التماس العفو عن معتقلي "حراك الريف" بالمغرب: إشارة إلى قرب الانفراج؟

التماس العفو عن معتقلي "حراك الريف" بالمغرب: إشارة سياسية إلى قرب الانفراج؟

11 نوفمبر 2021
عرفت الاحتجاجات لا سيما في مدينة الحسيمة، زخماً بشرياً لشهور عدة (Getty)
+ الخط -

 فتح وزير العدل المغربي والأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة" (المشارك في الائتلاف الحكومي الحالي) عبد اللطيف وهبي، الباب أمام إمكانية الطي النهائي لملف حراك الريف، بعدما أعلن، ليلة أمس الأربعاء، أنه يعمل على تحضير ملتمس للعفو عمن تبقوا من معتقلي حراك الريف في السجون، وسيرفعه إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس

وأكد وزير العدل، الذي كان يتحدث في برنامج "حديث الصحافة" على "القناة الثانية" المغربية ليل الأربعاء، أن ملف حراك الريف" يجب طيه نهائيا، وقد حان الوقت لفعل ذلك"، مشددا على أن "للملك القرار الأخير في هذه القضية التي استنفدت جميع مراحل التقاضي".

 وتأتي مبادرة وزير العدل لطي صفحة حراك الريف، الذي يعد من الملفات الشائكة والمعقدة، بكل تداعياته الحقوقية والمدنية، بعد أيام على حلول الذكرى الخامسة للحراك، وفي ظل تطورات عدة عاشها الملف؛ من أبرزها، مساهمة الجهود التي بذلت والإشارات التي توالت طوال الأشهر الماضية من قبل معتقلين سابقين وحتى من قائد الحراك ناصر الزفزافي حول إمكانية طي الملف، في إطلاق 17 معتقلًا خلال عفو ملكي بمناسبة حلول عيد الفطر الأخير.

سياسة/ناصر الزفزافي/(فاضل سنة/فرانس برس)
إطلاق سراح قائد الحراك ناصر الزفزافي من المطالب الرئيسة للحقوقيين (فرانس برس)

 ورغم معانقة المزيد من المعتقلين للحرية من باب العفو الملكي، إلا أن إطلاق سراح من تبقوا من معتقلين، وعلى رأسهم قائد الحراك ناصر الزفزافي يبقى إلى حد الساعة من المطالب الرئيسة التي يرفعها حقوقيون وجمعية عائلات المعتقلين، وذلك بهدف تحقيق تقدّم في مسار حلحلة الملف.

وطوال السنوات الثلاث الماضية، دخلت جهات متعددة على خط الملف من خلال اقتراح مبادرات لخلق انفراج، عبر التماس سبل نيل معتقلي الحراك حريتهم. وتوزعت المبادرات ما بين مقترح العفو العام الذي يمكن أن يصدره البرلمان في حالة تبنّي مشروع قانون يسمح بذلك، وبين مبادرات احتجاجية وأخرى تطالب المعتقلين بتقديم طلبات للعفو الملكي مرفقة بـ"مراجعات".

غير أن تلك المطالب أثارت غضب جمعية عائلات المعتقلين، إذ أعلنت رفضها تلك المبادرات، ورأت أن الجهات التي تقودها تعمد إلى الضغط على المعتقلين، وتحاول عزل قائد حراك الريف ووالده. كما طالبت بتغيير أسلوب التعامل، عبر تشكيل قوة مجتمعية تضغط على الدولة من أجل إطلاق سراح المعتقلين. 

وتبقى من أبرز المبادرات التي دخلت على خط المصالحة بين الدولة ومعتقلي الحراك، مبادرة محمد النشناش، الرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، الذي قاد بعد حوالي 10 أشهر من اندلاع الحراك، وساطة باسم "المبادرة المدنية من أجل الريف". كما أن هناك المبادرة التي قادها نور الدين عيوش، المعروف بقربه من القصر، إلى جانب كلٍّ من كمال الحبيب وإدريس الموساوي وعلي أعبابو، باسم "الائتلاف من أجل الديمقراطية والحداثة"، حيث تم عقد لقاءات عديدة مع قياديي الحراك في سجن عكاشة بالدار البيضاء. 

وفي الوقت الذي كان فيه الفشل هو مصير كل المبادرات المتعاقبة لإحداث الانفراج المنشود وإيجاد تسوية نهائية حتى الآن، شكّل تقديم طلبات الاستفادة من العفو الملكي الطريق الوحيد لمعانقة العديد من المعتقلين للحرية خلال السنوات الماضية.

 وجرت العادة في المغرب أن يقوم الملك بإصدار عفو عن معتقلين، قد يصل عددهم إلى المئات، سواء من المتابعين قانونياً وبانتظار قرار المحكمة النهائي، أو المدانين من قبل المحاكم، وذلك خلال مناسبات وطنية ودينية، كـ"ذكرى المسيرة الخضراء" و"عيد العرش" وعيدي الفطر والأضحى.

أهم إشارة سياسية

 وبينما يسود ترقب في الأوساط الحقوقية والسياسية المغربية في انتظار ما ستؤول إليه مبادرة وزير العدل، الذي كان قد تقلد مهمة الدفاع عن معتقلي حراك الريف، اعتبر الناشط الحقوقي خالد البكاري أن ما صرح به المسؤول الحكومي بخصوص تحضيره لملتمس للعفو، يبقى إلى حد اللحظة أهم إشارة سياسية إلى قرب الانفراج في الملف.

 وقال الناشط الحقوقي، في تصريحات لـ"العربي الجديد " إن" وهبي، وهو المتمرس سياسيا، لا يمكن أن يقدم ذلك التصريح في غياب مؤشرات ومعطيات حاصلة بشأن اقتراب حل ملف هؤلاء المعتقلين"، مضيفا: "يظهر أن السيد وهبي له قنوات مع المحيط الملكي بخصوص هذا الملف، ولو لم تكن له ضمانات ما كان ليغامر بإحراج الملك سياسيا، في ملف هناك شبه إجماع حول ضرورة طيه".

وتابع البكاري: "يصبح من الثانوي البحث في هل وهبي تصرف وفق قناعاته أم أوحي له بذلك، لأن المهم هو حرية معتقلي حراك الريف"، مؤكدا أن من شأن أي انفراج في هذا الملف أن يكون انطلاقة نحو انفراج في باقي الملفات المتعلقة بالصحافيين والمدونين المعتقلين، وعموم معتقلي الرأي والاحتجاجات.

تفاؤل لعائلات المعتقلين

 من جهتها، أبدت مصادر من عائلات المعتقلين، طلبت عدم ذكر أسمائها، في حديثها مع "العربي الجديد "، تفاؤلها بإمكانية إطلاق سراح من تبقى من المعتقلين على خلفية حراك الريف، لافتة إلى أن العائلات ترحب بأي مبادرة تهدف إلى إطلاق سراح المعتقلين وتحقق ملفهم المطلبي.

 وشكّل مصرع بائع للسمك يدعى محسن فكري مسحوقاً داخل شاحنة للقمامة كان قد صعد إليها لاسترداد بضاعته المصادرة من طرف السلطات المحلية في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2016، الشرارة الأولى لاندلاع حراك الريف، بعدما نظم شباب غاضبون وقفة احتجاجية دفعت محافظ الإقليم ومسؤولا قضائيا بارزا إلى النزول للشارع من أجل التفاوض معهم.

ومنذ تلك الليلة، عمّت الاحتجاجات مدينة الحسيمة ومناطق مجاورة لها، لتتحول من مطلب محاكمة المتسببين الحقيقيين في مصرع بائع السمك، إلى مطالب أكبر وأشمل، تتضمّن رفع التهميش وما يسمّى العسكرة الأمنية عن الحسيمة، إضافة إلى تنفيذ مشاريع تنموية في مجالات التعليم والصحة والتشغيل. 

 وعرفت الاحتجاجات لا سيما في مدينة الحسيمة، زخماً بشرياً لشهور عدة، حيث شهدت المدينة تظاهرات ومواجهات بين المحتجين وقوات الأمن، انتهت باعتقال العشرات من الناشطين، أبرزهم ناصر الزفزافي، وذلك قبل أن تخف حدة هذه الاحتجاجات. 

وبعد احتجاجات الريف، أقال العاهل المغربي الملك محمد السادس، 3 وزراء وعددا من المسؤولين، لعدم إحراز تقدّم في خطة التنمية. 

وفي يونيو/ حزيران 2018، قضت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بإدانة الزفزافي و3 آخرين، هم سمير ايغيد، ونبيل أحمجيق، ووسيم البوستاتي، بالسجن لمدة 20 عاماً، وذلك بعد اتهامهم بـ"المساس بالسلامة الداخلية للمملكة".

 كما قضت بحبس نشطاء آخرين لمدة تراوحت بين عام واحد و15 سنة، فيما قضت بالسجن 3 سنوات مع النفاذ في حق رئيس تحرير موقع "بديل أنفو" الصحافي حميد المهداوي، بتهمة "عدم التبليغ عن جريمة تهدد سلامة الدولة".