السويد و"الأطلسي": سباق بين تعديل قوانين الإرهاب والمفاوضات مع أنقرة

14 مارس 2023
رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون (أتيلا ألتونتاس/الأناضول)
+ الخط -

أعرب رئيس الوزراء السويدي، أولف كريسترسون (يمين وسط)، اليوم الثلاثاء، عن تشاؤمه حيال عضوية بلده في حلف شمال الأطلسي (ناتو) بشكل مشترك مع فنلندا في القريب العاجل.

ومع موقف أنقرة، التي من المفترض أن يوافق برلمانها على عضوية السويد وفنلندا في الحلف، المتشدد بشأن تمرير قبول عضوية استوكهولم، يعتقد كريسترسون أن جارته هلسنكي قد تمضي وحيدة إلى تلك العضوية، وكان البلدان قد تقدما بطلب مشترك للانضمام إلى الحلف الغربي بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في العام الماضي.

وثار خلاف علني على مدار السنوات الماضية بين السويد وتركيا، على خلفية اتهامات الثانية للحكومات السويدية المتعاقبة بالتراخي مع أنشطة معارضة للسياسات التركية على أراضيها، وبصورة خاصة حزب العمال الكردستاني (بي كي كي).

ورفضت استوكهولم في مرات مختلفة الاتهامات التركية عن "دعم منظمات إرهابية"، بينما أدت مفاوضات ثنائية ووساطات أوروبية إلى وعود سويدية باتخاذ خطوات لطمأنة لأنقرة بشأن تعاطيها مع الأنشطة المناهضة على الأراضي السويدية.

واضطرت استوكهولم في مرات عديدة إلى وعود بتعديل بعض القوانين، مع رفضها تسليم مواطنين من أصول كردية طالبت أنقرة بتسليمهم، على خلفية اتهامات بمشاركتهم في "أنشطة إرهابية".

وأشعل قيام السياسي المتطرف السويدي-الدنماركي، راسموس بالودان، في يناير/ كانون الثاني الماضي بإشعال نسخة من القرآن أمام سفارة أنقرة في السويد، إلى عودة ملف موافقة البرلمان التركي على عضوية البلد في "الأطلسي" إلى النقطة الصفر.

وبرغم إعلان الساسة السويديين أن موقف بالودان لا يعبّر عن موقف بلدهم ومنعهم، في وقت لاحق، فعاليات أخرى كان بالودان ينوي فيها حرق نسخة من القرآن، إلا أن الأمور، وإن بدت متجهة نحو التخفيف في ضوء إظهار السويد تعاطفاً كبيراً وتقديمها مساعدات بعد الزلزال الأخير في تركيا، تعود المواقف التركية المتصلبة إلى الظهور، مع بدء البلدين لجولة مفاوضات جديدة بشأن هذه القضية التي يأمل السويديون أن تنتهي قبيل قمة حلف شمال الأطلسي صيف هذا العام.

وقدمت الحكومة السويدية، يوم الخميس الماضي، اقتراحاً لتعديل قانون الإرهاب، وذلك من أجل فتح الباب أمام ملاحقة قضائية بحق من يكون مشاركاً في منظمة مصنفة على قوانين الإرهاب. وذكر وزير العدل السويدي، غونار سترومر، أن المقترح يعني أن تصبح السويد مثل بقية الدول، التي لديها قواعد قانونية لملاحقة المشاركين في منظمات إرهابية، واعترف سترومر بأن بلده لم يكن يملك سابقاً مثل ذلك القانون و"ذلك يُعتبر ثغرة يجب أن تُغلق بقانون الإرهاب الجديد".

وبشأن الاتهامات التركية بأن بلده يعتبر "ملاذاً للأشخاص الذين يدعمون الإرهاب"، شدد الوزير على أن الأمر "ليس بهذا الشكل، ونحن لدينا مسؤولية سياسية لضمان ألا تكون السويد منطقة للإفلات من العقاب لأنواع مختلفة من الأعمال التي قد تعزز أو تدعم منظمة إرهابية"، وفقاً لما نقلت عنه وكالة الأنباء السويدية، تي تي.

ومنذ 2010 لم تعدل السويد قانون مكافحة الإرهاب، رغم أن جيرانها في الدول الإسكندنافية أدخلوا، من بين أمور أخرى، تعديلات صارمة منذ 2013 و2014، وبشكل خاص بعد أن بدأت مجموعات شبابية تلتحق بتنظيمات متشددة، وبالأخص "داعش" في سورية والعراق.

ومنذ أكثر من ست سنوات يجري الإعداد لقانون مكافحة الإرهاب الجديد في البلد، وسط انقسام كبير بين التيارات السياسية، حيث لعب اليسار دوراً رئيساً في قبول بعض بنوده التي اعتبرها تمسّ حرية الرأي والتعبير.

وتنشط بالفعل جماعات كردية مؤيدة للعمال الكردستاني في السويد، وأغلبها من اللاجئين الأكراد، حيث ترفع في فعالياتهم رايات الحزب وصور زعيمه المعتقل في تركيا، عبد الله أوجلان، ويحاجج الأتراك في طلب حظر أنشطة الحزب على الأراضي السويدية باعتباره حزباً مدرجاً على قائمة المنظمات الإرهابية في أوروبا.

ويأمل تحالف يمين الوسط الحاكم في السويد، برئاسة كريسترسون، التغلب على معارضة بعض القوى السياسية للقانون الجديد، لتقديمه كضمانة لأنقرة بأن بلاده تسير بالطريق الصحيح لتلبية بعض مطالبها ولضمان موافقتها على عضوية البلد في حلف شمال الأطلسي (ناتو).

وكان كريسترسون قد لمّح في مؤتمر صحافي، اليوم الثلاثاء، بالتوازي مع مفاوضات الطرفين السويدي والتركي في بروكسل، إلى صعوبة الموقف مع السجالات الداخلية حول تعديل قوانين الإرهاب، واعتبار أنّ من المحتمل التصديق على عضوية فنلندا بشكل منفرد، وأن يحصل التصديق على عضوية بلده لاحقاً.

السؤال المطروح الآن لم يعد يتعلق، من وجهة نظر كريسترسون والأمين العام لحلف ناتو، ينس ستولتنبرغ، بالعضوية السويدية بحد ذاتها، بل بتوقيت هذه العضوية التي تعتبر ضماناً عملياً للبلد أمام مخاوف متزايدة من آثار الحرب في أوكرانيا.

ودخلت السويد بالفعل في تعاون كبير مع الحلف الغربي، وتساهم بصورة واضحة في الجهود الأوروبية لدعم كييف عسكرياً، ما يجعلها جزءاً من الخطط العسكرية الأوروبية والأطلسية في منطقة البلطيق وغيرها، وهي تأمل تحويل هذا التعاون إلى صيغه القانونية تحت مظلة الناتو، بما في ذلك ضمانات الدفاع المشترك، التي تتمتع بها الدول الأعضاء في الحلف.

وقدمت استوكهولم سابقاً بعض التنازلات لأنقرة، مثل رفع حظر توريد الأسلحة الذي جُمد بعد ضغوط  كردية ــ يسارية على حكومة يسار الوسط السابقة في 2019. وقدمت وعوداً في المفاوضات السابقة بين الجانبين بتشديد قوانين "تمويل المنظمات الإرهابية"، وكذلك إدخال تعديلات قانونية تتعلق بالانتماء إلى تلك المنظمات والتحريض على العنف.

وقابلت أنقرة الوعود السويدية بكثير من التوجس، وخصوصاً بعد أن تدخلت المحكمة العليا في استوكهولم لوقف تسليم صحافي منتقد لأردوغان.

وتربط بعض الأقلام والآراء السويدية فتور الموقف التركي من عضوية استوكهولم في الناتو، من بين أمور أخرى، بما هو أبعد من علاقة الطرفين، حيث يعتبر هؤلاء أن الموقف الأميركي الداعم لبعض الأطراف الكردية في شمال شرق سورية، والذي تعتبره أنقرة تهديداً وجودياً، هو أحد التفسيرات في التشدد التركي للضغط على حكومة الرئيس الأميركي جو بادين لتقديم تنازلات في هذه القضية.

وينتشر بين مؤيدي هذا التفسير تشاؤم في إمكانية استجابة واشنطن للطلبات التركية، بتخليها عن دعم الأكراد، وبالتالي أن تصبح عضوية بلدهم في "الأطلسي" معلقة، وربما لا تُحسم قبل قمة الحلف القادمة في يوليو/ تموز القادم في ليتوانيا.

من جهة ثانية، يراهن معارضو تركيا على أن استمرار تصلب الموقف بشأن عضوية السويد في الحلف  يظهر تركيا جهةً "غير فاعلة ومزعجة وغير موثوق بها".

المساهمون