"العدل الدولية" تحاكم دمشق: سابقة قانونية بآثار سياسية ودبلوماسية

"العدل الدولية" تحاكم النظام السوري: سابقة قانونية بآثار سياسية ودبلوماسية

14 يونيو 2023
خلال إحياء ذكرى مجزرة الغوطة في إدلب، أغسطس الماضي (عز الدين قاسم/الأناضول)
+ الخط -

رفعت كندا وهولندا دعوى قضائية ضد النظام السوري في محكمة العدل الدولية، على خلفية اتهامات بارتكاب عمليات تعذيب، واستخدام الأسلحة الكيميائية، في خطوة هي الأولى أمام أعلى محكمة في الأمم المتحدة، من شأنها الدفع أكثر باتجاه محاسبة أركان هذا النظام.

وذكرت محكمة العدل الدولية، في بيان لها أول من أمس الإثنين، أن هولندا وكندا اتهمتا النظام السوري بخرق اتفاق للأمم المتحدة ضد "التعذيب وغيره من أساليب المعاملة القاسية"، بما فيها "استخدام أسلحة كيميائية".

وأضافت المحكمة أن الدولتين أوضحتا في طلبهما أن "سورية ارتكبت انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي بدءاً من عام 2011 (بداية الثورة السورية) على أقل تقدير"، وطلبتا اتخاذ إجراءات طارئة لحماية المعرضين لخطر التعذيب.

وذكر البيان أن من بين الانتهاكات التي استندت إليها الدولتان في طلبهما "المعاملات المهينة للمحتجزين، والظروف غير الإنسانية في أماكن الاحتجاز، والإخفاء القسري، فضلاً عن استخدام العنف الجنسي، والعنف ضد الأطفال، واستخدام الأسلحة الكيميائية".

أول قضية مرتبطة بجرائم نظام الأسد

وهذه أول قضية مرتبطة بجرائم نظام بشار الأسد في سورية أمام أعلى محكمة للأمم المتحدة، إذ يسعى البلدان (كندا وهولندا) إلى تحميله المسؤولية عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وعمليات تعذيب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي صادقت عليها دمشق في عام 2004.

واعتبر رئيس تجمع المحامين السوريين، غزوان قرنفل، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "من الضروري التفريق بين محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية"، موضحاً أن العدل الدولية أعلى هيئة قضائية دولية، ولكنها متخصصة بالفصل بالنزاعات التي تنشأ بين الدول بشأن تفسير أو تطبيق الاتفاقات الدولية.

سامر الضيعي: قضايا محكمة العدل تستغرق وقتاً طويلاً لحلها
 

وأشار إلى أن كندا وهولندا لجأتا إلى محكمة العدل بعد انسداد الأفق أمام المحكمة الجنائية الدولية لـ"اتخاذ تدابير مؤقتة كي يكف النظام السوري عن ممارسة جرائم تعذيب، وإحالة هذه التدابير إلى مجلس الأمن ليصدر قراراً أو بيان إدانة".

وشدّد قرنفل على أن الغاية من هذه الخطوة الضغط على النظام الذي انتهك اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. ومحكمة العدل الدولية ليست لمحاسبة أفراد، بل لإظهار أن هذه الدولة ارتكبت خرقاً قانونياً لمعاهدة موقعة عليها.

وتابع: هذا سياق مختلف تماماً عن سياق المحاكمات الجنائية التي تتم في المحكمة الجنائية الدولية أو في الدول التي لديها ولاية عالمية. وأبدى اعتقاده بأن أهمية الخطوة "قيمية"، مضيفاً: سيكون هناك موقف دولي ضد النظام لخرقه اتفاقية دولية. في حال صدرت إدانة فستكون مفيدة في المستقبل عندما تأتي ساعة المحاسبة الجنائية.

من جانبه، رأى المتخصص بالقانون المدني وسام العكلة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هذه الخطوة تحظى بأهمية قانونية كبيرة"، موضحاً أن هذه الدعوى تُسهم في جذب الانتباه العالمي وتسليط الضوء على الانتهاكات التي جرى ويجري ارتكابها من سلطات النظام السوري.

واعتبر أن هذه الخطوة تؤدي دوراً في ممارسة مزيد من الضغط الدولي لوقف هذه الانتهاكات وفضحها، وفي حال إدانة المحكمة السلطات السورية فستكون لها آثار سياسية ودبلوماسية.

ولفت إلى أنه "يمكن للمحكمة أن تطالب السلطات السورية بدفع تعويضات لضحايا التعذيب، والمطالبة باتخاذ خطوات إصلاحية لمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً". وأضاف العكلة أنه إلى جانب ذلك، يمكن أن تسهم الأدلة المقدمة أمام محكمة العدل الدولية في إدانة الأشخاص المسؤولين عن التعذيب أمام المحاكم الأخرى التي تحاكم الأفراد، مثل المحكمة الجنائية الدولية أو المحاكم الوطنية.

من جهته، رأى المدير التنفيذي لرابطة المحامين السوريين الأحرار، سامر الضيعي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن للدعوى المقدمة من كندا وهولندا "خطوة قانونية مهمة".

ولفت إلى أنها تُعتبر أول دعوى تُقام أمام محكمة دولية ضد النظام. وأكد أن هذه الخطوة تقر بخطورة الجرائم التي ارتكبها النظام السوري، وتوجه رسالة واضحة مفادها أن مثل هذه الأعمال لن يتجاهلها المجتمع الدولي. وأشار الضيعي إلى أن الدعوى "خطوة نحو محاولة لمحاسبة الجناة على أفعالهم وتحقيق العدالة".

ولفت إلى أنه في حالة نجاحها يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعويض الضحايا، ما يزيد من تعزيز مفهوم العدالة. وقال إن "قضايا محكمة العدل الدولية غالباً ما تستغرق وقتاً طويلاً لحلها، بسبب تعقيد القضايا المعنية والحاجة إلى فحص دقيق للأدلة". ولفت إلى أنه مع ذلك، يمكن أن يكون تأثير القرار عميقاً من الناحية القانونية والرمزية.

وسبق أن اتخذت عدة بلدان أوروبية خطوات لمحاكمة أشخاص شاركوا في "جرائم ضد الإنسانية"، التي شنها النظام السوري في عام 2011 ضد معارضيه، ولا تزال مستمرة.

وفي هذا الصدد، قضت محكمة ألمانية مطلع العام الماضي بسجن ضابط سابق في جهاز "أمن الدولة" التابع للنظام (أنور رسلان) مدى الحياة، بعد إدانته بقتل 58 شخصاً واغتصاب آخرين وتعذيب نحو أربعة آلاف معتقل، في السجن التابع لقسم التحقيقات - الفرع 251، المعروف باسم (أمن الدولة - فرع الخطيب).

وفي فبراير/شباط 2021 تمت إدانة شخص آخر من قبل المحاكم الألمانية وهو إياد الغريب، وحُكم بالسجن لمدة أربعة أعوام ونصف العام بتهمة المساعدة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ورفعت في عام 2018 دعاوى قضائية في النمسا ضد مسؤولين في نظام الأسد، تتهمهم بالتعذيب والقتل وتقييد الحريات، بينهم علي مملوك رئيس جهاز الأمن القومي التابع للنظام.

وسام العكلة: الدعوى تُسلط الضوء على انتهاكات سلطات النظام السوري

وفي نفس العام، أصدر قاضي تحقيق فرنسي مذكرات اعتقال دولية، بحق ثلاثة مسؤولين رفيعين في الاستخبارات السورية، بتهم "التواطؤ مع أعمال تعذيب وتواطؤ مع الإخفاء القسري، والتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وجنح حرب". والمسؤولون الثلاثة هم: علي مملوك، وجميل حسن، قائد استخبارات القوة الجوية، الجناح الأكثر قسوة في الجهاز الأمني السوري، واللواء عبد السلام محمود المكلف بالتحقيق في إدارة المخابرات الجوية في سجن المزة العسكري في دمشق.

جرائم النظام السوري ضد الإنسانية

ووفق تقارير منظمات دولية مختصة، ارتكب النظام السوري منذ عام 2011 جرائم ضد الإنسانية بعضها باستخدام أسلحة محرمة دولياً، إلا أنه لم يحصل أي تحرك دولي جدي لمحاسبة هذا النظام على جرائمه، بل إن هناك جهوداً إقليمية وعربية لإعادة تأهيل هذا النظام.

وسبق أن وثقت منظمة "العفو الدولية"، في تقرير نشرته في مطلع عام 2017، إعدامات جماعية بطرق مختلفة نفذها النظام السوري بحق المعتقلين في سجن صيدنايا الشهير في شمال شرقي دمشق.

وفي تقرير تحت عنوان "المسلخ البشري"، ذكرت المنظمة أن إعدامات جماعية شنقاً نفذها النظام بحق 13 ألف معتقل، أغلبيتهم من المدنيين المعارضين، بين عامي 2011 و2015. ووصفت المنظمة سجن صيدنايا العسكري بأنه "المكان الذي تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء".

وكانت "العفو الدولية" قد وثقت، في منتصف عام 2016، مقتل 17723 معتقلاً، في أثناء احتجازهم في سجون النظام السوري، ما بين مارس/ آذار 2011 وديسمبر/ كانون الأول 2015، أي بمعدل 300 معتقل كل شهر.

كما اتهمت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية النظام السوري خلال السنوات الماضية باستخدام أسلحة محرمة دولياً في الحرب التي بدأها للقضاء على الثورة السورية. وأوضح مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية أنه "وثق استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري 262 مرة".