جيانغ زيمين... نقيض صرامة النظام الشيوعي

جيانغ زيمين... نقيض صرامة النظام الشيوعي

01 ديسمبر 2022
شهدت الصين في عهده أول انتقال سلمي ومنظّم منذ تأسيس الحزب الشيوعي (فانغ لي/Getty)
+ الخط -

أثارت وفاة الرئيس الصيني السابق جيانغ زيمين (96 عاماً)، يوم الأربعاء الماضي، مشاعر حزن كبيرة في الأوساط الصينية، خصوصاً لدى جيل الشباب الذي كان يرى فيه أيقونة للزعيم والقائد السياسي المعتدل القريب من الناس، ونقيضاً لصرامة النظام الشيوعي التي تتجسد الآن في حكم وإدارة وقرارات رئيس البلاد شي جين بينغ

وربما ضاعف مشاعر الحسرة توقيت وفاته التي جاءت في ذروة الاحتجاجات الشعبية ضد سياسة صفر كوفيد الحكومية، إذ تشهد البلاد منذ نهاية الأسبوع الماضي موجات متفرقة من التظاهرات، للمطالبة برفع القيود وإجراءات الحجر الصحي التي يخضع لها ملايين السكان يومياً.

ونعت وكالة الأنباء الصينية الرئيس الراحل، قائلة إنه "قائد مرموق ومتميز للغاية، وإن وفاة الرفيق جيانغ زيمين خسارة لا يمكن التغلب عليها لحزبنا وجيشنا وشعبنا". بينما وصفه الرئيس شي جين بينغ، بأنه "ماركسي عظيم" و"محارب اشتراكي" و"زعيم بارز".

وعلى خلاف أسلافه وخلفائه، حظي جيانغ زيمين بشعبية كبيرة في صفوف الشباب، ويُعتبر شخصية جذابة، نظراً للكاريزما التي كان يتمتع بها، بالإضافة إلى دبلوماسيته المتفردة وغير المعهودة في تاريخ الحزب الشيوعي. وفي عهده شهدت الصين أول انتقال سلمي ومنظّم منذ تأسيس الحزب في عام 1921، وذلك حين استقال طواعية عام 2002، ليسلم دفة القيادة إلى خلفه هو جينتاو.

حظي جيانغ زيمين بشعبية كبيرة في صفوف الشباب، ويُعتبر شخصية جذابة نظراً للكاريزما التي كان يتمتع بها

تميز جيانغ بحس الفكاهة وكان قريباً جداً من الناس، عكس القادة الصينيين الذين عُرفوا بالقسوة وأحاطوا أنفسهم بالغموض. وكانت صورة الرئيس السابق حاضرة في كل حملة احتجاجية ضد الحكومة، خصوصاً حين يتعلق الأمر بتقويض الحريات. وكان يلجأ النشطاء إلى رفع صورته للإشارة إلى الطفرة الديمقراطية التي طرأت في عهده، والتي تميزت بمنح هامش كبير من الحرية والاستقلالية للإعلام والصحافة، واعتبرت فترته الفصل الأزهى في الفصول التي توالت على مئوية حكم الحزب الشيوعي.

لماذا يفتقد الصينيون جيانغ زيمين؟

وقال جيو وان، وهو شاب شارك في التظاهرات المناهضة لسياسة صفر كوفيد في مدينة شانغهاي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن وفاة الرئيس جيانغ زيمين، "خسارة كبيرة، وكنا نشعر من خلال تصرفاته وطريقة تعامله مع الآخرين بأنه واحد منا يمثلنا جميعاً".

وأضاف: "أنا واحد من الذين ولدوا أثناء حكمه للبلاد، ما يعني أني لم أكن واعياً وعلى دراية بما يحدث من حولي على صغر سني آنذاك، ولكني تأثرت بشخصيته من خلال حديث أبي عنه، ولاحقاً تابعت خطاباته وقرأت عن إنجازاته، وشعرت كم كان حكيماً وحريصاً على مصلحة الشعب قبل كل شيء، حتى ولو كان ذلك على حساب علاقته بالحزب الشيوعي الذي ينتمي إليه ويقوده".

من جهتها، قالت الطالبة في جامعة بكين للدراسات، مي لينغ، إنها حزنت كثيراً على وفاة الرئيس جيانغ زيمين، لأن وجوده على قيد الحياة حتى وهو خارج هرم القيادة وفي منتصف عقده التاسع، كان بمثابة رمانة الميزان في معادلة الحكم والسلطة، لأنه مثّل الوجه المتزن والإدارة البراغماتية والدبلوماسية المرنة في التعامل مع القضايا الدولية والملفات الداخلية والخارجية.

وأضافت، في حديث مع "العربي الجديد": "أما الآن، وقد رحل عن عالمنا، بتنا أمام تفرّد حقيقي بالسلطة من دون مثال حي على الاتزان والتداول السلمي يشار إليه في الاحتجاجات الشعبية ضد تقويض الحريات، ويستخدم كمنبّه في كل اضطراب سياسي بأننا كجيل شاب لدينا مرجع ومثال يحتذى به وشخصية أيقونية".

قصة رمز الضفدعة

يتذكّر الصينيون جيانغ زيمين، كشخصية كاريزمية، فلطالما كسر خلال فترة حكمه الصورة النمطية للزعماء الصينيين بالعديد من التصرفات والسلوكيات، لعل أبرزها استعراض مهاراته في غناء الأوبرا الصينية أثناء زيارة رسمية له إلى الولايات المتحدة عام 1997. وكذلك دخوله في مشادة شهيرة مع أحد الصحافيين حين سأله عن دعمه لأحد المرشحين لمنصب الرئيس التنفيذي لجزيرة هونغ كونغ.

وحول تأثير شخصيته على الشباب، شرح الباحث في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث في هونغ كونغ، تشو يونغ، لـ"العربي الجديد"، أن شخصية جيانغ المنطلقة والحيوية لم تكن معهودة بالنسبة للصينيين الذين تعاقب على حكمهم قادة تميّزوا بالصرامة والجدية.

وأضاف: "في تلك الفترة تعرّض الرئيس لانتقادات لاذعة بسبب مظهره وحركاته وقصة شعره ونبرة صوته (كان يرتدي نظارة سميكة)، وشبّهه البعض بالضفدع، ولكن بعد تنحيه عن السلطة استخدم هذا الرمز بصورة عكسية، وأصبح تميمة يستخدمها الشباب (عبّاد الضفدع) لتوجيه نقد غير مباشر للسلطة". وتابع: "انتشرت العديد من الميمات الخاصة بالضفدع حين كانت السلطات تمارس رقابة شديدة على فضاء الإنترنت، وذلك كوسيلة للتحايل على هيئات الرقابة واللجان الإلكترونية".

في الاحتجاجات الأخيرة ضد سياسة صفر كوفيد، لجأ الشباب إلى استخدام الصورة الرمزية لجيانغ زيمين لتوجيه سهام النقد إلى المسؤولين

ولفت الباحث إلى أنه "حتى في الاحتجاجات الأخيرة ضد سياسة صفر كوفيد، لجأ الشباب إلى استخدام الصورة الرمزية لجيانغ زيمين لتوجيه سهام النقد إلى المسؤولين، غير أن خبر وفاته كان محزناً لهم، لأنهم شعروا بأنهم فقدوا أحد أسلحتهم الرمزية في مقارعة السلطة".

يُذكر أن جيانغ زيمين، شوهد آخر مرة علانية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول عام 2019، حين أخذ مكانه بين قادة الحزب المدعوين لحضور احتفالات الذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في ميدان تيان آنمن وسط العاصمة بكين. وقد فُسر غيابه عن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في أكتوبر الماضي، والاحتفال بالذكرى المئوية للحزب في العام السابق، على أنهما دلالة واضحة على اعتلال صحته.

المساهمون