الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية: النتائج والمآلات

26 مايو 2024
من المعسكر الطلابي في جامعة جورج واشنطن (بروبال راشد/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية يمثل تقليدًا طويل الأمد للتعبير عن الدعم للقضايا العادلة ومواجهة الظلم، مؤثرًا في الرأي العام والسياسات في قضايا كبرى مثل حرب فيتنام والفصل العنصري.
- يتميز الحراك الحالي بتنوعه وعدم توحده تحت قيادة مركزية، معكسًا قوة الحركات الطلابية في توحيد الطلاب حول أهداف مشتركة مثل نزع الاستثمارات من إسرائيل.
- الحراك يشمل الطلاب الدوليين أيضًا، مع تأثير محتمل على الانتخابات الأميركية المقبلة، مؤكدًا على قوة الشباب في التأثير على السياسة والمجتمع وأهمية صوتهم في الدفاع عن العدالة.

لم يعد خافيًا على أحد أنّ الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية قد فاجأ الجميع نخبًا وعَوامَّ، لكن وبنظرةٍ عميقةٍ على الحراك نخلص إلى نتيجةٍ مفادها أن الحراك رغم عدم توقعه إلّا أنه ليس مستغربًا وليس بدعًا من الفعل. فالحراك الطلابي الجامعي في الغرب أداةٌ فاعلةٌ لنصرة المظلوم، ولإيقاف الحروب الظالمة، وتحقيق العدل في الأرض ما أمكن. فالحراك الجامعي في الولايات المتّحدة استطاع وضع حرب فيتنام تحت المجهر في سبعينيات القرن الماضي، ما أدّى، في نهاية المطاف، إلى تغيّر المزاج الشعبي الأميركي تجاه تلك الحرب، وانسحاب القوات الأميركية. ثمّ كان الحراك الطلابي الجامعي المناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، الذي بدأ في مدينة سويتو في جنوب أفريقيا في يونيو/حزيران 1976، وأسفر عن مقتل أكثر من 150 طالبًا، حين هاجمتهم المروحيات العسكرية. غيرت هذه التظاهرات تاريخ جنوب أفريقيا، وشحذت همم المطالبين بحرية سكان جنوب أفريقيا الأصليين في أنحاء العالم، وهو ما تحقق في نهاية المطاف بسقوط نظام الفصل العنصري عام 1994.

من أجل تحليل الحراك الطلابي الحالي في الولايات المتّحدة تحليلًا موضوعيًا، بعيدًا عن الرغبوية، لا بد من فهمه بدايةً، فهو:

أولًا: ليس منظمًا تنظيمًا موحدًا، أي ليس هناك جهةٌ واحدةٌ تقوده. فكلّ جامعةٍ لديها القسم الطلابي المنتخب الخاص بها. إذ لا وجود لـ"الاتحاد الوطني لطلبة أميركا"، الذي يأتمر بما ترتئيه القيادة الحكيمة، كما في دول منطقتنا.

لا يقتصر الحراك الطلابي على الطلاب الفلسطينيين الأمريكيين، إنّما يضم باقي فئات الطلاب الذين يؤيدون القضايا العادلة

ثانيًا: لدى الطلاب في الجامعات الأميركية قوةً هائلةً، لسببٍ بسيطٍ هو أنّهم يدفعون رسومًا باهظةً (مئات آلاف الدولارات) لقاء الدراسة، لذلك صوتهم مسموعٌ، ويستطيعون تغيير سياسات الجامعات تغييرًا كبيرًا، ومن ذلك مثلًا نزع الاستثمارات من إسرائيل، وهو ما حدث في جامعة كولومبيا سابقًا في ما يخص جنوب أفريقيا.

ثالثًا: الحراك الطلابي الحالي هو حراك الطلاب الأميركيين، وليس الطلاب الأجانب بسبب خوفهم من تعليق دراستهم، أو سحب فيزهم الدراسية، ومن ثمّ خسارة ما دفعوه من رسومٍ من دون الحصول على الشهادة في نهاية المطاف الدراسي.

رابعًا: ينحكم الحراك، كأيّ حراكٍ، بالقوانين الطلابية الداخلية. وهذا أمرٌ في غاية الأهمّية، فمثلًا التظاهر داخل الحرم الجامعي، التابع لسيطرة الجامعة نفسها، يختلف عن التظاهر في الشوارع المؤدية إلى الحرم الجامعي، الخاضعة لسيطرة المدينة التي فيها الحرم. في واشنطن مثلًا هناك جهةٌ ثالثةٌ هي الحكومة الفيدرالية، التي تمتلك جزءًا من الشوارع والأرصفة، لذا يجب على المنظمين الإلمام بهذه التفاصيل حين الدعوة لمسيرةٍ أو اعتصامٍ.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

خامسًا: يتميز الحراك الحالي بفهمٍ عميقٍ للسردية الفلسطينية، وما حاق بالفلسطينيين من ظلمٍ بسبب زرع الكيان الصهيوني في فلسطين. ليس هناك اليوم قوّةٌ تستطيع تغيير هذا الفهم في أوساط الطلاب، وهو ما يسميه الكاتب "التاريخ الطبيعي لفهم الظواهر الاجتماعية". تمامًا مثلما حدث في العلوم الطبية غربيًا في بدايات القرن العشرين، حين فهم الأطباء التاريخ الطبيعي للأمراض فاستطاعوا معالجتها علميًا بعيدًا عن الخزعبلات.

سادسًا: لا يقتصر الحراك الطلابي على الطلاب الفلسطينيين الأمريكيين، إنّما يضم باقي فئات الطلاب الذين يؤيدون القضايا العادلة ضدّ الظلم والاضطهاد.

سابعًا: سينتهي الحراك الطلابي الحالي قريبًا، بانتهاء الفصل الدراسي، لكنه سيعود بعد العطلة الصيفية في شهر سبتمبر/أيلول، ما يعني على مقربةٍ من الانتخابات. لذا وفي حال قرر الطلاب عدم التصويت للحزب الديموقراطي في نوفمبر/تشرين الثاني، أو اتفقوا على التصويت لمرشحٍ ثالثٍ، سيحدث زلزالٌ سياسيٌ في أميركا، الأمر الذي يحاول الكونغرس، بشقيه، تلافيه. إرهاصات ذلك الزلزال بدأت بالظهور فعلًا، فقد أظهر استقصاءٌ للرأي أجرته كلٌّ من صحيفتي "نيويورك تايمز" و"فيلاديلفيا إنكوايرر"، وكلية سينّا للاستقصاءات، في الفترة الممتدة بين 28/4/2024 إلى 9/5/2024، أن الرئيس السابق دونالد ترامب يتقدم على الرئيس الحالي جو بايدن في خمس ولاياتٍ حاسمةٍ في بنسلفانيا وأريزونا وميشيغان وجورجيا ونيفادا، بسبب تآكل الدعم الذي كان يحظى به الأخير بين شريحتي الناخبين الشباب وغير البيض.

الحراك الطلابي الحالي هو حراك الطلاب الأميركيين، وليس الطلاب الأجانب بسبب خوفهم من تعليق دراستهم

يندرج الحراك الجامعي تحت باب دفع/ مجابهة الظلم، التي هي مطلبٌ من مطالب ديننا الحنيف، وقيمةٌ من قيمه العليا، فهي التي تسمح للمجتمعات أن تتنفس، إذ لا يطغى فريقٌ على آخر.

وحين تغيب المجابهة عندئذٍ يقع المجتمع كله إذ تفسد البلاد بهيمنة فريق على باقي العباد. ﴿… وَلَولا دَفعُ اللَّهِ النّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَهُدِّمَت صَوٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوٰتٌ وَمَسٰجِدُ يُذكَرُ فيهَا اسمُ اللَّهِ كَثيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزيزٌ﴾ [الحج: 40 - 40]

لم تكن مجابهة الحراك الطلابي الحالية بالسلاح أبداً بل بالكلمة والصرخة المدوية. وقد آتى الحراك بالكثير من أُكُلِهِ، فمطالبه كانت بسيطةً واضحةً غير معقدةٍ:

1- نزع الاستثمارات الجامعية من إسرائيل، وهو مبلغ بمئات ملايين الدولارات، إذ استجابت جامعاتٌ كثيرةٌ، خصوصًا بعد افتضاح أن هذه الاستثمارات كانت في المجالات العسكرية، كالمسيّرات العسكرية القاتلة، وتكنولوجيا المعلومات، التي سمحت بقتل المدنيين، ما كشف عن التحالف المركّب الإسرائيلي الجامعي The University Israeli Complex، على غرار المركّب العسكري الصناعي The Military Industrial Complex، وغيره من المركَّبات.

2- إيقاف التعاون الأكاديمي وقطعه بين الجامعات الأميركية والإسرائيلية.

3- حماية التعديل الأول من الدستور الأميركي، الذي يسمح بالتظاهر السلمي، وحرية الكلمة، ما سمح بالمجاهرة بانتقاد الحركة الصهيونية في رابعة النهار، وهو الأمر الذي لم يكن متخيلاً قبل أسابيع قليلةٍ.

ختامًا؛ نستخلص من هذا الحراك؛ أنّ أضعف الناس، شباب الجامعات وشاباتها، استطاعوا مدافعة/ مجابهة أقوى قوّةٍ على وجه الأرض، النخبة الحاكمة في واشنطن، بشقيها الديموقراطي والجمهوري. لإنّ قوّة هؤلاء الطلاب تكمن حقيقةً في ضعفهم، فهم طلاب الجامعات التي تزخر بمئات مليارات الدولارات، منحًا وهباتٍ وأوقافًا، لتسخرها لقتل الضعفاء والمظلومين، في الوقت الذي يتخرج خريجوها وهم مدينون بمئات آلاف الدولارات للبنوك التي تملك مستقبلهم عبر القروض الربوية، التي لم يستطع الرئيس بايدن الإيفاء بوعده، الذي كان قد قطعه لهم خلال حملته الانتخابية، بأن يمسح تلك القروض.

المساهمون