اليمن... خريطة التجويع الشامل

اليمن... خريطة التجويع الشامل

01 ديسمبر 2020
باتت المجاعة تقرع أبواب اليمنيين بشكل حقيقي (عيسى أحمد/فرانس برس)
+ الخط -

تعلن أطراف النزاع اليمني أنها حريصة على دعم الجهود الأممية في إنجاح خريطة الحل السياسي الشامل وإنهاء الحرب لما فيه مصلحة الشعب، لكن الواقع المؤسف هو أن الجميع، من متحاربين داخليين، ووكلاء إقليميين، ووسطاء دوليين، قد اتفقوا على عملية تجويع شاملة للشعب اليمني الذي لا يعرفون حجم تعداده الحقيقي. لم يعد الأمر هذه المرة مجرد تحذيرات للاستعطاف والاستهلاك الإعلامي، فبعد الانهيار القياسي للريال اليمني، بوصوله إلى 875 أمام الدولار الواحد، مرتفعاً من 214 ريالاً قبل الحرب، باتت المجاعة تقرع أبواب اليمنيين بشكل حقيقي، مستفيدة من تسهيلات قدّمها الجميع بلا استثناء.

الحكومة الشرعية، والتي يفترض أن تكون حريصة على حياة اليمنيين كافة، تركت حتى المدن الواقعة تحت سيطرتها للفصائل والمليشيات المسلحة، وحشدت قدراتها كافة في صحاري وجبال مدغل بمحافظة مأرب لمواجهة المدّ الإيراني، وفي شقرة بأبين، لمواجهة القوات الانفصالية، ولذلك أفسحت الطريق بشكل كامل للمجاعة وسماسرة العملة ليعبثوا بالبلاد.

في المقابل، جماعة الحوثيين، التي تحكم الكتلة السكانية الأكبر بالبلاد، من صنعاء إلى الحديدة، وتستخدمها للمتاجرة السياسية، تنهب الإيرادات شمالاً وغرباً، وتحرم الموظفين حتى من نصف راتب كل شهرين، بحجة أن مواردها تضررت هذا العام جراء فيروس كورونا الذي لم تعترف بوجوده أصلاً، وكأن مطار صنعاء كان يستقبل مليون سائح سنوياً قبل 2020.

من سوء حظ الشعب اليمني أنه وقع بين فكّي سلطات وأطراف انتهازية لا تفكر سوى في مصلحتها، حتى وإن امتدت الحرب إلى عقود عدة. لا أحد يكترث لما يحدث من كارثة اقتصادية ومجاعة ستزهق حياة ملايين البشر. طرف يتمسك بالمرجعيات الثلاث التي تضمن له الاستمرار في حكم بلد سيتحول إلى هياكل عظمية، وطرف لا هدف له سوى القيام بتعديل القوانين اليمنية المعمول بها منذ العام 1990 لتكريس حكمه الغاشم وخرافات التمكين الإلهي.

حتى الأمم المتحدة، التي تكتفي بدق ناقوس الخطر مع عقد كل جلسة لمجلس الأمن الدولي، لم تفكر جدياً في إيجاد حلّ جذري للانقسام المالي الحاصل بين مصرفي عدن وصنعاء، وذلك باعتماد عملة موحدة وسعر صرف واحد، ينهي الانهيار الاقتصادي المخيف.

من يصدق أنه جراء الانقسام الحاصل، ومنع سلطات الحوثيين تداول الأوراق الجديدة التي طبعها بنك عدن في مناطقها، أصبحت عمولة التحويل من عدن وتعز إلى صنعاء 50 في المائة، وأنه مع كل 100 ألف ريال تريد إرسالها لأحد معارفك المحروم من راتبه الشهري، ستذهب 50 ألفاً منها كعمولة لشركات الصرافة جراء التعسف الحوثي وانعدام السيولة النقدية هناك؟

لا يريد المواطن اليمني حالياً أكثر من تحييد الاقتصاد، وإذا ما عادت عبوة دقيق القمح إلى سعرها الطبيعي وأصبحت متاحة للفقراء كافة، فلا يهمه الاتفاق السياسي أو استمرار الحرب التي تكيّف معها، وإذا ما توفرت لقمة العيش لأولاده، فلتذهب جميع الأطراف وخريطة الحل الشامل إلى الجحيم. المزايدات المفضوحة لم تعد تنطلي على الشارع اليمني من قبل أطراف الصراع وأمراء الحرب. ومن يزعم أنّ هدف استمراره بالحرب هو الحفاظ على كرامة شعبه العظيم، في وقت يترك الباب مفتوحاً أمام أوبئة الكوليرا والضنك والجرب والدفتيريا وفوقهم الجوع، تفتك بالناس مثل المنجل، مجرّد كاذب، ولا يعمل سوى لصالح متحاربين بالوكالة.

المساهمون