حديث واشنطن عن تطوير الهدنة في غزة إلى حلّ: صحوة تصحيح للسياسة الخاطئة؟

29 نوفمبر 2023
بدأ الخطاب الأميركي ينتقل أخيراً إلى الحديث عن جذور الصراع في فلسطين (Getty)
+ الخط -

مع تصاعد المؤشرات الإيجابية بتمديد الهدنة في قطاع غزة ومواصلة تبادل دفعات أكبر من الأسرى بين حركة حماس وجيش الاحتلال الإسرائيلي، بدأت لغة الانفعال في واشنطن تتراجع، فيما أخذ خطاب السياسة والحسابات يتصاعد، سواء على مستوى القرار أو صناعة الرأي، إذ بدأ الخطاب الأميركي ينتقل بصورة ملحوظة من الإطار السردي وجانبه الدرامي للأزمة إلى مجال تشخيص جذورها وضرورة معالجتها من خلال طرح حل الدولتين.

كما ترافق مع هذا التحول بعض النقد للتعاطي الأميركي "الفاشل" مع الصراع الفلسطيني، الذي أدت تطوراته إلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كأن هناك في الظاهر على الأقل، صحوة ولو متأخرة لتصحيح مسار التعامل الأميركي على أساس أن ما قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول لم يعد صالحاً لما بعده.

وبرزت إشارات وتعبيرات كثيرة في هذا السياق خلال الأيام الأخيرة، إذ إن تجديد الهدنة باتجاه تطويرها لوقف الحرب في المدى القريب اكتسب المزيد من الزخم الذي رافقته ضغوط على إسرائيل، كان أبرز هذه التحولات تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن بأن ربط المساعدات الأميركية لإسرائيل بشروط (كما طرح السيناتور بيرني ساندز في مجلس الشيوخ) هو "فكرة جديرة بالاهتمام". وبحسب التسريبات، فإن مهمة مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) وليام بيرنز، خلال جولته في قطر، هي العمل على تجديد الهدنة بصيغة تكون مفتوحة على إمكانية تمديدها إلى فسحة أطول على طريق "الصفقة الكبرى" التي رفضتها إسرائيل على الدوام. كما تردد أن زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى المنطقة تأتي أيضاً في هذا الإطار.

واكبت ذلك عملية نبش دفاتر وتسليط أضواء في الكثير من المداولات الجارية والندوات وصفحات الرأي والقراءات، ليس فقط في ما يتعلق بإفراط إسرائيل في انتهاكاتها، بل أيضاً بشأن سياسات التغاضي والحماية، بل التواطؤ المقنّع التي اعتمدتها الإدارات المتعاقبة ومنها إدارة بايدن إزاء هذه الانتهاكات، على غرار الصمت والاكتفاء بـ"الإدانة اللفظية" أو الإجراءات الرمزية في موضوع المستوطنات وعنف المستوطنين (مثل تهديدهم بحرمانهم من تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة) التي أدت إلى الاحتقان وبالتالي إلى الانفجار.

 كذلك، لعبت السياسات الخاطئة أو المضلِّلة دوراً في تحول الموقف الأميركي، على غرار "عسكرة إسرائيل لتطمينها" واستخدام الفيتو الأميركي في مجلس الأمن "لحمايتها"، فضلاً عن ترك المفاوضات للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني في عملية السلام، وهو ما أدى إلى تمكين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الإطاحة بالمفاوضات.

نتيجة لكل ذلك، بدأ الحديث عن حل الدولتين وسرّعت الإدارة خطواتها في هذا الاتجاه، وكأنها عادت إلى مقولة زبيغنيو بريجنسكي (مستشار الرئيس السابق كارتر) عندما قال قبل حوالي عشر سنوات إن المفاوضات لن تثمر بسبب التفاوت في ميزان القوى بين إسرائيل والجانب الفلسطيني، "ما لم تدخل واشنطن على الخط وتطرح خريطة حل تطالب الطرفين بقبولها".

مع كل هذه المؤشرات، يبقى السؤال المطروح عما إذا كان بايدن ينوي لعب هذا الدور الذي تحدث عنه بريجنسكي، خصوصاً أن خطاب إدارته يريد أن يوحي بشيء من الجدية مع تأزم الحرب، لكن التحركات الأميركية السابقة في هذا الشأن انتهت "إلى لا شيء".

وكانت إدارة الرئيس السابق بوش الأب قد قررت طرق باب هذا الحل بعقد مؤتمر مدريد، في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1991، وبدت عازمة على تحقيق اختراق، إلا أن مساعيها فشلت، وثمة من ربط الفشل بتردد الإدارة، حينها، في ممارسة الضغط المطلوب على إسرائيل قبل سنة من انتخابات الرئاسة التي كان بوش يخوضها من موقع ضعيف. وراج رأي حينها يقول إن فوز بوش، في حال تحقق، وبقي الوزير جيمس بيكر في الخارجية، لكان اجتماع مدريد قد أعطى ثماره.

يقف بايدن الآن على مسافة أقل من سنة من الانتخابات وهو في وضع ضعيف أيضاً، وبالتأكيد لا يملك عزم بوش وبيكر في كبح إسرائيل. من هنا تكمن الشكوك في أن ما يقوله الرئيس وإدارته بخصوص الدولتين ليس عملية تصحيح بقدر ما هو محاولة لتنفيس الضغوط من جهة، وفي الوقت ذاته محاولة لـ"وقف نتنياهو عند حدوده" وحمله على "التواضع" في تحديد أغراض الحرب، فضلاً عن ردعه من أجل أن لا يدفع نحو توسيع ساحتها.

المساهمون