الجزائر: فرصة حوار

الجزائر: فرصة حوار

09 ديسمبر 2020
تحتاج الجزائر إلى شجاعة متبادلة (فرانس برس)
+ الخط -

تبدو الصورة كاريكاتورية في الجزائر وبالغة التعقيد. بلد بدستورين، وبلا رئيس منذ شهرين، دستور ساري المفعول والثاني مُعلّق في انتظار توقيع الرئيس، والرئيس في رحلة علاج طالت لدرجة مقلقة، وفجّرت أسئلة كثيرة عن الأفق السياسي والخيارات الممكنة. مهما يكن الأمر، في الوقت الراهن تبدو قناعة مشتركة ومتراكمة، لدى كل الأطراف المُشكّلة للمشهد الجزائري المتفاعل سياسياً، سلطة وأحزاباً، جيشاً وقوى مدنية، شخصيات ونخباً، بالحاجة إلى مبادرة وطنية يجتمع فيها الجزائريون، لاستدراك الأخطاء وتصحيح المسارات الخاطئة والقسرية. هذه المسارات أفضت - كما هو واضح - إلى اتساع المسافة بين الحاجيات الديمقراطية للجزائريين، والخطوات التي قامت بها السلطة منذ فرضها مساراً مرتبكاً وأحادياً، عزّز حالة الإحباط المجتمعي، وأفرز مخرجات هشّة، لم تتمتع، لا بالإجماع الضروري الذي تفرضه المرحلة، ولا بالقوة والشرعية التي يتطلبها إنجاز التغيير السياسي.
نعم، يبدو الظرف أكثر من مناسب، لأسباب عديدة داخلية وخارجية تقاطعت، لإطلاق مسار حوار وطني يجمع الأسر السياسية كافة، ويضع بكل شجاعة ومسؤولية الأسئلة الضرورية للانتقال الديمقراطي، والطموحات التاريخية التي عبّر عنها الجزائريون في مختلف محطات نضالهم الثوري منذ الاستقلال، وأبرزها حراك 22 فبراير/ شباط 2019، قيد نقاش سياسي حرّ ومسؤول، يُحرّر البلاد من الخيارات الأحادية التي ظلّت تنقل البلاد من أزمة الى أزمة، وتؤجل الحلول الديمقراطية.
ليس مهماً تحت أي سقف يمكن أن يتم الحوار الوطني. ثمّة عددٌ من الحلول الإبداعية والأسقف الدستورية التي تسع الجميع، وتفي أيضاً بتفهم مخاوف ما انفكت المؤسسة العسكرية تعلنها (الخوف من الخروج عن الدستور). وطبعاً ثمّة أسئلة تحتاج إلى الحسم، كمن يشرف على الحوار ومع من يتم الحوار؟ وما هي القواعد وبأيّ أجندة ومضمون سيتم الحوار؟ وما مدى إلزامية تنفيذ المخرجات والجهة الضامنة لذلك؟ تأخذ هذه الأسئلة مشروعيتها من إخفاق حوارات سياسية سابقة أنجزتها السلطة بطريقة مُعوّمة ولغايات غير ديمقراطية.
تحتاج الجزائر اليوم إلى شجاعة متبادلة. من السلطة التي يجب أن تُقر بواقع الأزمة وأبعادها وتداعياتها المستقبلية على السلم الأهلي، وتعاظم التحديات الخارجية في ظلّ عودة الاستقطاب الإقليمي، وبعدم قدرتها على تخليص البلاد من المستقبل الحالك من دون تعاون مع المجموعة الوطنية. كما تحتاج قوى التغيير، السياسي والمدني، إلى تفهم مخاوف السلطة وعصبها المركزي، الجيش، بشأن بعض الخيارات والمطالب كالمجلس التأسيسي والمرحلة الانتقالية. وإضافة إلى الثقة، يمكن أن تحدث هذه الشجاعة فرصة لتفاهمات جزائرية غير مسبوقة. أكثر من ذلك، أمام البلاد فرصة ثمينة لأن تكون الانتخابات النيابية المقبلة، فرصة لانتخابات تأسيسية ضمن مخرجات الحوار. 
الأمر بالتأكيد ليس بهذه الرومانسية السياسية الحالمة، لكنه يحتاج إلى جهد خلّاق. يتعين على النظام والمؤسسة الحيوية في الجزائر على وجه التحديد أن تختار بين استمرار النظام، أو إنقاذ البلاد من براثن مأزق يضيق باستمرار ويُضيق على الجزائريين في سبل عيشهم ومستقبلهم، ومن أزمة لا تتهدد النظام السياسي كما الأزمات السابقة فحسب، لكنها تهدد البلاد في عمقها الحيوي ومصالحها الاستراتيجية. من الخطأ الاعتقاد أن القوة العسكرية وحدها كافية لتوفير عوامل الحماية، فقد تغيرت كثيراً معالم الأمن وعوامل القوة.

المساهمون