الجزائر نحو ملء الفراغات في الجنوب بعد الاستقرار الأمني

الجزائر نحو ملء الفراغات في الجنوب بعد الاستقرار الأمني

01 يناير 2023
انتشر الجيش الجزائري في الولايات الجنوبية (العربي الجديد)
+ الخط -

يؤكد قرار السلطات الجزائرية تسهيل وصول السياح الأجانب إلى مدن الجنوب، وإطلاق خطط بنى تحتية، وجود ارتياح لدى السلطات الجزائرية بشأن استقرار الوضع الأمني في المنطقة الصحراوية القريبة من مناطق التوتر في الساحل، وتحكّمها الكامل في أمن المنطقة الجنوبية.

ويأتي ذلك بعد سنوات من المخاوف المستمرة من التهديدات المسلحة، خصوصاً بعد هجوم تنظيم "القاعدة" على منشأة الغاز في تيقنتورين، الواقعة على بعد 30 كيلومتراً غرب عين أميناس، في عام 2013، صاحبها نشاط متقطع للجماعات المسلحة ومحاولات التسلل من شمال مالي والنيجر لاستهداف مصالح داخل التراب الجزائري.

الجزائر نحو ملء الفراغات في الجنوب

وأتاح السياق الأمني الجديد في منطقة جنوبي الجزائر توجهاً حكومياً نحو ملء الفراغ بأنشطة حيوية، وظروفاً للعودة إلى النسق الطبيعي للأنشطة الاقتصادية، على غرار السياحة واستقبال قوافل السياح الأجانب، وذلك بعد توفّر مناخ أكثر أمناً لكامل المنطقة، شجع الحكومة على إطلاق مشاريع بنى تحتية كالطرق العابرة للحدود والتفكير في مشروع سكة الحديد إلى غاية الحدود مع كل من مالي والنيجر.

تَأتّى ذلك بفعل خطط التأمين ومراقبة الحدود والانتشار التي نفذها الجيش الجزائري على مدار العقد الماضي، خصوصاً منذ إطلاق خطة "اجتثاث الإرهاب" في أكتوبر/تشرين الأول 2015، حين أبدت قيادة الجيش اهتماماً خاصاً بمنطقة الجنوب. وبرز ذلك بالزيارات الميدانية والمستمرة لكبار قادة الجيش إلى الوحدات القتالية في الجنوب والصحراء الجزائرية.

كما ساعد تطوير الجيش استخدامات التكنولوجيا الحديثة في مراقبة الحدود على تأمين المنطقة الصحراوية ومنع تحركات الجماعات المسلحة، واستنزاف عناصرها ودفعهم إلى الاستسلام وتفكيك شبكات الإسناد، على الرغم من محاولات نادرة للتسلل إلى عمق المنطقة.


مبروك كاهي: إصدار السفراء الأجانب تقارير إيجابية شجّع الدولة على فتح المسالك السياحية

ويفسر إعلان السلطات الجزائرية منح تأشيرات فورية عند الوصول للسياح الأجانب الوافدين إلى مدن الجنوب، ضمن سياق وجود حالة من الارتياح الكبير لدى السلطات بشأن الاستقرار والتحكّم الكامل في المعطى الأمني، ما يشجع على الفتح التدريجي للمسارات السياحية في الجنوب وعمق الصحراء الجزائرية، بعد إغلاقها الكامل منذ عام 2013، في أعقاب حادثة الهجوم الكبير على منشأة الغاز تيقنتورين بعين أميناس بولاية أقصى جنوبي الجزائر.

وحينها برز خوف من تنفيذ الجماعات المسلحة عمليات خطف للسياح الأجانب، على غرار عملية خطف 33 سائحاً ألمانياً في إبريل/نيسان 2003، من قبل تنظيم يقوده عمار صايفي، في منطقة إليزي جنوبي الجزائر، نُقلوا إلى شمال مالي، وبودلوا بفدية ستة ملايين يورو دفعتها ألمانيا.

وخلال السنوات التسع الماضية، أبقت السلطات على هذه المسالك مغلقة في وجه الأنشطة السياحية، خصوصاً في وجه السياح الأجانب، عدا زيارات تخضع لترتيبات أمنية مشددة.

وفي إبريل 2018، كان رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى قد رد حينها على مطالبات سياسية ومدنية ومن الفاعلين في قطاع السياحة، بفتح المسالك السياحية في الجنوب، بأن "الحكومة ما زالت تحظر فتح المسالك السياحية في الصحراء والجنوب الجزائري، بسبب الخوف من عمليات خطف لسياح أوروبيين، ما يمكن أن يضر بالسياسة الوطنية لمحاربة الإرهاب، ولكون الجزائر ما زالت تتخوف من تهديدات إرهابية متأتية من الجنوب والساحل". ودعا حينها "العاملين في مجال السياحة في الجنوب لتفهّم هذا الأمر".

لكن تطور الموقف بعد كل هذه السنوات والمجهود العسكري الذي بُذل في الفترة السابقة، وتحييد السلطات الجزائرية المخاوف الأمنية في المنطقة، وإعادة فتح المسالك السياحية، يأتي، بحسب أستاذ العلوم السياسية والباحث في شؤون أمن منطقة الساحل في جامعة ورقلة جنوبي الجزائر، مبروك كاهي، بمثابة "إعلان هزيمة العناصر الإرهابيين، وإثبات قوة الدولة ومحاولة للتعايش مع الوضع بإجراءات احترازية تسمح بعودة السياحة بإجراءات تنظيمية تسمح للمصالح الأمنية القيام بعملها".

تقارير إيجابية حول الاستقرار الأمني

ويشير كاهي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "الزيارات المتعددة للسفراء الأجانب في الفترة الأخيرة إلى المناطق الصحراوية، وإصدارهم تقارير إيجابية حول الاستقرار الأمني، ساهمت كثيراً وشجعت وزارة الداخلية الجزائرية على اتخاذ قرار فتح المسالك السياحية في الصحراء، وإتاحة فرص عمل لصالح شباب المنطقة".

ويضيف: "هذه فرصة ثمينة للولايات الجنوبية للانخراط في النشاط السياحي، خصوصاً مع وجود عدد من الفنادق بمواصفات سياحية تم بناؤها وأخرى قيد الإنشاء في العديد من ولايات الجنوب، وكل هذا يدخل ضمن استراتيجية الدولة في تنويع مصادر للدخل تدعم الريع البترولي".


ساعد تطوير الجيش استخدامات التكنولوجيا الحديثة على تأمين المنطقة الصحراوية

ويعتقد خبراء في الشأن الاقتصادي أن هذه التطورات الإيجابية تأتي متزامنة مع بروز حاجة اقتصادية ملحّة لبعث قطاع السياحة واستغلال مقدرات المنطقة، وتطوير البنى التحتية للمنطقة، وملء الفراغ السكاني في الصحراء، وتوجيه جزء من الثقل الديمغرافي والنشاط الاقتصادي إلى الجنوب، ضمن مقاربة تتضمن تكثيف الحركة والوجود البشري والنشاط الاقتصادي المنظم، منعاً للفراغ الذي تستغله شبكات الإرهاب والتهريب والجريمة.

ومن خلال ذلك، يجرى التوجّه إلى تعزيز التبادل التجاري مع دول الساحل وأفريقيا، وفتح ممرات لضمان تدفق السلع والمنتجات الجزائرية إلى السوق الأفريقية، ضمن سياسة الدولة للتحرر من تبعية الاقتصاد المحلي للنفط، وهي خطط لم يكن ممكناً بدء تنفيذها من دون توفير ظروف الاستقرار الأمني اللازم.

بيد أنه وعلى الرغم من حالة الاطمئنان بالنسبة للسلطات الجزائرية بشأن وضعية الاستقرار الأمني، فإنها أبقت في الوقت نفسه تدابير اليقظة والحذر قائمة، منعاً لأي اختراق أمني قد يعطّل إعادة تشغيل المحرك الاقتصادي والسياحي لمنطقة الجنوب، وهو ما يفسر إدراج السلطات قراراً يلزم الوكالات السياحية بمد السلطات مسبقاً بكل المعطيات المتعلقة بالسياح الأجانب وبرنامج الزيارات السياحية، بهدف "توفير المرافقة اللازمة".

ويقصد بها توفير حلقة من الحماية الأمنية، بصورة غير ظاهرة ولا تزعج الحركة السياحية والاقتصادية وتمنع أي منغصات قد تعيد طرح سؤال الأمن في الجنوب.

المساهمون