بين ترامب وبايدن.. توق فرنسي للتغيير بلا طموحات كبيرة

بين ترامب وبايدن.. توق فرنسي للتغيير بلا طموحات كبيرة

01 نوفمبر 2020
لم تكن العلاقة بين باريس وواشنطن فاترة إلى هذا الحد قبل استلام ترامب زمام السلطة (Getty)
+ الخط -

قرع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جرس إنذار في مقابلته مع مجلة ذي إيكونوميست البريطانية، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عندما قال إن أوروبا متشائمة بشأن مستقبل العلاقة مع الولايات المتحدة، وخصوصاً سير العمل في حلف شمال الأطلسي، إذ اعتبره "ميتاً سريرياً". وشهدت العلاقات بين واشنطن وباريس، المعبّر الفعلي عن الموقف الأوروبي مع برلين تجاه الولايات المتحدة، سلسلة من الإخفاقات، كان أبرزها إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ، تلاها نذر اندلاع حرب اقتصادية مع فرض ترامب رسوماً جمركية عقابية بنسبة 25 في المائة على صادرات فرنسية بقيمة 1.3 مليار دولار سنوياً، رداً على الضريبة التي فرضتها باريس على شركات الإنترنت الأميركية العملاقة، وفي مقدمتها "غوغل".

لم تكن العلاقة بين باريس وواشنطن فاترة إلى هذا الحد قبل استلام ترامب زمام السلطة، ويبدو أن فرنسا تتوق إلى تغيير يعيد الأمور إلى مسارها، لا سيما أن الولايات المتحدة بالنسبة لها، ولدول الاتحاد الأوروبي بشكل عام، حقيقة مستعصية كونها تعتمد على واشنطن في مجالات الدفاع والأمن، بينما خلال عهد ترامب لم تكن باريس وواشنطن على النغمة نفسها في ملفات إيران وسورية والصين.

لتلك الأسباب، تجد الانتخابات الرئاسية الأميركية الحالية اهتماماً خاصاً في فرنسا، تعكسه الساعات التي تخصصها وسائل إعلام فرنسية لمتابعة مجريات هذا الحدث التاريخي، فبعض الآراء تقول إن الرئيس المقبل للولايات المتحدة سيحدد مستقبل فرنسا وأوروبا مع الولايات المتحدة، في وقت تحاول فيه القارة العجوز أن تجد طريقاً أكثر استقامة لتقليل اعتمادها على أميركا.

واستعداداً لتغطية الانتخابات الأميركية؛ أرسلت شبكة القنوات التلفزيونية الفرنسية المحلية فريقاً من صحافيين وفنيين مؤلفاً من حوالي خمسين شخصاً. وقال أموري غيبر، نائب مدير هيئة التحرير الوطنية للمجموعة العامة للقنوات الفرنسية الحكومية، في تصريحات لوكالة "فرانس برس"، إن "عدد الفريق الإعلامي الذي أرسلناه لتغطية الانتخابات غير مسبوق بالنسبة لنا... هذا حدث تاريخي". وهو كلام يتقاطع مع حديث هيرفي بيرود، نائب الرئيس التنفيذي لشركة "التيس ميديا"، المسؤولة عن بث كبرىيات القنوات التلفزيونية الفرنسية مثل "بي إف إم" الإخبارية، الذي قال: "نحن ننظر إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية بعناية شديدة في فرنسا". في حين وصفت مقدمة برنامج "سي دان لاير" السياسي الذي يحظى بمتابعة كبيرة على قناة "فرنسا 5" كارولين رو، هذه الانتخابات بأنها "يمكن أن تغير وجه العالم".

استعداداً لتغطية الانتخابات الأميركية؛ أرسلت شبكة القنوات التلفزيونية الفرنسية المحلية فريقاً من خمسين صحافياً وفنياً

وعلى الرغم مما فعله ترامب بعلاقات واشنطن مع باريس؛ فإن فرنسا تنظر بترقب أيضاً إلى منافسه جو بايدن، والذي على الرغم من كونه شخصية أكثر تقليدية بالنظر إلى العلاقات التاريخية لأميركا مع أوروبا؛ فإنه قد يستغل الشرخ الذي تسبب به ترامب في العلاقة مع ألمانيا، عندما سحب 11 ألفاً و900 جندي أميركي بسبب ما قال الرئيس الأميركي حينها إنه "عدم التزام ألمانيا بدفع مزيد من الأموال" لحلف شمال الأطلسي، وبالتالي لن تكون تسوية هذا الأمر وفق الشروط التي كانت قائمة سابقاً، الأمر الذي قد يدفع برلين إلى القبول بشروط أميركية كثيرة تبعدها عن باريس، حليفها الأبرز في التكتل الأوروبي.

وكان قد تحدّث عن هذا السيناريو لإصلاح ما فعله ترامب مع ألمانيا، الخبير الاقتصادي الفرنسي أنطوان سانتوني، الذي اعتبر في مقالة نشرها في مجلة "لوبنيون" الفرنسية في 27 أكتوبر/تشرين الأول، أنه يشكل قلقاً في أروقة الإليزيه، نظراً للعلاقات المتناسقة بين ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. فمن وجهة نظر سانتوني، فإن الاتحاد الأوروبي مفكك اليوم أكثر من أي وقت مضى، لا سيما في الجانب الأمني والعسكري. فضلاً عن ذلك، فإن حتمية إنجاز البريطانيين خروجهم من الاتحاد الأوروبي ستعني بلا شك انحيازهم أكثر إلى السياسة الأميركية.

أمام هذه السيناريوهات الشائكة، يبقى التأثير الذي قد يكون إيجابياً على فرنسا في حال فوز بايدن، هو تأخير صعود اليمين المتطرف، جراء الفوضى العالمية التي أحدثها فوز ترامب عام 2017، لكن ما دون ذلك، أصبحت باريس في منتصف الطريق بحثاً عن شكل من أشكال الاستقلال الاستراتيجي والدبلوماسي عن الولايات المتحدة، الأمر الذي سيمنعها ربما من القيام بما يسميه الفرنسيون عندما يضلّون الطريق "دومي تور"، أي الالتفاف والعودة.

المساهمون