الانتخابات الرئاسية الفنلندية: بين "مهووس بأوروبا" وإطفائي حروب العالم

27 يناير 2024
مصافحة بين ستوب (يمين) وهافيستو خلال مناظرة رئاسية الخميس (Getty)
+ الخط -

يتنافس في الانتخابات الرئاسية الفنلندية، المقرّرة غداً الأحد، لخلافة الرئيس المنتهية ولايته ساولي نينيستو، 9 مرشحين من مختلف التيارات السياسية في البلاد، ومن أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. ومع ذلك، تعطي استطلاعات الرأي مرشحَين أساسيين أكثر الحظوظ في الفوز أو الوصول إلى الجولة الثانية في 11 فبراير/ شباط المقبل، بحال لم تحسم النتيجة في الجولة الأولى.

يتصدر المشهد في الأمتار الأخيرة نحو القصر الرئاسي في هلسنكي سياسيان مرموقان في بلدهما ووجهان معروفان على المستوى الأوروبي والدولي، وإن كانا يتحدران من معسكرين سياسيين مختلفين، وهما ألكسندر ستوب وبيكا هافيستو، المتقدمان على بقية المرشحين في الاستطلاعات الأخيرة أول من أمس الخميس. ويراهن الرجلان على قواعد انتخابية عند أحزاب تفضّل أحدهما على الآخر في الجولة الثانية، ومن خلال عملية حسابية سياسية دقيقة.

ستوب... المفضل ليمين الوسط بانتخابات الرئاسة الفنلندية

يعتبر السياسي ألكسندر ستوب (55 عاماً)، أحد الوجوه السياسية المثيرة للجلبة في فنلندا وأوروبا. بدأ حياته السياسية في يمين الوسط بحزب "التجمع" المحافظ، وانتخب إلى البرلمان الأوروبي بين 2004 و2008. أصبح في 2008 وزيراً لخارجية بلده، وتولى بعد ذلك مناصب وزارية أخرى حتى 2014. واختير بين 2014 و2015 رئيساً للوزراء. متخرج في عام 1999 من كلية لندن للاقتصاد، وعمل حتى 2001 في الممثلية الفنلندية لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل، ثم حتى 2003 مستشاراً في رئاسة المفوضية الأوروبية.

يقدم ستوب نفسه للجمهور الفنلندي على أنه بارع في السياسة الخارجية لكنه انتقد بسبب سياسته مع روسيا

يعرف ألكسندر ستوب في بلده بأنه "مهووس بأوروبا"، طامح للوصول إلى منصب رئاسة المفوضية في الاتحاد الأوروبي. وهو خلال 8 سنوات فقط، بين 2008 و2016، كان قد صنع لنفسه مسيرة مهنية خاطفة. متمكن من عدة لغات، بما فيها الألمانية والإنكليزية والفرنسية، ومضيفاً إلى لغته الفنلندية أيضاً اللغة الاسكندنافية، بفضل جذوره السويدية.

في عام 2016، تفجرت علاقة ستوب بحزبه "التجمع" وأقيل من قيادته. لكنه عاد إليه سريعاً، وقبل العمل تحت قيادة خلفه في قيادة الحزب بيتري أوربو الذي يترأس الحكومة اليوم. قدّمه أوربو كمرشح عن الحزب للرئاسة، وباعتباره من فئة "الوزن السياسي الثقيل" ليخلف الرئيس الحالي نينيستو، من الحزب نفسه.

ذاق ستوب طعم الهزائم السياسية من العيار الثقيل. فعلى المستوى الأوروبي، حلّق به طموحه في 2018 نحو إطلاق ترشحه باعتباره "الأوفر حظاً" للحصول في 2019 على لقب رئيس المفوضية الأوروبية عن المحافظين، لكن سرعان ما أدار له المتنفذ في البرلمان الأوروبي الألماني مانفريد فيبر ظهره، ليتحول ستوب منذ 2020 إلى مدير لكلية الحوكمة العابرة للحدود الوطنية في جامعة فلورنسا.

منحته فترته في وزارة خارجية فنلندا الكثير من الفرص للتعرف إلى ساسة العالم، ويقدم نفسه للجمهور الفنلندي على أنه بارع في السياسة الخارجية، التي تدخل بطبيعة الحال ضمن صلاحيات الرئيس.

يركز ستوب على أنه سيعمل في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية الفنلندية ليكون بلده ذا مصداقية بين الحلفاء، ويعتبر رئيس فنلندا الأسبق بين 1994 و2000 مارتي آهتيساري قدوته، والذي عُدّ أحد وسطاء السلام عالمياً. بالطبع لا يغفل ستوب أهمية عضوية بلاده في حلف شمال الأطلسي (ناتو) ربطاً بالعلاقة مع الجار الروسي.

مع ذلك، يلقى ستوب الانتقادات الكثيرة على قيام بلده أثناء رئاسته للحكومة بمواصلة العلاقات مع موسكو رغم احتلالها شبه جزيرة القرم وضمّها في 2014، حيث قام بتوقيع شراكات مع روسيا تتعلق بالطاقة النووية.

يعوّل هافيستو في الدورة الثانية على أصوات اليسار والتحالف الليبرالي

وحتى يوم الأربعاء الماضي، كرّر ستوب رؤيته كرئيس محتمل، لمستقبل موقع فنلندا الدولي، بعد أن أصبحت عضواً كاملاً في الناتو، باعتبارها "واحدة من أهم 10 شركاء استراتيجيين للولايات المتحدة". لم يشاطره الأميركيون الرؤية ذاتها، بحسب ما عقّب الباحث في العلاقات عبر الأطلسي في معهد السياسة الخارجية هنري فانهانين على شاشة التلفزيون الفنلندي. ومنحته الاستطلاعات الأخيرة نحو 27 في المائة من أصوات الناخبين للجولة الأولى.

بيكا هافيستو... ملاذ اليسار ويسار الوسط

في مقابل حماسة ستوب، يبرز وزير خارجية فنلندا السابق (حتى العام الماضي)، بيكا هافيستو (65 عاماً). وهافيستو مرشح لمنصب الرئاسة من قبل "الخضر"، وبدعم من "القائمة الشعبية الانتخابية".

ساهم الرجل بصورة فعّالة، إلى جانب نينيستو، في تسريع انضمام بلاده إلى حلف الأطلسي. وهو يملك خبرة دبلوماسية عريقة أهّلته للانتقال بين 1999 و2005 ليعمل في عدد من النزاعات، كالبلقان وأفغانستان وفلسطين والعراق وليبيريا والسودان، وفي مناطق صراع أخرى بإطار برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

يتحدث بلغته الأم الفنلندية والسويدية والإنكليزية، ويلقى ترشحه دعماً من قواعد اليسار ويسار الوسط، وخصوصا إذا ما وصل إلى الجولة الثانية في مواجهة أحد أقطاب معسكر اليمين.

لدى هافيستو مواقف مؤيدة للتعاون الدفاعي بين "دول الشمال"، ويقف بقوة ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، متعهداً بدعم إعادة إعمارها. وإلى جانب ذلك، لديه طموحات كبيرة في أن تصبح فنلندا ذات تأثير عالمي، ويطرح في سبيل ذلك مشروعاً لأجل إصلاح هيئة الأمم المتحدة، معتبراً قدوته (الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة) كوفي أنان "لأنه تجرأ على تحدي القوى العظمى، بمن فيهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي".

يقرأ سلامة بلده فنلندا على أنها ممتدة من الجبهة الشرقية للناتو وصولاً إلى الأمن في البحرين الأبيض المتوسط والأسود، والعلاقات عبر الأطلسي وقضايا القطب الشمالي. ويعتبر أن طول الحدود مع روسيا يخلق تكاليف على حساب التنمية. يرفض أن تجري أوروبا حالياً أي تواصل رفيع المستوى مع روسيا، إلا إذا انسحبت الأخيرة من أوكرانيا، متعهداً بالرد على الاستفزازات الروسية على طول الحدود.

في كل الأحوال، هذه ليست المرة الأولى التي يكون فيها بيكا هافيستو مرشحاً في الانتخابات الرئاسية الفنلندية الرئاسة، بل هي الثالثة له. ويأمل الرجل، كما تذهب التحليلات، بتوسع قاعدة مؤيديه من خارج "الخضر"، حين يصل إلى الجولة الثانية. تمنحه الاستطلاعات نحو 23 في المائة في الجولة الأولى. ومعظم المؤشرات والتحليلات تفيد بأن أحزاب اليسار الاشتراكي والاجتماعي الديمقراطي والتحالف الليبرالي ستمنحه أصواتها في جولة 11 فبراير، إذا ما رست العملية الانتخابية عليه وعلى أحد مرشحي اليمين، وعلى الأرجح سيكون منافسه هو ستوب.

المساهمون