الغنوشي وسيط "خلف الكواليس" في ليبيا وفلسطين

الغنوشي وسيط "خلف الكواليس" في ليبيا وفلسطين

23 مارس 2014
الغنوشي يستعد لوساطة في أكثر من ملف (فرانس برس)
+ الخط -

دخل زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، من "خلف الكواليس"، على الخط في الأزمة الليبية العاصفة التي تشهدها ليبيا منذ مدة، وتكاد تعصف بهذا البلد واستقراره في جو سياسي مشحون بين أطراف سياسية وعسكرية تتنازع مناطق السلطة جغرافياً (بين القبائل) واقتصادياً في ما له علاقة بالمخزون النفطي وموانئ تصديره، وسياسياً (بين الثوار والتيارات الدينية وأنصار معمّر القذافي).

الصراعات أسقطت أكثر من حكومة، وجعلت الثورة الليبية تراوح مكانها، ولا تتقدم بالسرعة المرجوّة في تشكيل المؤسسات الدستورية، والانتهاء من الفترة الانتقالية والذهاب إلى انتخابات تعيد إلى البلاد استقرارها ووحدتها.

وكانت "العربي الجديد" قد أكدت، في تقارير سابقة، على أن الشيخ راشد الغنوشي ـ بحكم المكانة التي أصبح يحتلها إقليمياً ـ أصبح يلعب دور الوسيط على أكثر من جبهة، بما فيها المسألة الليبية.

الغنوشي يصدّر النموذج التونسي

يرى الغنوشي أن تونس تعطي اليوم "نموذجاً للديموقراطية المشتركة"، وأن نجاح النموذج التونسي للتوافق والحوار الوطني، سمح لمجموعة من البلدان بتبني النهج نفسه، وهو ما يجري الآن في السودان حيث يتم حوار وطني بين المؤتمر الشعبي المعارض برئاسة حسن الترابي، والمؤتمر الوطني الحاكم الذي يرأسه الرئيس السوداني حسن البشير، كذلك في ليبيا".

ولكن تدخل الغنوشي في قضايا خارجية عربية وإسلامية لا يقتصر على البلدان العربية، فقد التقى زعيم حركة النهضة في تركيا بمسؤولين من "حزب السعادة" الإسلامي، وحاول "تقريب الرؤى بين مسؤولي هذا الحزب ومسؤولي حزب العدالة والتنمية الحاكم، اللذين أسسهما السياسي الإسلامي التركي نجم الدين أربكان، في وقت تعيش تركيا على وقع الانتخابات البلدية".

وعن زيارته للدوحة، قال الغنوشي إن القيادي في حركة "فتح" عزام الأحمد طلب منه التوسط بين الفصائل الفلسطينية، وأنه "قبل المهمة بوعي كبير بالمسؤولية" الملقاة على عاتقه، وأنه ذهب إلى الدوحة لإجراء جملة من الاتصالات بدأها برئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل.

تفاعل إيجابي من الجانب الليبي

وأكد رئيس مجلس شورى حركة النهضة فتحي العيادي، لـ"العربي الجديد"، مساندة قياديي الحركة الاسلامية لزعيمهم لحلحلة الأزمة الليبية، قائلاً: "هذه من سياستنا المستقبلية. نعمل على جمع الفرقاء الليبيين، وقد تشهد الأيام المقبلة زيارات متبادلة بين الطرفين الليبي والتونسي ولكن برعاية الحركة".

وأضاف العيادي أن هناك تفاعلاً إيجابياً من الطرف الليبي مع مقترح الغنوشي خاصة بعد نجاحه في إرساء حوار وطني ناجح في تونس، معبّراً عن عدم تدخل الحركة في الشأن السياسي الليبي.

فيما أكد عبد الحميد الجلاصي، عضو مجلس شورى حركة النهضة، على أن هناك توجّهاً سياسياً للحركة للمّ شمل السياسيين الليبيين، والانتفاع بالتجربة الناجحة التي كرسها حزبه، في زرع التوافق السياسي في تونس، مؤكداً على أن الأمن الليبي من أمن تونس.

أيام المهجر

وذكر مقربون جداً من الشيخ راشد الغنوشي، من داخل حركة النهضة، أن علاقات قديمة تربطه بأطراف سياسية طلبت من الشيخ التوسط في الأزمة الليبية، وإجابة عن سؤال متعلق بالأطراف التي تحدث إليها الغنوشي، قال محدثنا إن هناك بعض الشخصيات الإسلامية والليبرالية ومن المعارضين السابقين لنظام القذافي طلبوا منه شخصياً هذه الوساطة. وكشف أن هذه الأطراف على علاقة شخصية سابقة بالغنوشي حيث توطدت علاقته بهم أيام المهجر.

ولراشد الغنوشي علاقات قوية بالعديد من الأطراف الليبية من أهمها رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي إبان الثورة الليبية مصطفى عبد الجليل، الذي سبق للغنوشي أن التقاه برفقة وفد كبير في نهاية العام ٢٠١١ وأثناء زيارته إلى تونس، إضافة إلى علاقات قوية تربط أطرافاً في حركة النهضة بالقيادي في الجماعة الإسلامية المقاتلة، عبد الحكيم بلحاج، الذي زار تونس مرات عديدة والتقى فيها قيادات بارزة في حركة النهضة، والذي يعدّ طرفاً مهماً في كل المعادلات الليبية الممكنة.

سليم الرياحي رجل الأعمال "الوسيط"

وتربط رجل الأعمال التونسي سليم الرياحي، بليبيا علاقات تاريخية واقتصادية كبيرة إلى اليوم، وكان الطرف الوسيط في لقاء الغنوشي بزعيم حركة نداء تونس، الباجي قائد السبسي، وهو على علاقة متينة بالغنوشي من جهة، وبالعديد من الأطراف الليبية من جهة أخرى، ومنها عبد الحكيم بالحاج، وغيرها من القيادات الليبية التي يمكن أن تسهم في انطلاق لقاء ممكن بين بعض أطراف النزاع في ليبيا.

أين وصلت المساعي؟

وعن الخطوات الحقيقية في الانطلاق الفعلي للوساطة التي أعلن عنها راشد الغنوشي بين الفرقاء السياسيين والمراحل التي وصلتها، أكد قيادي بارز في حزب حركة النهضة، أن أمر الوساطة يُطبخ على مهل، ولم ينطلق بعد بصفة فعلية، حيث إن هناك مجموعة من الاجراءات يحرص الغنوشي على تأمينها لضمان نتائج إيجابية فعلية وحقيقية في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين.

وأكد المصدر، الذي رفض نشر اسمه، أن موضوع الوساطة "لا يزال للتلمُّس" بسبب التعقيد الذي يعرفه المشهد السياسي الليبي. وأضاف أن فكرة تنظيم مؤتمر يحتضن القادة الليبيين، تتطلب تحضيرات وتنسيق كبيرين.

هل تكون تونس أرض اللقاء؟

ولم ينفِ المصدر نفسه، هذه الإمكانية، وإن كان الأمر لم يصل بعد إلى هذه المرحلة، ولكن تسرّبت منذ حوالى شهر أخبار تشير إلى إمكانية أن تحتضن تونس لقاء بين أطراف ليبية عديدة، وخصوصاً أن قيادات كثيرة ما تزال تقيم في تونس منذ الثورة الليبية، وأن أنباء تتحدث حتى عن وجود قيادات مقربة من القذافي في تونس، وكلها يمكن أن تساعد على بدء حوار والتقاء الفرقاء.

إلى أي حد يمكن أن تنجح هذه الوساطة؟

يرى فتحي المسعودي، الخبير في الجماعات الإسلامية والقريب من قيادات الحركة، المقيم في لندن، "أن لراشد الغنوشي سوابق في الوساطات وفي تقريب وجهات النظر والتوسّط في الخلافات، فقد توسط بين حسن الترابي والرئيس السوداني عمر البشير عندما اختلفا وزجّ بالترابي في السجن، توسّط أيضاً في الخلاف الذي نشب بين نظام القذافي والإخوان المسلمين. والتقى مرات عدة، مع سيف الإسلام القذافي في لندن. وتوسط أيضاً بين السلطات الجزائرية والجبهة الإسلامية للإنقاذ وبين الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والكويت في العام 1990 على خلفية أزمة غزو العراق للكويت، وكانت له أيضاً محاولة وساطة بين حركتي "حماس" و"فتح"، ولكن كل هذه النوايا الحسنة ومحاولات الوساطة لم تنجح ولم تحقق المطلوب".

وذكر المسعودي أن للغنوشي علاقات جد وطيدة وقديمة بالقيادات الاخوانية في ليبيا، منها على سبيل الذكر علاقته بالشيخ علي الطلابي، الذي اجتمع به وبشخصيات إسلامية عدة في لندن.

ويرجح المحلل السياسي التونسي، مبروك كورشيد، أن الولايات المتحدة الأميركية هي التي طلبت من الغنوشي التوسط بين الفرقاء الليبيين، بعد الزيارة التي قام بها رئيس الحركة إلى الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة.

أما الفرضية الثانية لأسباب الوساطة، فتدخل في باب التسويق السياسي لشخصية الغنوشي، بتقديم نفسه شخصية توافقية قادرة على تصدير التجربة التونسية.

وبحسب مصدر خاص تحدث إلى "العربي الجديد"، فإن مساعي الغنوشي الشخصية للوساطة بين الفرقاء صعبة النجاح، لأن الأزمة الليبية على الميدان، وحقيقتها هي بين الثوار ورموز النظام السابق الفاعلين والمساندين لنظام القذافي، حيث لم تتخلص ذاكرتهم من تحميل مسؤولية تسليم رئيس الحكومة الليبي في عهد القذافي، البغدادي المحمودي، من حكومة حمادي الجبالي إلى السلطات الليبية، وفي ذلك تحمل النهضة مسؤولية "التسليم"، وهو ما يزيد من صعوبات هذه الوساطة".

وما بين متفائل ومتشائم بإمكانية نجاح هذه الوساطة، تراوح الآراء، ولكن زعيم حركة النهضة يمكن أن يوفّق في مساعيه إذا استعان بأطراف مؤثرة متعددة يمكنها أن تجمع ما لا يستطيع وحده أن يجمعه، ولكن العامل الأبرز في نجاح هذه الوساطة من عدمها يبقى مرتهناً بالاستعداد الليبي نفسه للخروج من هذه الأزمة التي طالت ولم يجن منها أحد شيئاً.

المساهمون