تونس تتمسّك بالحياد السلبي في الحرب على أوكرانيا: ما أسبابها؟

02 مارس 2022
استغراب من الموقف التونسي الرسمي (نيكولاس ايكونومو/ Getty)
+ الخط -

تصاعدت المواقف المنتقدة لتمسك تونس بموقف رسمي محايد إزاء الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا، في ظل تساؤلات حول الأسباب وراء ذلك بعدما دعت يوم الجمعة الماضي، جميع الأطراف المعنية إلى "العمل على تسوية أي نزاع بالطرق السلمية، وذلك من منطلق مواقفها الثابتة بضرورة تغليب منطق الحوار كأفضل السبل لفض النزاعات بين الدول".

واعتبر النائب التونسي، أسامة الخليفي، أن ما يجري في أوكرانيا "يهدد استقرار العالم وسيكون له انعكاسات على كل البلدان والشعوب ومنهم تونس"، مضيفا في تدوينة على صفحته بموقع "فيسبوك" أن "موقف الحياد والسكوت على المظالم والمجازر ضد الإنسانية وضد سيادة الدول واستقلالها هو موقف غير سليم ومخالف لقيم الإنسانية وقيم السلم والتعايش بين الشعوب"، على حد تعبيره.

كذلك، قال النائب عياض اللومي على صفحته بـ"فيسبوك": "ننتظر موقفا من وزارة الخارجية التونسية لإدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا بصفتها دولة مستقلة تتعرض إلى حرب غير مبررة تستهدف وحدة أراضيها".

ويطرح الموقف التونسي من الأزمة أسئلة كبيرة حول ما إذا كانت تونس بصدد تغيير خياراتها الدبلوماسية أم أنها مجرد أخطاء تقييمية للموقف.

ونشر سفير الاتحاد الأوروبي بتونس، ماركوس كورنارو، أمس الأول، تغريدة على حسابه بموقع ''تويتر'' انتقد من خلالها موقف الدبلوماسية التونسية، معتبرا أن "المحافظة على الحياد بين المعتدي والضحية هو موقف في حد ذاته".

كذلك، نشر السفير الأميركي الأسبق لدى تونس، غوردان غراي، تغريدة في حسابه على تويتر تساءل من خلالها عن سبب عدم إدانة تونس للغزو الروسي على أوكرانيا، قائلا "اليوم لماذا لا تظهر الحكومة التونسية الشجاعة الأخلاقية ذاتها وتدين الغزو الروسي لأوكرانيا؟".

في المقابل، اعتبر وزير الخارجية التونسي الأسبق، أحمد ونيّس، أن حياد تونس من الأزمة الروسية الأوكرانية موقف صحيح، موضحاً في تصريح لإذاعة "ديوان أف أم"، أن عواقب الحرب ستلحق جميع دول العالم.

وبخصوص عدم وجود سفارة تونسية في أوكرانيا، كشف ونّيس أن تونس ليست لديها الإمكانات المادية اللازمة التي تسمح لها بفتح سفارات في كل دول العالم، معتبراً أن ما يحدث الآن ليس بحرب وإنما مواجهة خطيرة على أوكرانيا وعلى الساحة الأوروبية، بحسب رأيه.

وهو الموقف الذي لا يوافق عليه رئيس حزب "المجد" بتونس، والخبير الأممي السابق بجنيف، عبد الوهاب الهاني، حيث اعتبر أنه "حصل تذبذب في الموقف التونسي، حيث كان أول موقف رسمي تونسي ما كشفه سفير أوكرانيا في تونس، إثر لقاء مشترك جمعه بوزير الخارجية رفقة سفراء رومانيا وبولونيا، وقال فيه إن الوزير عثمان الجرندي أدان فيه الاعتداء العسكري الروسي على أوكرانيا، وشدد على وحدة الأراضي الأوكرانية، ولكن بعد ذلك صدر الموقف الرسمي لوزارة الخارجية في بلاغ لاحق تضمن موقف الحياد السلبي ودعوة الأطراف للحوار".

وأوضح الهاني في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن هذا الموقف "خارج التاريخ، لأن الوزير يتحدث وكأن المناوشات لم تتجاوز حدود التصعيد اللفظي، في حين أن الحرب انطلقت بالغزو الروسي لأوكرانيا، وهي دولة مستقلة ذات سيادة عضو في المنتظم الأممي".

وتابع قائلا "الحرب وتغيير الأوضاع السياسية في دول الجوار بالقوة أمور مرفوضة مهما كانت الأسباب والمبررات"، مضيفاً أن "الحياد لا يعني غض النظر ولا المساواة بين الغازي المعتدي وبين الضحية. فحتى سويسرا المحايدة أعلنت دعمها لأوكرانيا وإدانتها للغزو الروسي، بل واتخذت إجراءات ردعية لإثناء الروس عن مواصلة الحرب".

عدم الدخول في سياسة المحاور

وأوضح الهاني أن "موقف الحياد السلبي يتناقض مع العقيدة الدبلوماسية التونسية، فقد عرفت تونس المستقلة بقيادة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بدبلوماسية الحياد الإيجابي بين المعسكرين الغربي والشرقي. وهي الدبلوماسية القائمة على عدم الدخول في سياسة المحاور، وفي نفس الوقت الوقوف إلى جانب حق الشعوب في تقرير مصيرها وإلى جانب حركات التحرر والدفاع عن سيادة الدول وسلامة أراضيها وحل النزاعات بالطرق السلمية وعلى أساس الشرعية الدولية".

وذكر بأنه "كانت للدبلوماسية التونسية وقفات تاريخية ضد الغزو السوفييتي للعاصمة المجرية بودابست في أكتوبر/ تشرين الأول 1956 بعد أشهر فقط من الاستقلال، وفي دعم الثورة الجزائرية والثورة الفلسطينية والثورة الإريترية واحتضانها جميعها في تونس، ودعم استقلال الكونغو الديمقراطية وعموم الدول الأفريقية والعربية، وفي شجب نظام التمييز العنصري، وفي تصفية الاستعمار ودعم حركات التحرر".

وشدد الهاني على أنه "كان حريا بتونس الديمقراطية أن ترفض التدخل العسكري الروسي وأن تدعو لوقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية من التراب الأوكراني على قاعدة الشرعية الدولية".

وعن أسباب هذا الموقف وخلفياته، أوضح الهاني أن "رئيس الجمهورية قيس سعيّد يعمل دون مدير ديوان منذ استقالة نادية عكاشة، ودون مستشار ديبلوماسي رئيسي، وبديوان رئاسي يشهد شللا كبيرا بعد مغادرة 13 مستشارا بالإقالة أو الاستقالة، كما شهد ملف السياسة الخارجية صراعا كبيرا، في السابق بين مديرة الديوان، نادية عكاشة والوزير الحالي، عثمان الجرندي، أدى إلى غياب المقابلات الثنائية وقطيعة بين الوزير ورئيس الجمهورية دامت أكثر من مائة يوم".

وأردف بالقول "يتواصل هذا الخلاف إلى اليوم مع مستشاري الرئيس، وهو ما أدى إلى شلل كبير للدبلوماسية التونسية وإلى غياب غير مبرر لتونس في المنتظم الأممي وعلى المستوى القاري الأفريقي والإقليمي العربي، في تناول الحرب الروسية وآثارها".

آثار كارثية على تونس

أما عن تأثيرات هذا الموقف على علاقات تونس الخارجية وانعكاسها على الوضع الاقتصادي والسياسي الداخلي، فيرى الهاني أن "هذا التذبذب وديبلوماسية اللا موقف ستكون لها آثار كارثية على تونس. لأنها تخرق العقيدة الدبلوماسية للدولة التونسية وثوابتها، ولأنها تسهم في إرساء مزيد من الريبة حول نوايا بعض الأطراف من محيط رئيس الجمهورية الانحراف بالثوابت وحشر تونس في زاوية أحلاف غير طبيعية إلى جانب روسيا وإيران".

وحذر من أن ذلك "سيزيد في توتر علاقات تونس بشركائها الرئيسيين التقليديين، وأساسا الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، فيما تونس في أشد الحاجة لمساندة شركائها للخروج من الأزمة المالية الخانقة، لأن الملف المالي وثيق الارتباط بالملف السياسي".

واعتبر الهاني أن "الخطير أن هذا الموقف المتذبذب لم يخضع لا لمداولات مجلس الوزراء ولا لرقابة البرلمان ولا لحوار مجتمعي ولا أكاديمي".

 

 

ومساء اليوم الأربعاء، صوتت تونس لمصلحة القرار الذي اعتمدته  الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الطارئة الحادية عشرة المنعقدة بنيويورك حول الوضع في أوكرانيا بأغلبية 141 صوت مقابل 5 ضد و 34 امتناع. 

واعتبر بيان لوزارة الخارجيَّة التونسية  أن هذا القرار يؤكد "خاصة على أهمية التزام جميع الدول بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة ، لا سيما منها المتعلقة بنبذ استعمال القوة".

وبرر البيان هذا الموقف التونسي بأنه "انتصار لمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتّحدة، التي انبنت عليها سياستنا الخارجية وتأكيدا على حرص بلادنا على إنهاء الأزمة باستعمال الوسائل السلمية لفضّ النزاعات، التي تبقى السبيل الوحيد والأمثل لوضع حدّ للتصعيد والحيلولة دون مزيد تدهور الأوضاع وتنامي الأزمات والمآسي الإنسانية حيث علّمتنا تجارب الماضي البعيد والقريب أنّ الخيارات العسكرية لا تحلّ أيّة أزمة وأنّ المفاوضات كفيلة بتسوية كلّ الخلافات وإيجاد الحلول التوافقية لها".