بناء السلام من "زوم"

بناء السلام من "زوم"

08 ديسمبر 2020
لم يستثمر غريفيث الفرص لتحقيق السلام (فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -

إذا فكرنا بإجراء جردة للجهود الأممية في الأزمة اليمنية خلال العام 2020، لن نعثر على بصمات حقيقية، حتى أن الإنجاز اليتيم المتمثل بالإفراج عن 1065 أسيراً ومعتقلاً، يدين كثيرون بالفضل فيه للجنة الدولية للصليب الأحمر.
هذا العام، كانت فرص السلام تلوح أكثر من أي وقت مضى، توافرت للمبعوث الأممي مارتن غريفيث كافة الظروف المواتية مع تفشي جائحة كورونا والكساد الاقتصادي الذي ضرب دولا عدة ولم تكن السعودية بمنأى عنه، وانهارت العملة اليمنية ولاح شبح الجوع، لكنه لم يستثمر ذلك جيدا، واكتفى بمراقبة الوضع عبر تطبيق "زوم".

المبعوث المكلف من مجلس الأمن لحل أسوأ أزمة إنسانية في العالم، لم يزر اليمن منذ منتصف مارس/آذار الماضي، أصبح نازحاً في تطبيق "زوم" يبني فيه السلام بطريقة عكسية. عندما أطلت جائحة كورونا، بعد آخر زيارة قام بها إلى مأرب وصنعاء في الربع الأول من مارس، طرح غريفيث ما يسمى بـ"الإعلان المشترك لوقف إطلاق النار"، وكانت النتيجة بما لا يشتهيه اليمنيون، فاستعرت المعارك من الجوف إلى مأرب والبيضاء وتعز والحديدة، كما أن المشاورات المباشرة في السويد لم تحصل، والجولة الثانية من اتفاق الأسرى تأجلت لأسباب غامضة.
من المؤسف أن تشاهد الأمم المتحدة الريال اليمني ينهار متجاوزاً عتبة الـ900 ريال أمام الدولار الواحد والقذائف تلتهم 139 مدنياً في أسبوعين فقط في الحديدة وتعز، فيما مبعوثها يشارك في فعاليات المجتمع المدني حول كيفية بناء السلام في اليمن.

بعد نحو 3 أعوام من تعيينه مطلع فبراير/شباط 2018، لا يزال المبعوث الأممي يجمع وجهات نظر الشباب حول الحلول الممكنة لوقف الحرب، وكأنه في الأسبوع الثالث من توليه المهمة ويريد معرفة جذور الأزمة اليمنية. منذ مارس، وباستثناء زيارتين إلى الرياض، اكتفى المبعوث الأممي بتأدية دور الناشط. استسهل اللقاءات مع المجتمع المدني أكثر من أطراف الصراع، ففي الأسبوع الماضي فقط، عقد لقاءات مع ممثلين من المجتمع المدني في مدينة تعز، ومع 150 شاباً يشاركون في مؤتمر الشباب اليمني الافتراضي عبر "زوم" لبث الأمل في نفوس الشباب والفتيات.

في حوار مع برنامج "مستيقظ طوال الليل"، والذي نشرته مواقع أممية أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال غريفيث إن مهمة الوسيط الأممي هي "بث الأمل بين الناس ونشر فكرة أنه يمكن أن يكون هناك حل لهذا النزاع، وإعطاء نوع من الرؤية لشعب اليمن، بأنّ هذا الوضع لن يستمر إلى أجل غير مسمى". يا لهذه الروعة الأممية التي تمدّ اليمنيين بأطنان من الأمل شهرياً لإنقاذهم من شبح الجوع وتحميهم من بارود القتلة، وفوق هذا تطمئنهم بأن الحرب لن تستمر إلى أجل غير مسمى. ماذا يريد الناس في اليمن أكثر من هذا الجواب الشافي! بالمنطق الأممي، الحرب لن تستمر حتى قيام الساعة، ستنتهي في ذكراها الثامنة أو بعد عقدين أو في اليوبيل الفضي لاجتياح الحوثيين صنعاء. ستنتهي بعد انتهاء اليمنيين.

السلام لا يُبنى من تطبيق "زوم"، ممارسة الضغط المباشر على الأطراف والتلويح بعصا العقوبات الدولية هو الحل الأجدى مع أطراف ليسوا سوى تجار حروب يستثمرون فيها لتحقيق مصالح شخصية، وهذا النوع من البشر بحاجة أن يتحول الوسيط الدولي أمامهم إلى نحلة تقض مضاجعهم ليل نهار، وتوضح لهم مدى قتامة الوضع داخل اليمن بسبب أفعالهم، فما يقترفونه لا يبعث على أي أمل.