المقاربة التركية الجديدة تجاه دمشق: المعارضة أمام "خيارات صعبة"

21 اغسطس 2022
يرفض الشارع السوري المعارض أي "مصالحة" مع النظام (محمد حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

تضع المقاربة التركية الجديدة للملف السوري، بالتمهيد لحوار مع نظام بشار الأسد، المعارضة السورية أمام خيارات صعبة، في ظل رفض واسع في الشارع السوري المعارض لأي "مصالحة" أو اتفاق مع النظام لا يلبي طموحات الشارع.

وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات للصحافيين الجمعة الماضي على متن الطائرة خلال عودته من أوكرانيا، أنه "يتوجب علينا الإقدام على خطوات متقدمة مع سورية، يمكننا من خلالها إفساد العديد من المخططات في هذه المنطقة من العالم الإسلامي".

وهذه المرة الأولى التي يتحدث بها أردوغان عن إجراء حوار مع النظام السوري بعد أكثر من 11 سنة من انطلاق الثورة، كانت خلالها أنقرة إلى جانب المعارضة السورية المطالبة بتغيير سياسي في البلاد، وفتحت الحدود أمام تدفق ملايين اللاجئين السوريين إلى أراضيها.


بركات: الحديث عن تغيّر في الاستراتيجية غير دقيق ربما

وتُعد تركيا اليوم الحليف الرئيسي والأهم للمعارضة السورية التي باتت على مفترق طرق، مع مقدمات التقارب بين أنقرة والنظام الرافض لكل القرارات الدولية، وفي مقدمتها بيان جنيف 1 (2012)، والقرار 2254 (2015)، واللذين رسما خريطة الحل النهائي في سورية.

وتشير المعطيات إلى أن التقارب التركي مع النظام جاء بدفع من الجانب الروسي الذي يريد بقاء بشار الأسد على رأس السلطة في سورية، ومنح المعارضة حقائب وزارية، بعيداً عن سياقات القرارات الدولية. وهو ما يرفضه الشارع المعارض، الذي عبّر عن ذلك من خلال التظاهرات الحاشدة يوم الجمعة قبل الماضي، والتي عمت الشمال السوري الخاضع للنفوذ التركي.

ولم يصدر عن الائتلاف الوطني السوري، والذي يتخذ من مدينة إسطنبول التركية مقراً له، ما يوضح موقفه بشكل جازم من المقاربة التركية الجديدة للقضية السورية، والتي كما يبدو فرضتها تحديات داخلية وخارجية شتى. 

لا بوادر تغيير بالاستراتيجية التركية

لكن أمين سر الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري عبد المجيد بركات أشار، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الائتلاف ليس لديه أي بوادر أو معطيات تشير إلى تبدّل في الاستراتيجية التركية تجاه الملف السوري"، مضيفاً: "ما يُطرح اليوم فرضيات لا تمس جوهر العلاقة بين قوى الثورة والمعارضة والجانب التركي". 

تقارير عربية
التحديثات الحية

وتابع: "في المقابل، ندرك أن لدى أنقرة محددات وأولويات تنطلق منها في تعاطيها مع الملف السوري، ولدينا في المعارضة ثوابت ومبادئ نستند إليها في تعاطينا مع مجمل الحالة السورية".

وأكد أنه "من خلال التواصل مع الجانب التركي لم يُلحظ أي تغيّر" مضيفاً: "تصريحات المسؤولين الأتراك لم تخرج عن سياق التوجه الدولي للتوصل إلى حل سياسي للقضية السورية، وتطبيق القرار الدولي 2254". 

وأشار إلى أنه "علينا أن نتفهم التصريحات التركية وسياقها"، متابعاً: "الائتلاف ينطلق من مبادئ الثورة في التعاطي مع العملية السياسية، وتركيا أكثر من حليف لقوى الثورة والمعارضة السورية. الحديث عن تغيّر في الاستراتيجية التركية تجاه القضية السورية ربما غير دقيق".

وتضم المعارضة العديد من المنصات السياسية المنضوية في "هيئة التفاوض"، والتي تشرف على عملية التفاوض مع النظام في مدينة جنيف، وفق القرارات الدولية، وأبرزها "منصة القاهرة"، و"منصة موسكو"، و"هيئة التنسيق الوطنية" التي تمثل معارضة الداخل السوري، إضافة إلى مستقلين. 
وتتمسك هذه المنصات بالقرارات الدولية ذات الصلة بالملف السوري، باستثناء "منصة موسكو" التي تتماهى تماماً مع الرؤية الروسية حيال الحل السياسي للقضية السورية. 

ويُعد الائتلاف الوطني السوري العنوان السياسي الأبرز لقوى الثورة والمعارضة السورية، وفق دبلوماسي سوري معارض، معرباً عن اعتقاده، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الائتلاف لن ينخرط في أي حراك سياسي لا يتوافق مع ثوابت الثورة"، مضيفاً: "لدينا ملاحظات على أداء الائتلاف، ولكنه حتى اللحظة متمسك بالثوابت، ولا أعتقد أنه من الممكن فرض أي اتفاقات عليه خارج ثوابت الثورة".

التوجه التركي متعدد الرؤوس

ورأى الدبلوماسي، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن التوجه التركي الجديد "متعدد الرؤوس بالمعنى السياسي"، مضيفاً: "يبدو أن الحكومة التركية تريد تخفيف الضغط عليها من الداخل، خصوصاً لجهة ملف اللاجئين الذي تحول إلى ورقة بيد المعارضة التركية قبيل عدة أشهر من الانتخابات". 


دبلوماسي معارض: لا يمكن فرض اتفاقيات خارج ثوابت الثورة

وتابع: "أنقرة تريد التخلص من الضغط الروسي من خلال إلقاء الكرة في ملعب النظام، وهي تدرك جيداً أنه لا يريد حلاً سياسياً للقضية السورية، إلا وفق رؤيته، ومن دون تقديم أي تنازلات للمعارضة، ومن ثم هي مناورة سياسية لإحراج الجانب الروسي الذي يضغط لإحداث تفاهم ما بين أنقرة ودمشق".

"المجلس الكردي" متمسك بالقرار 2254

وفي الجانب الكردي السوري، يعد المجلس الوطني الكردي أبرز التيارات السياسية الكردية المشاركة في مسار العملية السياسية التي تشرف عليها الأمم المتحدة، وهو جزء من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة. 

ويؤكد المجلس أنه متمسك بالقرار الدولي 2254، وهو "يعتقد حتى الآن بأن الحل السياسي المستدام يجب أن يكون من خلال هذا القرار" وفق المنسق العام لـ"حركة الإصلاح الكردي"، عضو "الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي" فيصل يوسف. 

وأضاف يوسف، في حديث مع "العربي الجديد": "أي توجّه آخر خارج هذا السياق يجب أن يكون من خلال مجلس الأمن الدولي". وأشار إلى أن "المسارات التي تفرعت عن جنيف (مسار تفاوضي ترعاه الأمم المتحدة بين المعارضة والنظام)، مثل أستانة وسوتشي، أو التي عقدت في جلسات غير رسمية، جميعها لم تفضِ لأي نتيجة ملموسة على أوضاع السكان والبلاد".

وتابع: "سورية بحجة لتوافق دولي لإنهاء أزمتها عبر حل يكفل معالجة مختلف القضايا، ولا يرتبط بمصلحة إقليمية أو دولية حالية في دعم هذا الطرف أو ذاك. بل يضع مصلحة الشعب السوري فوق أي اعتبار آخر".

ويعتقد يوسف أنّ "المرحلة تتطلب من جميع قوى المعارضة إجراء مراجعة دقيقة تبعدها عن مصالح التجاذبات الإقليمية والدولية وتنطلق من الأرضية الوطنية السورية"، مضيفاً: "هذا التوجه ليس سهلاً، لكن لابد من سلوكه والبدء بالخطوات الأولى".