أعظم، المعروف بعلاقاته الوطيدة مع المؤسسة العسكرية، دوراً مهماً في الإطاحة بالحكومة، لافتاً إلى أن المعارضة وعدت هذا الحزب بمنحه حكومة إقليم البنجاب، مقابل تعاونه معها.

وتبدو الأحزاب المتحالفة مع الحزب الحاكم، وكأنها بدأت تفكر في الانسحاب من التحالف الحاكم والتعاون مع المعارضة. وفي هذا الإطار، عقد زعيم حزب الرابطة - جناح قائد أعظم، شودري برويز، في 16 من الشهر الحالي، اجتماعا مع أعضاء الحزب في البرلمان المركزي وفي برلمان إقليم البنجاب، وتشاور معهم في القضية.

وأكد بيان صدر عن الحزب، أن جميع قيادات وأعضاء البرلمان المنضوين فيه، كلّفوا زعيم الحزب أن يبت في القضية ويتخذ القرار في مسألة التمرد على الحكومة، معربين عن أسفهم الشديد حيال سياسات حكومة خان، وتحديداً رفع الأسعار، مطالبين زعيم الحزب بأن يضع في حسبانه جميع التطورات الحاصلة في البلاد والمنطقة لدى اتخاذه قراره.

تصدعات داخل الحزب الحاكم

وليست قضية الأحزاب المتحالفة الوحيدة التي من شأنها إرباك موقف الحكومة، بل ثمّة عدد من البرلمانيين المنتمين إل الحزب الحاكم قد أعربوا بدورهم عن عدم ارتياحهم لسياسات وطريقة تعامل رئيس الوزراء. وهؤلاء النواب كانوا اجتمعوا حول القيادي السابق في الحزب الحاكم، جهانكير ترين، وأنشأوا كياناً داخل "حركة الإنصاف"، سمّوه بـ"فارورد بلاك".

تحتاج المعارضة إلى 20 نائباً إضافياً لإسقاط الحكومة

ولم يخف التحالف المعارض ارتياحه للاستياء الحاصل داخل الحزب الحاكم.  وأكدت القيادية في حزب "الرابطة الإسلامية" - جناح نواز شريف، مريم نواز، وهي بنت رئيس الوزراء السابق نواز شريف، في 17 فبراير الحالي، أن "حركة سحب الثقة من الحكومة ستنجح لا محالة"، لا سيما "مع التصدعات الحاصلة داخل الحزب الحاكم"، معتبرة أن "إنشاء كيان مستقل في داخله، قد يساعد المعارضة".

تجدر الإشارة إلى أن عدد نواب الحكومة ونواب الأحزاب المتحالفة معها، يصل إلى 182 نائباً، وهي تشكل الأكثرية، بينما يصل عدد نواب الأحزاب المعارضة إلى 162. وتحتاج المعارضة إلى دعم 20 نائباً آخرين من داخل الحزب الحاكم أو من داخل الأحزاب المتحالفة معه من أجل إسقاط الحكومة، وهو أمر ممكن إذا لم يتم احتواء الخلافات بين الحزب الحاكم والأحزاب المتحالفة معه.

ورأى الإعلامي محمد كاشف أن القضية كلّها مرتبطة بعدد النواب في البرلمان، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، "أن المعارضة ستحاول من دون شك الحصول على رضا أعضاء البرلمان المنتمين للحزب الحاكم، أو للأحزاب المتحالفة معها". وشدّد على أنه في حال وقوف أي حزب موال للحكومة معها، فسيؤدي ذلك من دون شك إلى سقوط الحكومة.

أما عن دور المؤسسة العسكرية، فرأى كاشف أنها "لن تقف في المستقبل مع الحكومة، لا سيما أن الضغوط عليها متزايدة، وهي بدت أخيراً يائسة من سلوك الحكومة". واعتبر أنه بناء على ذلك، فإنها هي التي أوصلت الرسائل إلى المعارضة للتحرك ضد الحكومة، وهو الطريق الوحيد للتخلص منها، بحسب اعتقاده.

ويوافق معه المحلل السياسي فدا حسين على هذا الرأي، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المؤسسة العسكرية لم تعد إلى جانب الحكومة، وهي باتت تتطلع إلى إحداث تغيرات في المنظومة السياسية، لأن الوضع الأمني في باكستان والمنطقة بات يستدعي ذلك"، موضحا أن هذا هو ما أدركته المعارضة، وما دفعها للتحرك مجدداً من أجل الإطاحة بالحكومة.