العدوان وحلم إسرائيل بتحويل غزة إلى "ضفّة ثانية"

العدوان وحلم إسرائيل بتحويل غزة إلى "ضفّة ثانية"

23 اغسطس 2014
من تشييع قادة المقاومة في غزة (رحيم خطيب/الأناضول/GETTY)
+ الخط -
دخلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مرحلة جديدة عقب انهيار مفاوضات وقف إطلاق النار، يُتوقع خلالها تصعيد إسرائيلي كبير وخاصة ضد قيادات كتائب "القسام" الذراع العسكرية لحركة "حماس"، الأمر الذي تجلى أخيراً باستشهاد ثلاثة من كبار قادتها، محمد أبو شمالة، رائد العطار، ومحمد برهوم، ومحاولة اغتيال قائد "القسام"، محمد الضيف، عبر استهدف منزله مما أدى لاستشهاد زوجته وطفليه.

وبعد مرور أكثر من شهر ونصف الشهر على العدوان، فشلت جميع محاولات التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد على الرغم من الهدن المتكررة التي تم التوصل إليها من أجل التقاط الأنفاس وإعطاء زخم لعمليات التفاوض الماراثونية.

ويدور هنا السؤال حول السبب الذي دفع إسرائيل إلى إفشال المفاوضات في الساعات الأخيرة، ورفض المطالب الفلسطينية على الرغم من تسرب الأنباء قبل انهيار التهدئة الأخيرة عن التوصل لاتفاق مبدئي.

وتكمن الإجابة عن السؤال المذكور بما تسميه إسرائيل "الاحتياجات الأمنية" أو "الأمن الإسرائيلي أولاً وأخيراً"؛ فعلى مدى تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والعربي، شكلت تلك "الاحتياجات" لإسرائيل أبرز المطالب في مختلف المفاوضات التي خاضتها مع الأطراف العربية، ومن هنا عادت إسرائيل في اللحظات الأخيرة من المفاوضات إلى المطالبة بنزع سلاح المقاومة تمهيداً لاقتلاع أنياب "حماس" في القطاع.

تدرك إسرائيل جيداً أن تحقيق مطلبها الخاص بنزع السلاح يبدو مستحيلاً بالنسبة لكتائب "القسام"، إلا أنها لا تتردد في إعادة المطالبة به بهدف استمرار وضع غزة في دائرة النيران وإبقاء حالة الاشتباك الدائم مع فصائل المقاومة.
وفي سبيل السير قدماً بنزع أنياب "حماس"، تحاول إسرائيل إقناع مختلف الجهات الإقليمية والدولية بضرورة إعادة حرس السلطة الفلسطينية إلى غزة بعد أي اتفاق يتم التوصل إليه، وتسليم أمور القطاع للسلطة تمهيداً لعزل حماس.

وتهدف إسرائيل من وراء ذلك، إلى تحويل القطاع، مع مرور الزمن، لحالة شبيهة بشكل كبير مع حالة الضفة الغربية، التي تمكنت إسرائيل فيها من فرض السيطرة عليها وجعلها منطقة منزوعة السلاح.
ومن هنا تكمن المطالب الإسرائيلية بضرورة إخضاع كافة المعابر المفتوحة للقطاع، لمراقبين دوليين، منعاً لوصول السلاح إلى حماس، بإشراف قوات السلطة على المعابر، والعمل تدريجياً على إنهاء السيطرة الحمساوية على القطاع، وتسليم شؤون غزة إلى السلطة الفلسطينية التي لا ترى بديلاً عن المفاوضات حلاً للصراع.

وفي ظل الخطط الإسرائيلية للنجاح بتحييد القطاع وتحقيق الأهداف المذكورة، تدرك فصائل المقاومة وكتائب "القسام" جيداً أن الأيام المقبلة من العدوان ستكون أشد خطراً على عناصرها وقادتها بهدف إيقاع أكبر الخسائر بصفوفها من قبل إسرائيل.

الحديث الفلسطيني عن جهود أوروبية وأميركية جديدة لبلورة صيغة جديدة للاتفاق على وقف إطلاق النار، لا يجد تفاؤلاً كبيراً، إذ تسعى إسرائيل سياسياً وعسكرياً للسير في اتجاه التصعيد المتواصل، في ظل محاولة بنيامين نتنياهو جاهداً استغلال الفظائع التي يرتكبها "داعش" في العراق وسورية، عبر تشبيهه حركة حماس لتنظيم "داعش"، بهدف إلصاق تهمة الإرهاب بحماس وتحشيد الرأي العام الغربي والدولي ضد المقاومة.

لم يأت تشبيه حماس بـ "داعش"، مصادفة فنتنياهو يدرك جيداً وجود ملامح تحالف دولي جديد يتشكل لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، وقد أراد من خلال التشبيه المذكور إظهار إسرائيل ضمن ذلك التحالف الذي يتعرض للإرهاب والذي يجب القضاء عليه.

ويبدو أكثر ما يزعج إسرائيل حتى اليوم خلال أيام العدوان الموقف الفلسطيني الموحد بين حركتي فتح وحماس من مفاوضات وقف إطلاق النار، إذ لم تستطع إسرائيل حتى الآن على الرغم من جميع جهودها شق الصفوف الفلسطينية الأمر الذي بات يشكل لها مصدر قلق.

وضمن هذا السياق أيضاً، تدخل الشروط الإسرائيلية بتسليم القطاع لسلطات عباس من أجل إحداث الشرخ الذي لطالما عملت من أجله منذ الإعلان عن النجاح في خطوات المصالحة الفلسطينية، وتشكيل الحكومة الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله. إذ تهدف إسرائيل من الإصرار على تسليم شؤون القطاع لسلطات عباس ضرب الأسافين بين الحركتين (فتح وحماس) اللتين ما زالتا في الأطوار الأولى من المصالحة بينهما عقب سنوات من الجفاء والانقسام.

وأمام التطورات المتلاحقة، تتلخص الإستراتيجية الإسرائيلية المقبلة بإبقاء قطاع غزة ضمن دائرة الاشتباك لإنهاك فصائل المقاومة قدر الإمكان، والرهان على ضرب علاقة تلك الفصائل مع سكان قطاع غزة على المدى الطويل من بوابة عدم قدرة الفصائل على تحقيق أي مكاسب سياسية رغم فاتورة الحرب الكبيرة على أهل القطاع، كما من بوابة الاحتياجات المعيشية اليومية التي يتوقع قادة الاحتلال أن تبدأ بتشكيل ضغط كبير على قيادة الفصائل.

وفي خضم كل ذلك تنحو الأمور منحى يبدو أنه سيقود تلقائياً لوأد المبادرة المصرية لصالح بدء تبلور صيغ جديدة لم تتضح حظوظها من النجاح بالنظر لتضارب وتعارض مصالح الكثير من الأطراف المعنية فلسطينياً وعربياً وإقليمياً ودولياً.

المساهمون