بايدن ونتنياهو وقصة التباين بينهما حول رفح

بايدن ونتنياهو وقصة التباين بينهما حول رفح

02 ابريل 2024
يحتمي نحو 1.5 مليون نازح فلسطيني في مدينة رفح كملاذ أخير في القطاع المحاصر (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد مباحثات استمرت ساعتين بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية حول رفح، انتهى الاجتماع دون تفاهم ملموس، مع الاتفاق على متابعة البحث في واشنطن، مما يعكس التباينات خاصة في حماية المدنيين واعتراضات أميركا على اجتياح إسرائيل للمدينة.
- الوضع في غزة يضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن مع اقتراب الانتخابات، حيث تظهر الاستطلاعات تحول الرأي العام الأميركي ضد الحرب في غزة، مما يستغله منافسو بايدن لكسب دعم الناخبين ويعكس تغير النظرة الأميركية تجاه إسرائيل.
- الخلافات حول رفح تعكس شكوك الإدارة الأميركية في نوايا نتنياهو وتأثيرها على السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، مع تردد واشنطن في دعم خطة نتنياهو وضغوط داخلية لإعادة تقييم العلاقة مع إسرائيل.

بعد حوالي ساعتين من المباحثات عبر الفيديو، بعد ظهر الاثنين، بين فريقي الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية حول موضوع رفح، انفض الاجتماع الافتراضي كما بدأ. لا تفاهم سوى على متابعة البحث مع وفد إسرائيلي يحضر إلى واشنطن الأسبوع المقبل لهذا الغرض، من دون تحديد اليوم والتاريخ، وعلى أن تجري المحادثات على مستوى خبراء وليس وزراء كما كانت أمس.

خفض المستوى عزز الاعتقاد بأن التباين بينهما أبعد من قضية حماية المدنيين التي تتذرع بها الإدارة لتبرير اعتراضها على قرار إسرائيل اجتياح المدينة. فلو كان الأمر كذلك لكان الأحرى بها التمسك بهذه الحيثية وبالإصرار نفسه الذي تؤكد عليه الآن قبل إبادة 32 ألفاً من الغزيين. المسألة في الوقت الراهن وبعد 6 أشهر من حرب الفتك والتجويع، صارت في واشنطن مسألة حسابات انتخابية والتزامات بعيدة المدى.

حرب غزة تلاحق الرئيس الأنيركي جو بايدن كظلّه في جولاته الانتخابية. أينما ذهب يواجه التظاهرات والبيانات والاعتراضات. ومعظمها من داخل بيته الديمقراطي. ومعها يهبط، أو، في أحسن الأحوال، يتعثر رصيده في الولايات الأساسية في ترجيح كفة الانتخابات. والأخطر أن هناك بوادر لتعاظم التيار المناوئ للحرب وبما يذكّر باجواء حرب فيتنام التي كلفت الحزب الديمقراطي آنذاك في انتخابات 1968 خسارته البيت الأبيض. طبعاً الفارق كبير بين الحربين والأجواء المناوئة لهما. لكن الفارق أيضاً أن وضع الرئيس بايدن أضعف ورصيده معطوب أصلاً، ولو أن مالية حملته والتبرعات لها أكبر بكثير من مالية منافسه الجمهوري دونالد ترامب وأن هناك مؤشرات مبكرة إلى وجود ميل ملحوظ في أوساط الكتلة الانتخابية نحو الحزب الديمقراطي الذي فاز مرشحوه أخيراً في انتخابات استثنائية في بعض الولايات، ومنها المحافظة تاريخياً مثل ألاباما.

تأثير مشاهد غزة أكدته الاستطلاعات التي كشف آخرها والموثوقة أرقامه (غالوب) أن الرأي العام الأميركي انتقل إلى الضفة المناوئة لحرب غزة بأكثرية 50% بعد أن كان 45% قبل 3 أشهر. تحوّل سارع ترامب إلى التقاطه لمخاطبة الشريحة الرافضة للحرب. في مقابلة مع صحيفة إسرائيلية، دعا الرئيس السابق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إنهاء الحرب "لأن إسرائيل بدأت تخسر دعم الرأي العام". قبل أسبوع كان قد دعاها إلى تصعيد عملياتها "لحسم" الحرب بسرعة. الآن تغيّرت نغمته مع التغيير الذي سجلته الاستطلاعات في أوساط الرأي العام.

رافق ذلك وما زال تصاعد نبرة خطاب الإدانة لإسرائيل، وبالتحديد ضد نتنياهو وحكومته، والذي ذهب بعضه إلى حدّ المطالبة بوجوب إعادة النظر في العلاقة مع إسرائيل التي "باتت عبئاً استراتيجياً على أميركا" (الباحث والأستاذ الجامعي جون هوفمن).

ومع أنها دعوة صوتية لا أكثر في ظروفها الراهنة، إلا أنها تعكس حالة مكبوتة بدأت تعبيراتها تخرج بصورة أو بأخرى في أكثر من وسط سياسي وإعلامي ونخبوي، وبما أثار دخول "نواطير" إسرائيل على الخط (مثل جون بودهوريتز وآرون ديفيد ميلر) من باب الدعوة إلى تفهم الموقف الإسرائيلي وإبداء التفهم للمشاكسة التي يمارسها نتنياهو مع البيت الأبيض.

أيضاً سجل الاعتراض في صفوف الديمقراطيين في الكونغرس، وبالأخص في مجلس الشيوخ، نبرة أعلى مع توجيه الملامة وبلغة ساخطة إلى الرئيس بايدن لسكوته المديد على انتهاكات نتنياهو بل تزويده بالمزيد من الأسلحة والذخائر المدمرة.

الآن قبل 7 أشهر من الاستحقاق الرئاسي، يواجه الرئيس ضغوط قسم من حزبه إضافة إلى انقلاب الرأي العام ضد الحرب. وهذا ما يفسر جانباً من ممانعته لنتنياهو في موضوع رفح.

الجانب الثاني لا يقل أهمية، بل هو الأهم على المدى الأبعد، ويتمثل في شكوك الإدارة بنوايا نتنياهو في موضوع رفح. فالتصور أن غايته من عملية رفح ليست "إنجاز" المهمة بقدر ما هي خلق وضع أمني وإنساني يبرر له تسويق احتلال مديد للقطاع بذرائع ضبطه وضمان أمن جنوب إسرائيل وبما ينسف أي مسعى باتجاه الخيار السياسي الذي تتحدث عنه الإدارة، فصحوة واشنطن على حل الدولتين جاءت على أرضية قناعة أميركية بأن أمن إسرائيل على المدى الطويل بات مرتبطاً بحل فلسطيني ما.

في عمق هذا الطرح أن 7 أكتوبر/ تشرين الأول كسر الرادع الأمني الإسرائيلي وهالته إلى غير رجعة. البديل، وفق هذا التشخيص، إما ضمان أميركي يقضي بأن تهرول القوات الأميركية إلى شواطئ إسرائيل عند كل هزة مشابهة وإما تسوية سياسية تضمن عدم تكرار طوفان من هذا النوع. الأول من شأنه أن يحول حماية إسرائيل إلى عبء تتفاقم مشاعر التعب الأميركي منه. وقد بدأت بعض ملامحه بالظهور في سياق ردود الفعل الجارية على الحرب. والثاني لا تبدو الإدارة أنها حاسمة بشأنه. فهي تطرحه بصورة ملتبسة وتفترض أنه بإمكانها إقناع إسرائيل به، في حين هي لا تقوى أو بالأحرى لا ترغب في منع نتنياهو من دخول رفح. وكيف تمنعه وهي لا تزال تفتح حنفية تسليحه على مداها، وحتى لو وصلت إلى وضع قيود شكلية على استخدام بعض الأسلحة التي تزود إسرائيل بها، وبما يجعل من التباينات بينهما حول إدارة الحرب ومآلاتها مسألة عابرة لم تذهب حتى الآن إلى أبعد من فرض عقوبات على حفنة مستوطنين ومن الامتناع عن التصويت على قرار لوقف إطلاق نار مؤقت في مجلس الأمن.