تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية: قرار ملغوم يعقد الأزمة اليمنية

تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية: قرار ملغوم يعقد الأزمة اليمنية

26 نوفمبر 2020
الحكومة: تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية مطلب رسمي وشعبي (Getty)
+ الخط -

تتجه الأزمة اليمنية إلى منعطف حرج أكثر من أي وقت مضى، ففي مقابل الانسداد الحاصل لعملية السلام شمالاً وجنوباً بعد تعثر الإعلان الأممي المشترك واتفاق الرياض، يلوح في الأفق قرار أميركي محتمل بتصنيف الحوثيين "جماعة إرهابية"، ما قد يؤدي إلى مزيد من التعقيدات في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم. وعلى مدار أسبوع كامل، واصل مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي الخاسر في انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي دونالد ترامب، توجيه رسائل مباشرة وغير مباشرة لإيران وجماعة الحوثيين، تتوعّد بإدراج الجماعة ضمن قوائم "التنظيمات الإرهابية" على لوائح وزارة الخزانة الأميركية.

وبدا الحوثيون غير مكترثين بالوعيد الأميركي، ففي غمرة النقاشات حول إدراجهم على لوائح الإرهاب، والتي تُقابل بحفاوة سعودية بالغة، أطلق الحوثيون صاروخاً بالستياً على إحدى منشآت شركة "أرامكو" السعودية في جدة، في هجوم هدّد أمن الطاقة العالمية واعتبرته الرياض "دليلاً على إرهاب وكلاء إيران باليمن". وعلى الرغم من أن النوايا الأميركية تجاه الحوثيين ليست وليدة اللحظة، بعد ظهور نقاشات مماثلة أواخر عام 2018، إلا أن إدارة ترامب تبدو جادّة هذه المرة في إحراز انتصار سياسي بالوقت الضائع ضد إيران ووكلائها بالمنطقة، قبل 20 يناير/كانون الثاني المقبل، موعد تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن.


من شأن إدراج الحوثيين على لوائح الإرهاب تعميق تحالفهم مع إيران

وعلاوة على ما يمكن اعتبارها "هدية أميركية مجانية" للسعودية التواقة لقرار كهذا منذ سنوات، يبدو أن إدارة ترامب تسعى من وراء تصنيف الحوثيين ضمن قوائم الإرهاب، إلى حشر إدارة بايدن العتيدة، وتسليمها تركة ثقيلة وتعقيد الحل السياسي. بالتالي سيكون صعباً عليها شطب الحوثيين من لائحة الإرهاب سريعاً، في حال أرادت وقف حرب اليمن.

ولوّح عدد من المسؤولين الأميركيين في الأيام الماضية بعصا العقوبة ضد الحوثيين، فبعد تسريبات عبر عدد من الصحف وتصريحات مباشرة لوزير الخارجية مايك بومبيو، أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي، روبرت أوبراين، أول من أمس الثلاثاء، أن "كل الخيارات مفتوحة" فيما يتعلق بجماعة الحوثيين في اليمن. وكانت السعودية سبّاقة في السعي وراء هذا التصنيف، بعد أن رمت بثقلها وراء لمّ شمل البرلمان الموالي للحكومة الشرعية في جلسة انعقاد واحدة بمدينة سيئون أواخر إبريل/نيسان 2019، لهدف رئيسي هو إقرار مشروع قانون يمني يصنّف الحوثيين على لوائح الإرهاب.

ونصّ مشروع القانون اليمني الذي لم يخرج للنور يومها، على اعتبار جماعة الحوثيين، وكل من ينتمي إليها بجميع تكويناتها ومسمياتها من مرجعيات دينية واجتماعية ومجالس سياسية ومشرفين ومدنيين وعسكريين، جماعة إرهابية، واعتبار كل ما صدر عن الجماعة من تعيينات وتكليفات أو أحكام باطلا، ولا تترتب عليه آثار سواء بحق الدولة أو الأفراد. كما اعتبر المشروع، أن كل ما أقدم عليه الحوثيون منذ انقلابهم واستيلائهم على الدولة، أعمال إرهابية مجرّمة وفقاً للدستور اليمني والقوانين السارية. بالتالي يجب فرض أقصى العقوبات عليها، وفقاً لقانون العقوبات اليمني، كتهمة تندرج تحت بند "الخيانة الوطنية" و"التخابر مع إيران" و"تلقي الدعم من جيشها المتمثل بالحرس الثوري". ولم تحقق الرياض في حينه المأمول من جلسة البرلمان اليمني، ودعا عدداً من النواب حينذاك، وعلى رأسهم نائب رئيس المجلس، عبدالعزيز جباري، الشرعية للتريث قبل إقرار القانون.

وعلى الرغم من تأكيده أنها مليشيا مسلحة انقلبت على الدولة بقوة السلاح، وارتكبت جرائم لا حصر لها بحق الشعب، اعتبر جباري في الجلسة اليتيمة لبرلمان الشرعية في مدينة سيئون، أن التصنيف "سيقطع فرص مفاوضات السلام مع جماعة الحوثيين مستقبلاً، ولن تكون هناك صفة قانونية لإجراء محادثات مع جماعة إذا تم اعتبارها إرهابية".

مع العلم أنه بعد هجوم "أرامكو"، حثّ المندوب السعودي في مجلس الأمن، عبدالله المعلمي، أعضاء المجلس، على "وقف التهديد المحدق بأمن الطاقة العالمية والعملية السياسية الخاصة باليمن والأمن الإقليمي، بعد تبيان مسؤولية الحوثيين الذين تساندهم إيران عن الهجوم الإرهابي".

من جهتها، تعتبر الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، أن تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية ليس مطلباً رسمياً فحسب، بل شعبي أيضاً، وذلك نظراً لجرائم الحرب التي اقترفتها منذ نحو 6 سنوات في غالبية المدن اليمنية، وتجعلها في مرتبة واحدة مع تنظيمي "داعش" و"القاعدة". ويرى مراقبون أن الحوثيين يتفوقون على "القاعدة" و"داعش" بامتلاكهم حاضنة اجتماعية داخلية وقدرات سياسية لإقامة تحالفات خارجية.

وفي مقابل الحماسة التي تبديها الحكومة الشرعية تجاه الخطوة الأميركية، تحذّر وكالات الإغاثة الدولية والأممية العاملة في اليمن من خطورة الخطوة، لما لذلك من انعكاسات على الوضع الإنساني والاقتصادي الهش. وبعد مخاوف كبيرة أفصح عنها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أبدى رئيس المجلس النرويجي للاجئين، يان إيغلاند، أواخر الأسبوع الماضي، قلقه البالغ إزاء احتمال خلق عقبات إضافية لا يمكن تجاوزها أمام تقديم المساعدات. ولفت إلى أنه إذا مضت الولايات المتحدة قدماً في هذه الخطوة، فعليها إصدار "إعفاءات واضحة لا لبس فيها"، من شأنها أن تسمح لعمّال الإغاثة بالعمل من دون الخشية من التداعيات القانونية.

وفيما أبدى طيف واسع من اليمنيين، لاسيما المناهضون للانقلاب الحوثي، دعمهم للقرار الأميركي المحتمل، أعرب آخرون عن مخاوفهم، وقالوا إن السلبيات التي سيجلبها أكثر من الإيجابيات، وسيزيد من تفاقم الكارثة الإنسانية المتردية.

في السياق، رأى الباحث عبد الناصر المودع، أنه في حال تم اعتماد القرار، فإنه لن يعود بالضرر الكبير على الحوثيين، كونهم عملياً تحت الحصار وعلاقاتهم الخارجية محدودة، ولا تعاملات مالية واضحة ورسمية لهم مع العالم الخارجي. وقال في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "معظم العمليات المالية للحوثيين تتم بشكل سري عبر قنوات خاصة توفرها إيران والأطراف الدائرة في فلكها، إلى جانب عمليات التهريب التي يستخدمونها في تهريب السلاح وغيرها من المعدات المحظورة. لذلك، فإن هذا القرار سيزيد من المشاكل لليمنيين وسيصعب عمليات التحويلات المالية والتجارية من وإلى اليمن، والتي ستخضع لتدقيق خاص من قبل هذه المؤسسات".


تحذّر وكالات الإغاثة الدولية والأممية العاملة في اليمن من خطورة تصنيف الحوثيين على لوائح الإرهاب

وأضاف أنه "في المجمل، هذا القرار لن يغيّر من واقع العمليات العسكرية على الأرض ولن يُضعف الحوثيين كثيراً، غير أن معظم سكان اليمن ستزداد معاناتهم بسببه، وستزيد كلفة استيراد السلع الغذائية والتحويلات النقدية. كما أن اليمنيين في الخارج سيتعرضون لمزيد من التضييق حال رغبتهم في السفر وفتح حسابات مصرفية، فكل يمني سيصبح متهماً بأنه حوثي أو متعامل مع الحوثيين حتى يثبت العكس".

وتتزايد المخاوف في الشارع اليمني، كون جماعة الحوثيين تقدّم نفسها كسلطة أمر واقع تحكم صنعاء والمحافظات الأكثر كثافة سكانية في شمال اليمن، وبالتالي ستصبح جميع الشركات والمصارف التي تقدم الضرائب والجمارك للسلطات الحوثية بأنها "داعمة للإرهاب". ويتوقع مراقبون تكيّف جماعة الحوثيين، في حال صدور القرار مع الأمر، والاستفادة من خبرات الحرس الثوري الإيراني، أبرز حلفاء الجماعة المُدرج هو الآخر في قائمة المنظمات الإرهابية، وذلك عبر توسيع نشاط السوق السوداء في التعاملات المالية داخلياً وخارجياً.

بدوره، اعتبر الباحث اليمني، مصطفى ناجي، أن ‏"فكرة تصنيف الجماعة الحوثية على لائحة الإرهاب، لا تقل سوءاً عن فكرة التعامل معهم على أنهم فصيل سياسي وحمائم سلام وسند في مكافحة الإرهاب. في الحالتين سيتضرر اليمنيون".