الضفة الغربية... برميل بارود شرارته الاستيطان

الضفة الغربية... برميل بارود شرارته الاستيطان

31 مارس 2024
تسود حالة الغضب في ظل استمرار اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه (رونالدو شيميدت/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- منذ 7 أكتوبر، شهدت الضفة الغربية تزايدًا في العمليات الإسرائيلية واستخدام الطائرات الحربية لأول مرة منذ انتفاضة الأقصى، مما أدى إلى اعتقال أكثر من 7600 فلسطيني واستشهاد أكثر من 430، في ظل تضييق اقتصادي وعسكري.
- الضفة الغربية تشهد تصاعدًا في نشاط المجموعات المسلحة غير المركزية منذ 2021، مع تزايد القلق الإسرائيلي وفشل عمليات مثل "كاسر الأمواج" في تحقيق أهدافها، مما يعكس تسارع قدرات المقاومة.
- إسرائيل تخشى من انفجار شامل في الضفة قد يستنزف المجهود العسكري ويعيد توزيع القوات، في ظل تصاعد العمليات الفردية والمواجهات، وتفاقم الوضع بفعل السياسات الاستيطانية والاعتداءات المستمرة، مما يولد قلقًا دوليًا وتحديات سياسية وأمنية لإسرائيل.

شهدت الأشهر الفائتة، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تساؤلاتٍ حول "هدوء" الضفّة الغربية أمام حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزّة، وتصاعدت نداءاتٌ ومطالباتٌ للضفة بالانفجار انتفاضاً لغزّة، قابلتها حالة استهجانٍ واستنكارٍ لهذا "الهدوء"، الذي لا يتناسب مع حجم الفعل والكارثة في القطاع.

هل الضفّة هادئة؟

شهدت الضفّة منذ العام 2021، رتماً متصاعداً في حضور وفاعلية المجموعات المسلّحة، والتي اتسمت باللامركزية، والانتشار من شمال الضفّة إلى وسطها وجنوبها، وعبورها للفصائلية. تجلى قلق إسرائيل من هذا الشكل المقاوم بعد عملية اجتياح مخيم جنين الكبيرة في يوليو/تموز 2023، حين وصفت جنين بـ"غزّة الصغرى". إذ أثار قدرت كتيبة جنين على تفجير مركبة النمر، شديدة التصفيح، قلق المستويات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وسط تقديراتٍ بتسارع قدرات الكتيبة على التجنيد ومراكمة القوّة، مع عدم نجاعة عملية "كاسر الأمواج"، وهي العملية العسكرية الإسرائيلية لضرب البنية التحتية للمقاومة في الضفّة، وتحديداً في شمالها.

هذا الانتشار المصحوب بتصاعد السلوك العدواني تجاه الفلسطينيين، مادةٌ قابلةٌ للاشتعال، ويخلق حالةٍ من الفوضى

دخلت "كاسر الأمواج" مرحلةً جديدةً منذ 7 أكتوبر، إذ توسعت الاقتحامات، خاصّةً للمخيّمات في شمال الضفّة، وشملت على تدمير البنية التحتية، وتحويل المخيّم إلى بيئةٍ طاردةٍ، والاستهداف المركز للمقاومين، ودخول الطائرات الحربية نطاق العمليات في الضفة؛ للمرّة الأولى منذ انتفاضة الأقصى (2000-2005)، التي قامت، إلى جانب المسيرات الانتحارية والهجومية، بعمليات الاستهداف المركز. وتدمير البنى التحتية في مدن الشمال، وتحديداً في جنين وطولكرم.

رافقت هذا التصعيد في العمليات الإسرائيلية بالضفّة حملات اعتقالٍ واسعةً شملت أكثر من 7600 أسيرٍ منذ 7 أكتوبر، ليصل مجموع الأسرى إلى حوالي 9100 أسيرٍ، وهو رقمٌ غير مسبوقٍ. كما أدت هذه العمليات إلى استشهاد أكثر من 430 فلسطينياً بهذه الفترة، في مختلف أرجاء الضفّة الغربية.

ما الذي تخشاه إسرائيل؟

توالت التحذيرات الإسرائيلية من انفجار الضفّة، بفعل حالة الضغط الهائلة، التي تعيشها، فإلى جانب العدوان على قطاع غزّة، والعمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة في المناطق كافّة، تمر الضفّة الغربية بحالةٍ من التضييق الاقتصادي، بفعل سرقة الاحتلال لحوالي ثلثي أموال المقاصة، ومنع الفلسطينيين من العمل في السوق الإسرائيلي، ما أدى إلى ضغوطٍ اقتصاديةٍ غير مسبوقةٍ، واكبها تقييد حركة الفلسطينيين، من خلال تقطيع الضفّة بحوالي 700 حاجزٍ عسكريٍ.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

تخشى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وفق ما صرح به وزير جيش الاحتلال، يواف غالانت، ورئيس هيئة أركانه، هرتسي هاليفي، انفجار الضفّة الغربية انفجاراً شاملاً، يستنزف المجهود العسكري، عبر تخصيص مزيدٍ من الوحدات المقاتلة، ونقلها من غزّة أو الشمال. تتعزز هذه المخاوف في ظلّ انفلات الفعل الاستيطاني في الضفّة، حيث نفذ المستوطنون أكثر من 5300 اعتداءٍ على الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر، كما تسعى الحكومة اليمينية إلى استثمار الحرب، وتعزيز البؤر الاستيطانية الزراعية والرعوية، وتكثيف شرعنتها، وبهذا الإطار يسعى، على سبيل المثال، وزير المالية، الوزير المكلف بملف الاستيطان في وزارة الجيش، بتسلئيل سموتريتش إلى تعيين المستوطن هليل روت؛ من مستوطنة "يتسهار" جنوب نابلس، بمنصب نائب رئيس الإدارة المدنية للضفّة الغربية، مع صلاحيات تعطيل إزالة البؤر الاستيطانية غير المشرعنة وفق القوانين الإسرائيلية.

يتعزز القلق الإسرائيلي في ظلّ عدم قدرتها على "تجفيف" مواقع المقاومة الرئيسة في الضفّة الغربية، خاصّةً في مخيّمات شمال الضفّة الغربية، كما يعزز من هذا القلق ضعف القدرة الاستخبارية على الرصد والاستباق، مع اتساع نطاق العمليات الفردية غير المنظمة والمفتقدة للهياكل.

مع تصاعد هذا القلق، نقلت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية خلال يناير/كانون الثاني الفائت وحدة "دوفدوفان" من غزّة إلى الضفّة، كما انتشرت 23 كتيبةٍ في أرجاء الضفّة مع حلول شهر رمضان. لكن القلق الحقيقي لدى إسرائيل في الضفّة لا يأتي من تضاعف عمليات إطلاق النار الفلسطينية في الضفّة، من 50 عمليةٍ عام 2021 إلى 350 عام 2023، بل يأتي من تصاعد حدّة الصدام بين الفلسطينيين والمستوطنين، خاصّةً مع تفاخر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بنشره 100 ألف قطعة سلاحٍ بين أيدي الإسرائيليين، جزءٌ كبيرٌ منها يحملها مستوطنون أفراد أو منظمون، ضمن ما يعرف بفرق الطوارئ، أو حتّى ضمن مجموعاتٍ مختلفةٍ. هذا الانتشار المصحوب بتصاعد السلوك العدواني تجاه الفلسطينيين، مادةٌ قابلةٌ للاشتعال، ويخلق حالةٍ من الفوضى، وفق ما تراه المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية. اليوم؛ تتحسس إسرائيل مواقف دوليةٍ أكثر حدّةٍ تجاه قضايا الاستيطان، التي تدلل عليها العقوبات المتلاحقة على المستوطنين، والبؤر الاستيطانية.

شهدت الضفّة منذ العام 2021، رتماً متصاعداً في حضور وفاعلية المجموعات المسلّحة، والتي اتسمت باللامركزية

إذن، شكلت الحالة الاستيطانية المتراكمة خلال العقدين الماضيين واقعاً جديداً في الضفّة، يولد شكلاً مختلفاً عن الانفجار الذي ظهر على شكل انتفاضة الأقصى، فهذا الانفجار، وإن كان بجزءٍ منه شعبياً من قلب المدن المركزية إلى أطرافها، ومسلحاً عبر العمليات الفردية والمجموعات المنتشرة، إلّا أن أساسه اشتباكٌ مباشرٌ بين الفلسطيني ومنظومة الاستيطان، كما في تجارب حوارة وبورين وترمسعيا.

ارتدادات الانفجار

إنّ انفجارًا كهذا مكلفٌ لإسرائيل على المستوى السياسي، بما يحمل من تجاذباتٍ بين اليمين المتطرف صاحب السلطة الحكومية، وما يمثّل من مشروعٍ يقوم على هيمنّةٍ مسلّحةً للمستوطنين على الضفّة، وبين المؤسسة العسكرية والتيارات السياسية الأخرى، التي تتحس من تبعات هذا السلوك على علاقات إسرائيل الدولية، وعلى أمنها.

في السياق الأمني، يحمل أيّ انفجارٍ واسعٍ في الضفّة الغربية تبعاتٍ على مستويات استنزاف المجهود العسكري على حساب جبهاتٍ أخرى، وهذا ما حذرت منه تقديراتٌ عسكريةٌ إسرائيليةٌ عدّةٌ، التي شككت في قدرة إسرائيل على إدارة حربٍ متعددة الجبهات. كما أنّ أيّ انفجارٍ في الضفّة، قد يقود لتدحرجٍ إلى القدس والداخل، كما في مناسباتٍ عدّةٍ تكاملت فيها المراكز الثلاثة في الانتفاض والمواجهة مع سياسات الاحتلال.

أما السياق الثالث فهو السياق الدولي، الذي بدأ يأخذ أهمّيةً متصاعدةً في حسابات إسرائيل السياسية منذ 7 أكتوبر، إذ شددت المواقف الغربية كثيراً على نقد وإدانة عنف المستوطنين في الضفّة، مع فرض عقوباتٍ محدودةٍ على رموزهم، كما طالبت مواقفٌ عديدةٌ بعدم التصعيد في الضفّة، ونزع فتيل "التوتر". صحيحٌ أنّ هذه المواقف لا تزال بلا ترجماتٍ عمليةٍ ناجزةٍ، لكنها قابلةٌ للتدحرج في حال انفجار الضفّة، وهذا ما قد يولد أزمةً في قلب حكومة اليمين، التي يعد توحش المشروع الاستيطاني أهمّ أولويّات بعض فواعلها، مقابل أولويّات فواعلٌ أخرى، من ضمنها الأمنية والعسكرية، تدرك أهمّية عدم توليد صداماتٍ دوليةً جديدةً، في ظلّ انتشار الامتعاض من المواقف الإسرائيلية، وتقييد العلاقات العسكرية معها من قبل بعض العواصم الأوروبية المؤثرة.

هذه الانعكاسات مجتمعةً، تشي بأنّ إسرائيل لا تحبذ تصعيداً من هذا النوع في الضفّة الغربية، لكن حثاثة عمل مراكز الاستيطان ضدّ كلّ ما هو فلسطيني، تسير بالمشهد إلى انفجارٍ بأيّة لحظةٍ.

المساهمون