العصابات تقترب من حُكم هايتي

العصابات تقترب من حُكم هايتي

07 مارس 2024
في العاصمة بورت أو برنس، 1 مارس الحالي (جونسون سابين/Epa)
+ الخط -

استغلت العصابات في هايتي تواجد رئيس الحكومة، أرييل هنري، والقائم بأعمال الرئيس منذ اغتيال الرئيس جوفينيل مويز في يوليو/ تموز 2021، خارج البلاد منذ 24 فبراير/شباط الماضي، لتفجّر موجة جديدة من العنف، تحت عنوان "تغيير النظام"، بما يدخل الدولة الكاريبية في دوامة جديدة من فوضى الأعمال الدامية.

وتترافق هذه الموجة من العنف مع تفاقم الفراغ السياسي الذي عزّزه اختفاء هنري منذ آخر ظهور علني له، في كينيا، الجمعة الماضي بإطار مسعاه لدعم الشرطة الهايتية في مواجهات العصابات، وسط عدم استجابة مكتبه، وفق وكالة "بلومبرغ" لطلبات التعليق على الأحداث الأخيرة، والتي بدت واضحة خصوصاً في العاصمة بورت أو برنس.

وكان هنري غادر البلاد في 24 فبراير للمشاركة في قمة مجموعة دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (سيلاك) في دولة سانت فنسنت وجزر غرينادين قبل أن ينتقل إلى كينيا ثم تنقطع أخباره إلى أن أعلن مكتب حاكم جزيرة بورتوريكو، وصوله أول من أمس الثلاثاء إلى سان خوان.

أُجبر أكثر من 15 ألف شخص، وفق الأمم المتحدة، على الفرار من منازلهم

وفي ظل غيابه، شنّ تحالف من 9 عصابات هجمات منسقة على المطار الدولي الرئيسي في العاصمة الهايتية، ومراكز الشرطة والسجون الكبرى، فيما أعلنت حكومة هايتي، الأحد الماضي، حالة الطوارئ. كما أُجبر أكثر من 15 ألف شخص، وفق الأمم المتحدة، على الفرار من منازلهم.

علماً أن عنف العصابات كان منتشراً أيضاً في عهد مويز، لكن فراغ السلطة منذ منتصف 2021 سمح لهذه العصابات بالاستيلاء على مزيد من الأراضي وبزيادة نفوذها.

موجة جديدة من العنف في هايتي

واجتاحت العاصمة، في أعقاب الاغتيال، عصابات تسيطر على حوالي 80 في المائة من المدينة، وفقاً للأمم المتحدة، فيما قتل في العام الماضي وحده، 5 آلاف شخص، ونزح مئتا ألف.

وتركز عنف العصابات، الذي لطالما رافق تاريخ البلاد وأدى لانعدام الأمن فيها، هذه المرة، ضد عناصر الشرطة ومرافق الدولة خصوصاً، بعدما جرت العادة على التحارب في ما بينها لإخضاع بعضها بعضاً مع يترافق ذلك مع موجات متتالية من القتل والنزوح والتعذيب والاغتصاب والخطف، إلى جانب الأزمات الاقتصادية والتدهور المستمر للمرافق والبنى التحتية.

وتتصاعد أعمال العنف في أجزاء من العاصمة، منذ ليل السبت الماضي، إذ ينعكس المشهد فيها من خلال دوي أصوات إطلاق النار، وتعطيل حركة المرور وسط حافلات محترقة في الشوارع، وإطلاق سجناء، وفرار المواطنين بالقرب من أعمال القتال، والتي أودت بحياة 9 أشخاص على الأقل.

وتبنى جيمي شيريزير، الملقب بـ"باربكيو"، وهو زعيم تحالف من 9 عصابات باسم "جي 9"، تلك الهجمات، فيما يسعى للإطاحة بهنري، قائلاً في مؤتمر صحافي، الجمعة الماضي، "ستستمر المعركة بقدر ما يلزم. سنواصل قتال أرييل هنري. ولتجنب الأضرار الجانبية، أبقوا الأطفال في المنازل".

وأضاف: "لقد اخترنا أن نأخذ مصيرنا بأيدينا. المعركة التي نخوضها لن تطيح بحكومة أريئيل فحسب. إنها معركة ستغير النظام بأكمله".

مع العلم أن اغتيال مويز جعل من هنري القائم بأعمال الرئيس موقتاً، لكن لم تجر انتخابات على كافة المستويات (الرئاسية والتشريعية) منذ ذلك الحين، وإن كان هنري قد أعلن، الأسبوع الماضي، خلال قمة مجموعة دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (سيلاك)، أن الانتخابات ستجرى قبل سبتمبر/ أيلول 2025.

قوة متعددة الجنسيات لمساعدة هايتي على استعادة النظام

ويأتي التدهور الأمني بالتزامن مع توجه هنري، الأسبوع الماضي، إلى كينيا للتمهيد لنشر قوات أجنبية في هايتي بهدف استعادة النظام، بعد خمسة أشهر على موافقة مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة على نشر قوات متعددة الجنسيات، غير تابعة للأمم المتحدة، بقيادة كينيا، وذلك لدعم قوات الأمن الهايتية، تحت إشراف المنظمة، والتي أنشأت صندوقاً ائتمانياً مخصصاً لتلقي التزامات رسمية من الدول التي تتطوع بدعم هايتي.

وقع هنري اتفاقاً مع كينيا تمهيداً لإرسال قوات إلى هايتي

وعلى الرغم من رفض المحكمة العليا الكينية، في يناير/ كانون الثاني الماضي، قيادة كينيا تلك القوات، وقّع هنري مع الرئيس الكيني وليام روتو، الجمعة الماضي، اتفاقيات متبادلة بين البلدين، إذ التزمت نيروبي بإرسال ألف عنصر من الشرطة إلى هايتي. وفي وقت لم يُحدّد فيه عديد القوة متعددة الجنسيات، كانت واشنطن قد تعهّدت بـ200 مليون دولار أميركي، وأوتاوا بـ50 مليونا، وباريس بنحو 3 ملاين، إلى جانب عدة عواصم أخرى، لتمويل القوة، فيما عرضت دولة بنين إرسال ألفَي جندي.

وقالت دول أفريقية وكاريبية أخرى، إنها سترسل قوات إلى هايتي، بينما كانت الدومنيكان على حدود هايتي، واضحة بأنها لن تشارك. وقالت إنها لن تسمح بإقامة مخيمات للاجئين الهايتيين على أراضيها، علماً أنها نشرت قواتها على الحدود عقب أعمال العنف الأخيرة.

ومع ذلك، قالت الأمم المتحدة إنه حتى 5 مارس/ آذار الحالي،فقد تم التعهد رسمياً بمبلغ 78 مليون دولار فقط، وإيداع أقل من 11 مليون دولار في الصندوق الاستئماني، من كندا وفرنسا.

ولم تقدم أي تبرعات جديدة منذ حالة الطوارئ. يُذكر أن باحثين في منظمة "مجموعة الأزمات الدولية"، قالوا إن التقييمات الكينية تشير إلى أن البعثة يجب أن تضم ما يصل إلى 5 آلاف فرد، وتكلّف حوالي 240 مليون دولار سنوياً.

ويأتي بطء تقديم الدعم إلى هايتي، وفق "رويترز"، مرتبطاً بما تثيره بعض الدول من تشكيك حول شرعية حكومة هنري غير المنتخبة، فيما تسود داخل هايتي وخارجها حالة من القلق من التدخلات الدولية بعد أن خلفت بعثات الأمم المتحدة السابقة وراءها، أوبئة وفضائح اعتداء جنسي.

ويعتبر قادة إقليميون، وفق "فايننشال تايمز" البريطانية، أن قبضة هنري الضعيفة على السلطة عقبة أمام إحراز تقدم في نشر قوة تدخل، فيما كان قد جدّد دعوته، العام الماضي، إلى التحرك بسرعة لإنقاذ بلاده من خطر العصابات، إذ كان دعا لأول مرة في 2022 إلى قوة دولية سريعة لمساعدة الشرطة الوطنية.

من جهة أخرى قال محلل شؤون هايتي في "مجموعة الأزمات الدولية"، دييغو دا رين، في حديث لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية، أول من أمس الثلاثاء، والذي زار البلاد أخيراً، إن العصابات "تقوم باستعراض القوة الكبير هذا لتظهر أنها قادرة على الدخول في مواجهات مع قوات أجنبية محتملة". وأضاف أنها ترسل رسالة واضحة جداً إلى الدولة "تقول فيها إنها قادرة في أية لحظة على إخضاع الدولة عندما تريد ذلك".

(العربي الجديد، رويترز)
 

المساهمون