تصعيد تركي ضد "العمال الكردستاني" في العراق

تصعيد تركي ضد "العمال الكردستاني" في العراق

23 يناير 2021
زار أكار العراق الإثنين الماضي وأبدى استعداد تركيا للعمل العسكري المشترك (الأناضول)
+ الخط -

يتعامل العراق مع مخرجات زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي أكار والوفد المرافق له، يوم الاثنين الماضي، بتعتيم، على عكس العادة في زيارات مماثلة، رغم أن جميع المؤشرات تدل على ارتباطها بشكل أساس بموضوع حزب "العمال الكردستاني"، خصوصاً بعد أن تجدد أمس الجمعة القصف الجوي التركي على مواقع الحزب شمالي أربيل، تزامناً مع تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس الجمعة، ترجح التوجه نحو الخيار العسكري التركي في سنجار. مع العلم أنه تم توقيع اتفاقية سنجار في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بين بغداد وأربيل، بهدف إخراج كافة الجماعات المسلحة منها. وقال أردوغان، عقب أداء صلاة الجمعة في مدينة إسطنبول، للصحافيين أمس: "لدي عبارة أقولها دائماً: قد نأتي على حين غرة ذات ليلة"، في إشارة إلى إمكانية تنفيذ عملية تركية مباغتة في سنجار. وأوضح أن وزير الدفاع أكّد عقب زيارة العراق استعداد تركيا لتقديم الدعم لطرد "العمال" من سنجار في حال طلبت الحكومة العراقية ذلك منها. ورداً على سؤال عما إذا كان التصريح بمثابة إشارة لتنفيذ عملية مشتركة، أكّد أردوغان أن الجانب التركي مستعد دائماً لتنفيذ العمليات المشتركة.

الجانب التركي تحرّى خلال الزيارة عن مصادر تمويل حزب العمال الكردستاني

 

وكان أكار قد أجرى سلسلة لقاءات ومباحثات مع مسؤولين في بغداد، قبل انتقاله إلى أربيل، غير أنه لم تصدر عن المسؤولين العراقيين بيانات واضحة تكشف ما تم التوصل إليه خلال الزيارة أو حتى ما جرى بحثه على وجه التحديد. مع العلم أن أكار التقى نظيره العراقي جمعة عناد، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، والرئيس برهم صالح، ووزير الداخلية عثمان الغانمي، ورئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان البارزاني، ورئيس وزراء الإقليم مسرور البارزاني، ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني في أربيل. وفي ختام الزيارة قال وزير الدفاع التركي إن "المرحلة المقبلة ستشهد تطورات مهمة على صعيد تعاون أنقرة مع كل من بغداد وأربيل في مكافحة الإرهاب". في المقابل، اكتفى المسؤولون العراقيون بإصدار بيانات صحافية وضعت الزيارة في إطار "توطيد العلاقات". وحول زيارة أكار، أفادت مصادر سياسية في بغداد لـ"العربي الجديد" بأن الوفد التركي ركّز على ملف تهديدات حزب "العمال الكردستاني" بشكل رئيسي، واضعاً بغداد أمام خيار فرض سيطرتها على أراضيه الحدودية ومنع تشكيلها تهديداً على الجيران (تركيا)، أو منح الحق لأنقرة في الدفاع عن أمنها. وأكد عضو في البرلمان العراقي لـ"العربي الجديد" بأن هناك بوادر حملة عسكرية تركية جديدة على البلدات العراقية ضمن إقليم كردستان، التي يحتلها عناصر من حزب "العمال"، ويشنون من خلالها هجمات على الأراضي التركية المجاورة، مثل بلدات سيدكان وسوران وحفتانين وزاخو وغيرها. ولفت إلى أن الأتراك عرضوا تقديم المساعدة لبغداد وأربيل من أجل استعادة سيطرتهم على المناطق التي يوجد بها مسلحو "الكردستاني". لكنه أشار إلى وجود حسابات داخلية تتعلق بالقوى السياسية الحليفة لإيران وكذلك الفصائل المسلحة التي تملك رؤية أخرى. ورجح أن يؤدي عجز بغداد وأربيل عن التحرك نحو الملف واتخاذ موقف واضح فيه إلى شنّ أنقرة عملية واسعة جديدة في الشهرين المقبلين. وخلال لقاء جمعه بأكار، في أربيل، أعرب رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان البارزاني، عن رفضه استخدام الأراضي العراقية لتهديد تركيا وبقية الدول المجاورة. وشدّد البيان على ضرورة حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة. وأضاف البيان أنه "جرى بحث سبل تنمية علاقات العراق وإقليم كردستان مع تركيا في كل المجالات، وأوضاع المنطقة بصورة عامة، واتفاق تطبيع أوضاع سنجار (غربي محافظة نينوى) وأهمية تنفيذه، وأهمية حماية الحدود وأمنها". من جهته، أشار القيادي في الحزب "الديمقراطي الكردستاني" ماجد شنكالي إلى أن "زيارة أكار ورئيس أركان الجيش التركي (يشار غولر) إلى بغداد هدفها الرئيسي حزب العمال الكردستاني وإخراجه من مناطق سنجار ومخمور وقنديل، بعد التنسيق مع بغداد وأربيل، وتطبيق اتفاقية سنجار". واستبعد شنكالي في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن يكون هناك اتفاق بين الأطراف الثلاثة (أنقرة، بغداد، أربيل) بشأن شنّ عمليات عسكرية ضد "العمال الكردستاني". لكنه أكد في الوقت نفسه أن حزب العمال تجهّز خلال الفترة الماضية للمواجهة العسكرية الشاملة. من جهته، اعتبر الباحث الكردي كفاح محمود في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "عمليات القصف التركي على حزب العمال الكردستاني مستمرة منذ سنوات، وهي غير مرتبطة بأي زيارة أو لقاء دبلوماسي بين العراقيين والأتراك. بالتالي، فإن هدف الزيارة الأخيرة للمسؤولين الأتراك هو إقرار المزيد من التعاون من أجل تأمين الحدود المشتركة بين البلدين، وتحديداً من جهة سنجار". ووفقاً لمحمود الذي عمل سابقاً مستشاراً سياسياً لرئيس إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني، فإن "الجانب التركي تحرّى خلال الزيارة عن مصادر تمويل حزب العمال الكردستاني، ولا سيما مع تزايد الشكوك بدور هيئة الحشد الشعبي في دعمه بالتسليح والرواتب". وتطرق إلى "تسريب معلومات تفيد بأن أكثر من 1800 عنصر من العمال الكردستاني يتقاضون رواتب من الدولة العراقية على أنهم عناصر من فصيلي (عصائب أهل الحق) و(كتائب حزب الله)". وأضاف أن "الأتراك وضعوا العراق أمام عدة خيارات، أبرزها وقف التعاون بين العمال الكردستاني وفصائل في الحشد الشعبي، وإلا فإن أنقرة ستعمل على بناء قاعدة عسكرية تركية في سنجار لاستئصال الإرهاب، كما في بعشيقة". وكان القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، شيراز قاسم، قد أعلن عقب اتفاق تطبيع الأوضاع في مدينة سنجار عن تسلّم أعضاء من حزب "العمال الكردستاني" رواتب من الدولة العراقية بعد تسجيلهم ضمن "هيئة الحشد الشعبي" هناك. وكشف في حينه أن "عناصر حزب العمال الكردستاني موجودون داخل سنجار، وأن قسماً من قواتهم سُجّلوا على أنهم أفراد من الحشد الشعبي ويتلقون رواتبهم من الحكومة العراقية". وهو ما نفاه "الحشد" وقتها على لسان المتحدث باسمه في شمال العراق، علي الحسيني.

أنقرة قد تعمل على بناء قاعدة عسكرية تركية في سنجار  كما في بعشيقة

 

في سياق متصل، نقلت صحيفة "المدى" المقرّبة من حكومة إقليم كردستان عن مصدر مقرّب من الحوارات العراقية ــ التركية قوله إن "أنقرة أبلغت بغداد في آخر يوم من العام الماضي نيتها شنّ حرب واسعة، إذا لم تستطع الأخيرة طرد حزب العمال". وأضاف أن الوفد التركي "جاء ليؤكد تلك التحذيرات ويقدم بالمقابل عروض المساعدة"، متحدثاً عن "مهلة للعراق من أجل إنهاء ملف حزب العمال على أراضيه". ونقلت الصحيفة نفسها عن عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، هريم كمال، قوله إن "تركيا تنوي تنفيذ حملة عسكرية واسعة، خصوصاً مع تبدل الإدارة في واشنطن". لكنه اعتبر في الوقت نفسه أن "بغداد ربما لن تقبل أي تسوية لملف حزب العمال، من دون مغادرة القوات التركية الأراضي العراقية". وبحسب كمال، فإن "لتركيا أكثر من 30 نقطة وثكنة عسكرية داخل الأراضي العراقية".

المساهمون