العنصرية بالعربية... تنشئة سياسية

18 نوفمبر 2022
أصر البعض على أن مرتكبة التفجير في إسطنبول أفريقية (الأناضول)
+ الخط -

ثمة وفرة في الشكوى العربية من العنصرية في الغرب، مع ارتفاع منسوب الهجرة وصعود تيارات اليمين المتطرف والشعبويين. في المقابل، فإن التنشئة السياسية توقع بعض العرب في مطبات ذات الآفة، مع "تسجيل مواقف" على وسائل التواصل الاجتماعي و"التفاعل" مع الأحداث.

في سورية، على سبيل المثال، ظل نظام الحكم الأسدي على مدار نصف قرن يلعب لعبته المفضلة في تجزئة المجتمع، مناطقياً وعشائرياً، وإن تحت لافتات "التقدمية" و"الحداثة-العلمانية"، بهدف منع السوريين من معرفة بعضهم البعض. وعليه، لم يكن محيراً فهم خلفية سؤال تهكمي لبعض مؤيدي بشار الأسد على الأراضي الأوروبية في 2011: "وهل تريد الحوارنة أن يحكمونا؟" (والحوارنة هنا تعود إلى أهل حوران في الجنوب السوري).

وفي السياق الانتهازي لتكريس الحكم لم يكن غريباً استخدام كل الأدوات في خدمة سياسة التجهيل، وترسيخ التنميط التهكمي عن المدن والسكان، لتشييد جدران سميكة، تمنع مشاهد التقاء الناس خارج سياقات تمجيد "القائد للأبد"، وثقافة "التربية القومية".

فنساء سورية، في السياق الطويل للتزوير السياسي، لسن أقل مما أظهرهن مسلسل "باب الحارة"، ما جعلنا في الأيام الماضية أمام فصول مفجعة من عنصرية مقولة إن "هذه لا يمكن أن تكون من سورية". إذ دخل جمهور "الثورة" والنظام في سباق نفي "السحنة السورية" عن مرتكبة العمل الإرهابي في إسطنبول التركية.

النقاش الذي توسع عربياً كشف أيضاً عن أن سياسات تشويه الوعي أبعد من بلاد الشام الطبيعية، حيث أصر البعض، وبينهم سيدات، على أن تلك السيدة ليست سوى أفريقية. بل نسبها الداخلون في استدعاء "داحس وغبراء" 2022 إلى هذه وتلك من الدول العربية، للدخول في مصيبة أخرى من التعميم المَرَضي.

باختصار، سواء كانت الخطابات العنصرية قامت على لون أو معتقد أو انتماء لمنطقة جغرافية، فإن الأنظمة الأمنية المستبدة برعت في استلاب عقول وتزييف وعي كثيرين، وإلا ما كان هذا الاستهجان الشعبوي للون بشرة المتهمة في تركيا. علماً أن مئات آلاف السوريين، من الشمال إلى "نازحي" الجولان في أرياف دمشق وسهول درعا الغربية، وفلسطينيين-سوريين، لديهم ذات "السحنة"، الضاربة جذورها منذ قرون.

وبالمناسبة، ما ينطبق على سورية ينطبق على العراق وفلسطين ولبنان والأردن ومصر، هذا عدا كل الخليج والمغرب العربيين. ولعلها فرصة ليتعرف الناس على بعضهم، وعلى مكونات مجتمعاتهم، دون الاستعلائية المريضة، التي نشرتها سياسات فاشلة حتى في تعريف المواطنة.