الحكومة اليمنية تطوي شهرها الأول: برامج مؤجلة وملامح أزمة عميقة

الحكومة اليمنية تطوي شهرها الأول: برامج مؤجلة وملامح أزمة سياسية عميقة

18 يناير 2021
الحكومة لم تنل بعد ثقة البرلمان (صالح العبيدي/ فرانس برس)
+ الخط -

طوت الحكومة اليمنية الجديدة، اليوم الاثنين، شهرها الأول، وسط ملامح أزمة سياسية عميقة قد تعصف بالمكتسبات الهشة التي تحققت إثر ضغوط مارسها الوسطاء السعوديون لإخراج اتفاق الرياض إلى النور.
ومنذ تشكيلها في 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لم تحقق ما تسمى بـ"حكومة الكفاءات السياسية" أي اختراقات جوهرية في سبيل تطبيع الأوضاع على الأرض، كما أن الهوة بين الأطراف المشاركة فيها ما زالت متسعة، وخصوصا عقب الأزمة التي أحدثتها سلسلة قرارات أصدرها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الجمعة الماضي، وشملت تعيينات في مواقع مختلفة، أبرزها مجلس الشورى والقضاء.
ودفعت القرارات الجمهورية، "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي المدعوم إماراتيا، إلى شن هجوم لاذع ضد هادي واتهامه بـ"الانقلاب على مضامين اتفاق الرياض" وإرباك المشهد والخروج عن التوافق، كما توعد، في بيان صدر مساء الأحد، بخطوات مناسبة لم يفصح عنها، في حال لم يتم العدول عن تلك القرارات.


وكما كان حاصلا قبل تشكيل الحكومة، أعاد "الانتقالي الجنوبي" تسويق الاتهامات لحزب "الإصلاح" بالاستحواذ على مصدر القرار في الرئاسة اليمنية والوقوف وراء التعيينات الأخيرة، وخصوصا منصب النائب العام الذي ذهب في القرارات الأخيرة لوكيل وزارة الداخلية المتحدر من محافظة مأرب أحمد الموساي.
وبعد تصريحات أطلقها نائب رئيس المجلس رجل الدين السلفي هاني بن بريك، ألمح فيها إلى خطورة سيطرة "تنظيم الإخوان" على منصب النائب العام في الجمهورية، اعتبر عضو هيئة رئاسة "الانتقالي" سالم ثابت العولقي أن القرارات الرئاسية تكشف عن "أجندة الاستحواذ الحزبي بشكل فج ومفضوح"، وفقا لتغريدة نشرها على "تويتر" ليل الأحد.


ولا تُعرف ما هي الخطوات التي قد يُقدم عليها "المجلس الانتقالي"، وما إذا كان يدرس الانسحاب من الحكومة الشرعية أم لا، لكن بدا لافتا أن الاجتماع الذي عقده رئيس الوزراء معين عبد الملك، نهار أمس الأحد في عدن، لمناقشة الاختلالات القائمة في المنافذ البرية والبحرية، قد خلا من حضور وزير النقل عبدالسلام حميد.

وقال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد" إن الوزير المحسوب من حصة "الانتقالي الجنوبي"، والذي كان من المفترض أن يحضر الاجتماع الحكومي باعتباره المعني الأول بمعالجة الاختلالات، ذهب لحضور اجتماع آخر عقده رئيس "المجلس الانتقالي" عيدروس الزُبيدي، عبر الاتصال المرئي، مع قيادات انفصالية في عدن، لتدارس بيان أعلن رفضه القرارات الرئاسية الأخيرة.
ووفقا لوسائل إعلام تابعة لـ"الانتقالي"، فقد حضر الاجتماع جميع الوزراء المحسوبين عليهم بحكومة المحاصصة، فيما يشبه الاحتجاج على القرارات التي يصفها المجلس بـ"الأحادية".


ومن الواضح أن الحكومة الجديدة التي وصلت إلى عدن على وقع هجوم إرهابي خلّف 27 قتيلا وأكثر من 110 جرحى، ستكون رهينة التجاذبات السياسية التي بدأت ملامحها في تغيب وزير الإدارة المحلية، المحسوب على "التنظيم الناصري"، حسين الأغبري عن مراسم أداء اليمين الدستورية في الرياض، وعدم التحاقه بباقي الوزراء في عدن بعد شهر من تشكيلها.

ويبدو أن ملامح تحالفات سياسية قد بدأت تتشكل داخل أروقة الحكومة الجديدة، بعد انضمام "الحزب الاشتراكي اليساري" الذي يملك حقيبتين، و"التنظيم الوحدوي الناصري" (حقيبة واحدة)، إلى دائرة الرفض للقرارات الرئاسية، والتي كان "المجلس الانتقالي الانفصالي" أول من دشنها بشكل فوري.
وتتوافق رؤى "الاشتراكي" و"الناصري" مع "المجلس الانتقالي" في عدد من القضايا السياسية قبل أن تجمعها حكومة واحدة، ومن المرجح أن تشكل المكونات الثلاثة تحالفا ضد باقي الأحزاب الموالية لشرعية الرئيس هادي وقرارته بشكل دائم، وهي: "التجمع اليمني للإصلاح" وجناح "المؤتمر الشعبي العام" الموالي لهادي وحزب "الرشاد" السلفي، بالإضافة إلى مكوّن حضرموت، الذي التزم الصمت حيال القرارات الأخيرة.
وخلافا لبيان "المجلس الانتقالي" الذي كان صداميا وافتقر الحصافة السياسية عند تلويحه باتخاذ خطوات مناسبة، اعتبر مراقبون أن بيان "الحزب الاشتراكي" و"التنظيم الناصري" احتوى على اعتراضات مهمة يجب الالتفات إليها.
وقالت السياسية اليمنية ألفت الدبعي، في تدوينة على "فيسبوك"، إن "الاعتراض الذي أبدته الأحزاب، ربما لا يكون مخصصا على الشخصيات المعيّنة، بقدر ما هو اعتراض على التوقيت والآليات والوسائل التي كلما تقدمت الشرعية في لملمة صفوفها باتجاه تقارب ووحدة مكوناتها، ذهبت إلى اتخاذ قرارات تعمل على إضعافها للمرة الثانية".


وخلافا للأزمة السياسية والهوة الحاصلة، تواجه الحكومة اليمنية الجديدة ثغرة دستورية تتمثل في شرعيتها، وخصوصا بعد مرور شهر على تشكيلها وعدم نيلها ثقة البرلمان، رغم أن الدستور اليمني ينص على أن تقدم أي حكومة برنامجها لمجلس النواب خلال 25 يوما فقط لنيل الثقة وممارسة مهامها.
وقال مصدر حكومي مطلع لـ"العربي الجديد" إنه من المفترض أن تنتهي كافة الوزارات هذا الأسبوع من إعداد برامجها للفترة المقبلة، من أجل إقرارها وتقديمها للبرلمان.
وأشار المصدر، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، إلى أن الظروف الاستثنائية التي تعيشها اليمن، والظروف الخاصة التي تعرضت لها الحكومة عند عودتها بالهجوم الإرهابي، وكذلك بناء مؤسسات الدولة من الصفر في عدن، لن تمنع منح المزيد من الوقت لمجلس الوزراء قبل نيل الثقة.

وفي أول اجتماع لها بالرياض بعد أداء اليمين الدستورية، رفعت الحكومة حزمة من الأولويات للمرحلة المقبلة، على رأسها استعادة الدولة من "الانقلابيين الحوثيين" وتحقيق التعافي الاقتصادي، لكنها لم تترجم ذلك على الأرض بعد نحو 20 يوما من وجودها على الأرض.
وتفرغت الحكومة اليمنية، بدرجة رئيسية، لخوض معركة سياسية، تمثلت في تثبيت تهمة الهجوم الإرهابي على مطار عدن لجماعة "الحوثيين"، بثلاثة صواريخ إيرانية، ثم حشد الدعم الدولي للقرار الأميركي الخاص بإدراج الجماعة في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وتطمين الدول والمنظمات الأممية أن ذلك لن يمس الجانب الإنساني والسياسي.
أما ملامح التعافي الاقتصادي، التي ظهرت عقب وصول الحكومة بتلقي الريال المحلي دفعة معنوية كبيرة وتحقيق مكاسب واسعة، بدأت بالتلاشي مع فقدان تلك المكاسب، وعودة الانهيار بتسجيل أسعار الصرف 840 ريالا أمام الدولار الواحد صباح اليوم الثنين، بعد أن كان قد سجل 630 ريالا أمام الدولار غداة وصول الحكومة إلى عدن.