حتى لا تُسرَق المقاومة

حتى لا تُسرَق المقاومة

27 نوفمبر 2023
لم تتضح نهاية حرب غزة ولا نتائجها بعد (فرانس برس)
+ الخط -

لم تضع حرب غزة أوزارها بعدُ، ولم تسكت أصوات الرصاص والقنابل، ولم تتضح نهاية هذه الحرب ولا نتائجها ولا تداعياتها.

وعلى الرغم من أن وقت جرد نتائج الحرب لم يحنْ بعد، فإن جهات دولية كثيرة بدأت تستبق الأحداث وتقدّم لتصورات ومشاريع ومخططات لما بعدها، وترسم ملامح المنطقة بما تتمناه هي، ووفق حساباتها الخاصة، بقطع النظر عن حقيقة ما يحصل أو سيحصل على الأرض، وكأنها حسمت في نتائجها وقرّرت أن المقاومة انتهت أو ستنتهي وسيتم ترتيب المشهد دونها.

ومنذ أسبوعين، تحدّث الرئيس الأميركي جو بايدن عن غزة بلا حركة "حماس" وعن سلطة فلسطينية متجددة، وكذلك دول أوروبية متعددة تقصي "حماس" من أي ترتيب مستقبلي. ثم جاءت قصة الدولة "منزوعة السلاح" والقوات الأجنبية، وكأن الصور التي نراها هذه الأيام بإطلاق سراح أسرانا وبشروطنا، وكذلك مئات الآليات العسكرية المحطمة، ومئات الجنود الإسرائيليين القتلى والمصابين، والأسرى منهم، كأنها لا تصوّر انتصار المقاومة، وإنما هي هزيمتها وانتهاؤها وضرورة انسحابها من المشهد، كما تتمنى الرواية الإسرائيلية الأميركية، وكما تشتهيه دول عربية كثيرة كذلك.

ولكن القيادي في "حماس"، أسامة حمدان، كان واضحاً خلال مؤتمر صحافي، السبت الماضي، حين شدّد على رفض المقاومة القاطع لكل المواقف التي تدعو إلى مشاركة قوات أجنبية تحت أي مسمى.

وأضاف حمدان: "لكل الذين يناقشون وضع غزة بعد عدوان الاحتلال، نقول لهم: وفّروا وقتكم وجهدكم وأحلامكم، فغزة ستبقى فلسطينية، وأبية، وشامخة، وطاردة لكل الغزاة". وكانت الخلاصة والرسالة واضحة للجميع: "شعبنا سيصنع مستقبله بنفسه".

والحقيقة أن هذه الجهات الدولية تريد أن تسرق المقاومة وتُقصيها من على طاولة المفاوضات، وتتحدث، عنوة، باسمها ونيابة عنها، وهذا ما على القيادة السياسية أن تعيه جيداً في المرحلة المقبلة، وأن تستعد له. وكما نجحت المقاومة في فرض شروطها الآن، فعليها أن تفرض وجودها في أي ترتيب مقبل للمنطقة، وألا تترك السُراق يحوّلون انتصارها إلى هزيمة ويتاجرون بدماء شهدائها.

لقد سُرقت انتفاضات ومعارك فلسطينية كثيرة سابقة، حوّلها العرب للأسف إلى هزائم وفاوضوا على فتات وعلى قطعة من سلطة وبقعة من أرض، ورضخوا للمفاوض الأميركي والإسرائيلي، وربما كانوا، ولا يزالون، مستعدين للبيع، بيع ما لا يملك لمن لا يستحق، وكأن الأرض الفلسطينية ومن فوقها أوراق تفاوض يملكونها ويحق لهم مقايضتها.

ولكن لا شك أن هذا الجيل الفلسطيني المقاوم اليوم يدرك جيداً أنه تمّت سرقة ماضيه وتحطيم حاضره، ولكنه ينبغي أن يكون متيقظاً، حتى لا يُسرق مستقبله، فالكل يتربص به، القريب قبل البعيد.